إذا كان حبيبك العسل...!

 إنّه واحد من المأكولات الطبيعية التي ما زلنا نحافظ عليها. يمكن تذوّقه في أي وقت وهو بديل نافع لل. تحذير وحيد: تجنيبه للأولاد ما دون السنتين.  

على لقمة خبز، مع الفاكهة أو الجبنة، في مشروب مغلي أو بالملعقة بكل بساطة، يعدّ ال لذّة حقيقية. تحلّي هذه الهدية المقدّمة من الطبيعة أطباقنا بفضل لونها الذهبي وطعمها الحلو كما تؤمّن لنا حسنات جمّة للحفاظ على السلامة.  

من حتى اليوم يُعدّ العسل جزءاً من المأكولات الأكثر قدماً لدى البشرية. وقد ارتقت به الحضارات الكبرى إلى مستوى الأساطير التي تجسّد الحياة والصحة الجيدة. لا تكفّ قصة هذا المنتج تذهلنا، من أوراق البردي في دلتا النيل التي جسّدت العسل على أنّه الحلوى المفضّلة لدى المصريين، إلى أبوقراط، الطبيب العظيم الذي كان يؤكّد أنّ العسل يطيل الأعمار ويجمّل الشيخوخة. كانت الأميرات الجميلات يستعملنه من أجل تحسين البشرة وقد وصف القرآن الجنّة بأنّها بلد يفيض منه الحليب والعسل.

نعم، لطالما كان العسل بمثابة هبة من السماء. لقاح و مع قدوم فصل الربيع، تتنقل النحلة من زهرة لأخرى وتملأ بطنها بالرحيق – الذي تصنع من خلاله العسل – كما تخزّن اللقاح – الذي تتغذى منه – على قوائمها الخلفية . تعطي كل خلية بين 10 و15 كلغ من العسل سنوياً. وبعد الحصاد بأربعة أو خمسة أيام، يصبح العسل جاهزاً للاستهلاك. وبما أنّه يتكوّن بطريقة طبيعية مئة في المئة لا يخضع لأي تحول ولا لأية زيادة. أحياناً، يخضع للبسترة من أجل تخفيف تبلّره وتخمّره، ما يضمن المحافظة عليه بطريقة أفضل.  

أحادي الزهر أو متنوّع؟
لطالما استُعمل العسل في الطب البديل لمعالجة آلام الحنجرة ولتعزيز التئام الجروح والحروق، وبالرغم من أنّ أية دراسة علمية لم تُثبت فعاليته حتى الساعة، تستمر أمهاتنا في الدفاع عنه!
يتفاوت لونه، وهذا يعتمد على الرحيق الذي يتأتّى منه، كما أنّه يميل إلى التدرّج القوي مع مرور الوقت عليه. حين يحتوي العسل على 50 في المئة من رحيق زهرة واحدة، يعدّ عسلاً أحادي الزهر ويحمل اسم تلك الزهرة، وإلاّ يطلق عليه اسم ألف زهرة. ويحدّد جنس الزهرة نكهة العسل وعطره. بهذه الطريقة، يكون عسل الأكاسيا ناعماً وزهرياً بينما يكون عسل اللاوندة معطراً ومعمراً. أكان أحادي الزهر أم متعدّد الأزهار، تحتوي ملعقة كبيرة من العسل على 60 سعرة حرارية مثل السكر. لكن خلافاً لهذا الأخير الذي لا يتألّف سوى من السكّروز، يحتوي العسل على الغلوكوز والفروكتوز. وهذان النوعان من السكر البسيط لا يحتاجان إلى الهضم بل يمتصّهما الجسم بسهولة وعلى الفور. علاوةً على ذلك، يتحلى العسل بفوائد prebiotics من خلال تحسين نشاط جرثومتين هما bifidobacterium وlactobacillus الموجودتين في أمعائنا، ما يسهّل تمرير الأكل.

لهذا السبب، يُنصح أحياناً للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الهضم باستبدال السكر بالعسل.  سكر؟ كلا، عسل! يحتوي العسل على مكوّن آخر مهم كثيراً: الفلافونويد. إنّها مركبات عضوية مضادة للأكسدة  تبطل عمل الجذور المضرة وتسمح بالتالي بتفادي ظهور أمراض الأوعية والقلب وبعض أمراض السرطان وبعض الأمراض الانحطاطية مثل الألزهايمر.

تتفاوت كمية الفلافونويد الموجودة في العسل حسب نوع الزهرة وكلّما كانت نسبتها مرتفعة، مال لون العسل إلى التدرجات الداكنة. كذلك، يحتوي العسل على الفيتامين B الذي يعطي النشاط والحيوية، لذا يحبّه الرياضيون فهو يقوّي العضلات ويزيد من قدرة الجسم على التحمّل، ويُمتص بسرعة، الأمر الذي يساعد على استرجاع النشاط فوراً بعد بذل المجهود. كما تجدر الإشارة إلى أنّ للعسل قدرة أكبر من السكر على التحلية إذ إنّ ملعقة واحدة من العسل توازي الطعم الحلو ذاته كقطعتين من السكر، بالتالي مزيد من النكهة الحلوة مقابل أقل. فهل تريدين المزيد من الفوائد لاستهلاكه؟! 

ممنوع للأطفال ما دون السنتين!
بما أنّ العسل غني بالسعرات الحرارية والسكريات، يجب تناوله باعتدال. ويجب على المصابين بداء السكر طلب رأي خبير التغذية للتأكد من طريقة إدخاله في النظام الغذائي الصحيح. كذلك، هناك خطر الإصابة بمرض botulism لدى الأطفال، وهو مرض نادر يأتي نتيجة دخول spores إلى الجسم، وهي خلايا تكاثرية تأتي من جرثومة Clostridium Botulinum التي تنتقل على الأرجح عبر النحل بواسطة الهواء والغبار. وبسترة العسل لا تسمح بتدميرها!

وبما أنّ أمعاء الولد الصغير غير قادرة على محاربة الجراثيم كما يجب، لا يقدر على هضم تلك الخلايا بسرعة لمنع تكاثرها. وحين تتكاثر في الأمعاء، تولّد سماً عصبياً قد يؤدي إلى أمراض تنفسية لدى الأولاد، لا بل إلى الموت! لهذا السبب، تنصح المنظمات العالمية ولا سيما الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بعدم إعطاء العسل لأطفال لا يتجاوز عمرهم السنتين. مع قليل من الحذر، لنستمتع بهذه الهبة التي تقدّمها لنا الطبيعة، بكل اعتدال وحب! 
 

المزيد
back to top button