لنتمشّى في دبي!

بعيداً عن والشوارع العريضة والسيارات في الذهاب والإياب غير المنقطع،  وعوالم المال والإستثمارات وآخر هندسات القرن الواحد والعشرين، هناك أصيلة متواضعة شعبية تعجّ تراثاً وألواناً، وتسمح للزائر بأن يمشي ويتنفّس ملء رئتيه!

نعم، أنت في دبي. أناس عاديون، متوسّطو الحال. هنود، سيّاح، أطفال يركضون، بائعو خضار وفاكهة، أقمشة، سجّادات، لوحات بالخط العربي، زركشات، بيوت قديمة مرمّمة بشكل ذكي. مقاهٍ في بيوت تراثية تظلل كراسيها الأشجار. فنادق صغيرة متواضعة على شكل بيوت ضيافة ترحّب بك في فسحاتها الحلوة بالإضافة إلى المعارض والفنانين... هنا يتوقف الوقت ويختفي ضغط القرن الواحد والعشرين اللاهث خلف الدرهم. تنفّسي، أنت في !

عودة إلى الماضي
تقع هذه المنطقة شرق المدينة في وتمثّل أحد المعالم التاريخية التي تميّز مدينة دبي. يعود تاريخ إنشائها إلى حوالى عام 1859. تمتدّ البستكيّة بمحاذاة وتحتوي على مبانٍ تقليدية من طابق أو طابقين ذات قيمة معمارية مهمة، وهي غنية بالعناصر الهندسية مثل البراجيل، الأعمدة، التيجان، الزخارف الخشبية والجصّية المميّزة. بدأت أعمال الترميم في هذا الحيّ عام 1996 وفق برنامج زمني مدروس لإعادة تأهيل كامل المنطقة نظراً لخصوصيتها المعمارية، وتقرّر أن تكون ذات هوية سياحية وتراثية تحتوي على المتاحف والمراكز والمعارض والأسواق التقليدية.

ما بين المعارض والأسواق
تزخر البستكيّة بالأماكن التي تمزج ما بين المقهى والمطعم والفندق الصغير وصالة العرض الفني، كل ذلك في المساحة نفسها. وأنت تسيرين في رحاب هذه المنطقة ستلتقين ببعض هذه الفنادق – بوتيك التي فيها من الأناقة ما فيها من رغد العيش ومزيج الفن العربي مع الفن الفارسي، وحيث يستقبلك الحرف العربي على الجدران أو على الأيدي في القطع الفنية التي تتراقص أمامك، وحيث ستُمتّعين ناظريك بلوحات لرسامين مشهورين. تكملين مسيرتك بين البيوت القديمة المتواضعة وأبراج الرياح، ثم تتوقفين فجأة لتسألي نفسك ألست في الهند أو في باكستان؟
نعم إنه واحد من وجوه دبي المتعدّدة الثقافات والمنفتحة والمتفاعلة على مرّ الزمن مع جوارها القريب والبعيد. تدخلين الأسواق الضيقة الممتلئة أقشمة وألوان وقمصان مطرّزة لتصلي إلى أسواق أخرى واسعة نسبياً، مقبّبة، تجدين فيها الكثير مما تستطيعين إهداءه لاحقاً.

على الأقدام
من قال إن السائح لا يمشي في دبي؟ تلفت انتباهك قبة جامع هنا فتسيرين باتجاهها، متحف وطني هناك في قلعة قديمة، فتمشين إليه، واجهة مزركشة، مزخرفة زرقاء لمبنى كبير، إلخ... وتمشين أيضاً في الأزقة إلى أن تصلي إلى الماء حيث يتغيّر المشهد وأنت ما زلت تتساءلين: "هل أنا في دبي؟". قوارب تتراقص على سطح الماء، مقاهٍ تطلّ على قناة الخور أو الكريك، التي يعبرها الناس، وتعبرين أنت معهم، بواسطة "العبرة" وهي مركب صغير، لتصلي إلى الجهة المقابلة لبرّ دبي، وهي الديرة، في الجانب الشمالي لدبي، حيث الأسواق الشعبية مثل سوق الذهب.
إنه الوجه الآخر لدبي، وهو في الواقع وجهها الأول. تعرّفي إليه عندما تذهبين  إليها، فتلوّنين هكذا فترة إقامتك في مدينة الأبراج.

أنطوان ضاهر

المزيد
back to top button