عواطف تحارب السرطان

"صار عندنا الآن إثباتات عن الروابط المباشرة بين الخلايا السرطانية وحالة الإنسان العقلية"، كما يؤكد الطبيب اللبناني-الكندي كريستيان بو كرم المتخصّص في معالجة الأمراض السرطانية. 

Le pouvoir anti-cancer des émotions كتاب أثار  اهتمامي فاشتريته واكتشفت أنّه دراسة طبية-فلسفية مطعّمة بكثير من الحكمة والأمل. وأكثر ما لفت انتباهي أنّه لم يكن كتاباً كغيره من الكتب الكثيرة التي يكتبها أي شخص كان، بل إنّه من تأليف طبيب متخصّص... ولبناني! فكان لا بدّ لي من مقابلته.


كان الثلج يتساقط بشدة على مونتريال يوم التقيت الطبيب الشاب البالغ من العمر 34 عاماً، فانذهلت بصفائه وهدوئه، هو من يصرّح: "أؤمن بشيء أكبر مني لكنّي لست أدري ما هو".

إنّه طبيب متخصّص في الأمراض السرطانية وعلاجاتها الشعاعية في أحد أكبر مستشفيات مونتريال وأميركا الشمالية، السرطان خبزه اليومي وهو يدرك ألم الناس. من خلال الاستماع إلى مرضاه، لاحظ أنّ البعض يتفاعل بطريقة أفضل مع العلاج إن كان مزاجهم جيداً وتفكيرهم إيجابياً. فذهب إذاً يبحث أبعد من ذلك ووجد ما هو مهم منطلقاً من مبدأ الارتباط الوثيق بين الجسم والروح والنفسية، ومحاولاً إيجاد ما يثبت نظريته في الأدب الطبي.

سبقه إلى هذا Daniel Servan Schreiber، الطبيب النفسي ومؤلف كتاب Guérir الشهير إذ اختبر لمدة عشرين عاماً، من خلال شخصه، أهمية المشاعر والبيئة الداخلية في مرض السرطان. بيد أنّ رئيس قسم الجراحة الشعاعية في مستشفى Maisonneuve-Rosemont ذهب أبعد من ذلك: لا تحدّد الجينات كل شيء مسبقاً بل إنّ البيئة والمحيط قد تبدّلها بطريقة إيجابية أو سلبية، كما أنّ المشاعر السلبية كالألم والخوف تؤدي دوراً جوهرياً في مسار تطوّر مرض السرطان.

"ليست الخلايا السرطانية مميتة وبوسعنا أن نتدخّل في عملية تطورها". من أجل شرح كل ذلك، يستعمل هذا الشاب المكلّف بإعطاء دروس في جامعة مونتريال، كلمات بسيطة ومقارنات سهلة الاستيعاب. فعلى سبيل المثال، وبغية تجسيد الصحة العاطفية وشرح كيفية تعاطينا معها، لجأ إلى ظاهرة الصدى. "تتواصل قيثارتان موضوعتان في الغرفة ذاتها بشكل فوري من خلال الصدى. فحين يُنقر وتر على القيثارة الأولى، تصدر الثانية النغمة ذاتها. بعبارة أخرى، تهتزّ القيثارة الثانية أيضاً، في الوقت عينه وبالقوة ذاتها من غير أن نلمسها". وهذا ما يحدث في التصوير بالرنين المغنطيسي. "تهز آلة الرنين المغنطيسي ذرات الهيدروجين في الجسم مما يبعث الطاقة. وإنّ هذه الطاقة هي في الواقع المعلومة التي نلتقطها والتي تظهر على شكل صور...

إنّ فهم هذه الظاهرة يفتح الباب على أبعاد تتخطى الأبعاد الجسدية". يحتوي كتابه المؤلف من 170 صفحة على مقولات فلسفية ومراجع علمية كثيرة. وبهدف شرح ظاهرة Epigenetics (وهو اكتشاف بيولوجي حديث يظهر أنّ بمقدورنا تغيير جيناتنا والحمض النووي في أجسامنا)، يوضّح ببساطة: "لو كانت حياتنا بالكامل محددة مسبقاً من خلال جيناتنا، لوجب على التوأم المتشابه أن يبقى متشابهاً في كل شيء حتى بعد 50 عاماً. لكن هذه ليست الحال... فحسب ما لاحظناه، يعاني كلّ شخص من مشاكل صحية مختلفة".

يتميّز هذا الطبيب بهدوئه وشغفه في آن واحد، وفي أوقات فراغه هو مؤلف موسيقي. يلخّص المسألة على الشكل الآتي: "إذا زرعتُ الخوف فيّ وعانيت من داخلي، فسينتهي بي الأمر بإفراز مادة الأدرينالين التي تضعف جهاز المناعة وتغيّر الجينات المرتبطة بمرض السرطان".  من أجل تفريغ الطاقة السلبية، يسترسل في الشرح مفصلاً عن كيفية المحافظة على الصحة الجسدية (تمارين رياضية، شمس، نظام غذائي، تنفّس...)، والصحة العاطفية (ضحك، نور، تنويم مغنطيسي) والصحة الروحية أيضاً (من خلال عيش اللحظة الحالية مع اليوغا والتأمّل). في هذا الإطار، أسّس مع أطباء آخرين هيئة تقدّم الدعم العاطفي لأشخاص مصابين بمرض السرطان، يمارس فيها شخصياً التنويم المغنطيسي. "إنّه أشبه بالقيام برحلة إلى القمر للهروب". كما كان يفعله وهو صغير في مزرعة يشوع في لبنان، حين كان يخاف من الحرب الرهيبة المندلعة من حوله. اهتزّت مشاعره جراء الأحاسيس القوية التي عاشها على الأرجح ولكن خصوصاً جراء ممارسته الطبية التي دفعته إلى طرح الكثير من التساؤلات والقراءة كثيراً والتفكير... "تبدّلت الأمور كثيراً منذ ثماني سنوات. وقد ارتفع عدد الناجين من السرطان ارتفاعاً ملحوظاً".

ينذهل هذا الطبيب المتخصّص بالأمراض السرطانية بمرضاه في المستشفى الذين يبحثون عن طرق مكمّلة للعلاج الكلاسيكي (الذي يؤكّد الدكتور بو كرم على أهميته). وهو يهتمّ خاصةً بعلم النفس العصبي، ما دفعه، كالكثير من زملائه، إلى الانخراط في علم الأمراض السرطانية الشامل. لا تتوقف هذه المقاربة الحديثة عند الخلايا السرطانية وحسب بل تتعدّاها إلى البيئة التي تعيش وتتطوّر فيها. "في الإنكليزية، لمصطلح "يشفي" كلمتان: heal and cure". يدعم زملاؤه هذه الفرضية القائلة بعدم وجود أية حواجز بين الجسد والعقل. وإنّ هذا الدعم من الجسم الطبي هو ما يزيد من قيمة هذا الكتاب (الذي تُطبع منه نسخات إضافية) المقنع علمياً والبسيط والمليء بالحكمة.


*Le pouvoir anticancer des emotions، الدكتور كريستيان بو كرم، دار les éditions de l’homme للنشر، 2011.

 

المزيد
back to top button