عادة ما تكون سنوات الطفولة هي أجمل فترة في حياتنا. في حين أن معظم الناس يوافقون على هذه الفكرة، فإن البعض الآخر قد يشعرون بالخوف حين يتذكرون أحداث الطفولة "المظلمة" التي عانوا منها. ليست كل مرحلة طفولة سعيدة، فبعضها مطبوع بسوء المعاملة والصدمات التي يمكن أن تجعل الإنسان محاصراً في خوفٍ شديد حتى في مرحلة البلوغ.
الطفولة هي "العصر الذهبي"، زمن الفرح والبراءة والاستكشاف والتفاؤل والحب غير المشروط. إنها فترة نحظى فيها بالحماية والعناية من قبل والدينا وعائلتنا. كل هذه التجارب تبني الأساس الذي يسمح لنا بالنمو كبالغين أصحاء ومسؤولين. لكن ماذا يحدث عندما تُفسد الطفولة، وعندما يتعرض الطفل للإهمال أو للحماية المفرطة أو سوء المعاملة والتخلي؟
التعدي على الطفل (أكان جسدياً، معنوياً أو لفظياً) هو أرض خصبة لتكاثر الصدمات السلبية التي تدمر تجارب الطفولة والتي تبقى معنا في حياتنا كبالغين، من علاقاتنا وحياتنا المهنية إلى صحتنا العقلية والجسدية. تشير الدراسات إلى أن حوالي 43٪ من الأطفال يعانون من صدمة واحدة على الأقل ويصابون باضطراب ما بعد الصدمة في طفولتهم. وكبالغين، يمكن أن تجعلنا الصدمات نشعر بالانفصال عن الواقع وتتسبب في شعورنا بالعار والذنب والعديد من المشكلات النفسية الأخرى.
في هذا المقال سنرى معاً كيف تؤثر صدمات الطفولة على حياتنا كبالغين.
1- الإصابة بإضطرابات نفسية
لاحظ الباحثون أن الإساءة والإهمال والتعدي في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والسلوك العدواني والانتحار لدى البالغين. عندما يتعرض الشخص للإهمال أو الإساءة بشكل منتظم في طفولته، فإنه يصبح عرضة لتطوير مشاكل في الإدراك والتواصل والتركيز، وقد يعاني أيضًا من إجهاد مزمن ونوبات هلع.
2- تطوير أنماط تعلق غير سليمة
طوّر المحلل النفسي "جون بولبي" وعالمة النفس "ماري أينسوورث" نظرية التعلق للتركيز على كيفية تطور أفكارنا كأطفال بناءً على كيفية تعامل آبائنا معنا. للأسف، وجد أن الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة والصدمات يميلون إلى تطوير أنماط تعلق غير سليمة يمكن أن تؤثر سلبًا على علاقاتهم كبالغين. لذلك كشخص بالغ، قد نواجه صعوبة في تكوين روابط صحية مع أحبائنا.
3- الدخول في علاقات غير سليمة
تساهم علاقتنا وارتباطنا بوالدينا بشكل كبير في تطوير نظام معتقداتنا. فتصبح العلاقة التي نشاركها مع والدينا هي التي نبحث عنها في حياتنا كبالغين. لذلك عندما يكون لدينا آباء مسيئون، فإننا بطبيعة الحال كبالغين سنبحث عن شركاء مسيئين. في حين أننا قد نقمع كل ذكريات طفولتنا، لا شعوريًا، فإننا ننجذب عاطفياً إلى الأفراد ذوي السمات المسيئة (تمامًا مثل والدينا) وغير المتاحين عاطفياً. يذكرنا الشركاء السيئون بهوية الصدمة لدينا ونشعر بأن هذا النوع من العلاقات مألوف لنا، حتى وإن أدركنا أن مثل هذه العلاقات ليست صحية.
4- الإدمان
يجد الأشخاص الذين تعرضوا للتعدي (أكان جسدياً، معنوياً أو لفظياً) أو الإساءة المتكررة والمزمنة في طفولتهم، صعوبة في إدارة القلق والصراعات الداخلية. وإذا لم يطلبوا المساعدة من معالج نفسي لحل مشكلاتهم، فعامةً ما سينتهي بهم الأمر وهم يحاولون علاج ذاتهم عن طريق الإفراط بتناول الأدوية أو الممنوعات أو الكحول أو حتى الطعام. نظرًا لأنهم يحاولون عبثاً التعامل مع صدماتهم السابقة والصراعات الداخلية التي تنبثق منها، فقد يصبحون مدمنين ويصابون باضطراب تعاطي الممنوعات.
5- الإصابة بأمراض مزمنة
يمكن أن تؤثر صدمات الطفولة على أجسامنا عندما نكبر وتتسبب في مشاكل صحية جسدية خطيرة. تشير الدراسات إلى أن الصدمات السابقة يمكن أن تزيد من مستوى النوربينفرين والكورتيزون في أجسامنا ويمكن أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري وأنواع معينة من السرطان واضطرابات المناعة الذاتية والسمنة على المدى الطويل.