يُعدّ الحبّ قدراً لا مجال لتفاديه. إنّه إحساس جميل يربط شخصين ببعضهما البعض! وحسب العلم، يمكن تصنيف كوصفه طبية تزوّد المرء بالرفاهية والسعادة والصحة الجيّدة. علاوةً على الإيجابيات التي نعرفها عن الحبّ، يبدو أنّ الحبّ يقوّي الأعصاب، يداوي الألم، يخفّف الضغط الدموي، ويتصرّف وكأنّه مخدّر لذيذ، إنّما طبيعي.
فما هي فوائد الحب الصحية والنفسية؟
1- يقوّي الخلايا العصبيّة
خلال السنة الأولى لقصّة الحبّ، ليس مستغرباً أن نشهد ارتفاعاً في عامل نموّ الأعصاب المعروف باسم NGF (Nerve Growth Factor). وهو عبارة عن بروتين ضروري لنموّ الخلايا العصبيّة ويسهم أيضاً في المحافظة على سلامة النفسيّة، وهذا سبب إضافي لضرورة الوقوع في الحب! يشتهر NGF بدوره في المحافظة على الخلايا العصبيّة ونموّها وهو يُعرف حالياً على أنّه وسيط الالتهاب وخاصّة على صعيد الرئتين. وقد أظهر العديد من الدراسات على الحيوان أنّ هذا العامل قد يسهم في زيادة الخلايا العصبيّة والإفراط في استجابة القصبات، وتحسّن التهاب المجاري الهوائيّة لمرضى الربو. ويشكّل العديد من أنواع الخلايا مصدراً لعامل نموّ الأعصاب في المجاري الهوائيّة: الخلايا الالتهابيّة في مخاط القصبات، والخلايا الهيكليّة القصبيّة: نسيج طلائي، عضلة ملساء قصبيّة وخليّة ليفيّة يافعة.
بالتالي، يرفع الحبّ من مستوى هذا العامل الشهير فيزداد العصب وتقلّ العصبيّة. ما عسانا نطلب أكثر؟!
2- يحارب الألم
سبق لنا أن علمنا أنّ الحبّ يساعد على معالجة العديد من الأمراض، لكن في إحدى الدراسات التي أجراها علماء نفس من جامعة كاليفورنيا، تبيّنت أيضاً تأثيرات الحب الإيجابيّة على تهدئة الأوجاع. في الواقع، إنّ الإمساك بيد الحبيب يساعد على التخفيف من الألم الجسدي. في بعض الحالات، يكفي النظر إلى صورته! هكذا يكون الحبّ "دواءً" حقيقيّاً يحارب الألم، إذا صدّقنا تلك الأبحاث التي نفّذتها كليّة الطبّ في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا. جمع أصحاب الاختصاص نساءً ورجالاً انخرطوا حديثاً في علاقة غراميّة. وقد وضعت أياديهم تحت محفّزات مؤلمة فيما طُلب من كلّ واحد مشاهدة صورة على الشاشة لحبيبه أو لشخص يعرفه أو الإجابة عن مجموعة أسئلة سخيفة. وقد جرت مواكبة نشاط الدماغ في الوقت عينه بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. وجاءت النتائج مذهلة، فإنّ الألم لدى رؤية الحبيب يخفّ أكثر منه لدى رؤية شخص آخر أو خلال جلسة الأسئلة والأجوبة. في ختام هذه الدراسة استخلص الباحثون أنّ تنشيط تلك الهيكليّات الدماغيّة بفعل الحب يتفاعل كمضادّ للألم بكلّ ما للكلمة من معنى.
وقد أجريت دراسة أخرى عن الحب وداء الصداع النصفي لن تُعجب أولئك الذين يتذرّعون بألم الرأس لتفادي العلاقة الحميمة. حتّى الآن، وُجدت بعض العناصر التي تشهد على ذلك لكن هناك علماء من جامعة Münster في ألمانيا قد قاموا بأوسع دراسة في هذا المجال وتبيّن لهم أنّ ممارسة الحبّ تحسّن في معظم الأحيان من وضع المصاب بالصداع النصفي.
3- يعزّز الإنتشاء
إنّ الوقوع في الغرام أشبه بأخذ جرعة من الكوكايين! فإنّ التجربتين تؤثّران على الدماغ التأثير ذاته، ما يؤمّن إحساساً شبيهاً بالنشوة، لأنّ القلب ليس العضو الوحيد الذي يتدخّل لدى الوقوع في الحبّ! فالدماغ أيضاً يُنتج مادّتين كيميائيّتين هما الدوبامين والنورادرينالين. بشكل جليّ، يختفي الحزن والقلق وتسيطر المشاعر المسكرة! وليس مستغرباً أن نكون قادرين على القيام بكلّ هذه الأشياء تحت ذريعة الشغف! بكلّ تأكيد، من المستحسن التعلّق بشخص آخر بدلاً من التعلّق بمخدّر مؤذٍ. إنّ الحب نوع من الإدمان الجيّد للصحّة، الذي لا يترك آثاراً جانبيّة (أو يكاد لا يفعل).
4-يقضي على التوتر والاجهاد
إنّ المعانقة لمدّة عشر ثوانٍ يوميّاً تكفي للتخفيف من ضغط الدم العالي ولتفادي مخاطر أمراض القلب، حسب الدكتور جان أستروم، كاتب دراسة نشرت في صحيفة Comprehensive Psychology. كذلك، من الممكن للعناق المنتظم أن يخفّف أيضاً من مخاطر الأمراض القلبيّة (ومن أسبابها الضغط العالي)، وأن يحارب التعب ويتفادى حالات الإرهاق. كما أنّ العناق يقوّي جهاز المناعة ويجعله جاهزاً لمحاربة الالتهابات.
ويشرح الدكتور جان أستروم: "تؤدّي التجربة الإيجابيّة للعناق العاطفي إلى ظهور ردّات فعل فيزيولوجيّة وبيوكيميائيّة". على الصعيد الكيميائي، نشهد ارتفاعاً في مستوى الأوسيتوسين، هرمون التعلّق، كما نشهد انخفاضاً في نسبة الكورتيزول، هرمون الإرهاق.
من جهة أخرى، يحتوي الجلد على شبكة من المتلقّيات تُسمّى جسيمات باتشيني، وهي تكون حسّاسة للضغوط والارتجاجات. ويرجّح الباحثون فرضيّة أنّه خلال الاتّصال الجسدي، يؤدّي تحفيز هذه الجسيمات إلى تحفيز عصب مهمّ من الدماغ يرتبط بالعديد من الأعضاء الأخرى كالقلب مثلاً كما بمتلقّيات الأوسيتوسين. هكذا، تؤدّي معانقة بسيطة إلى ردّة الفعل هذه التي تتسلسل في الجسم.