كيف لنا أن نرغب ونعبر عن رغباتنا في أيامنا هذه؟ الجنس موضوع معقّد أصلاً، ويزداد تعقيداً عندما نربطه بالعلاقات والمسؤوليات والمستقبل والزواح والأولاد وحتى الأمراض، كما تبيّن أخيراً. ولكن على الرغم من كل هذه الأمور المترابطة التي قد تخفف من عزيمتنا وتطيح برغباتنا، تبقى الشهوات موجودة. لن نوقف أبداً مسيرة... هذا الإحساس الغامض الذي يحرّك الإنسان منذ بداية الزمن، فيبحث الرجل كما المرأة عن بعضهما البعض، ويلعبان لعبة الإغراء ثم يقترنان.
مشاكل الرغبة الجنسية لدى الرجال
يعاني 1 الى 15 في المئة من الراشدين الذكور من رغبة جنسية ضئيلة أو حتى غائبة. وبقدر ما استُحدثت حلول متعددة لمشاكل الإنتصاب، بقدر ما لم تستجب هذه المشاكل في الرغبات الجنسية الاّ جزئياً للعلاجات النفسية وتناول التيستوستيرون. بهدف مساعدة هؤلاء الأشخاص، قرر فريق فرنسي أن يكتشف حقيقة ما يحدث.
كلّ شيء في الرأس
تجربة فريق سيرج ستوليرو ليست الأولى. في العام 2000، كان الفريق قد حدّد المناطق الدماغية المعنية بالسيطرة على الرغبة الجنسية لدى الرجال. وبرهن هذا الاكتشاف أن الإثارة الجنسية لدى الرجال تسيطر عليها مناطق عميقة ومركزية في الدماغ معروفة بالفرنسية بأسماء غريبة عجيبة ك: كلوستروم و بوتانيم، بالاضافة الى قشرة الدماغ الأمامية. ولإكمال هذه الدراسة، اهتمّ هؤلاء العلماء بالتطورات الدماغية المرتبطة بانخفاض الرغبة الجنسية لدى الرجال او بغيابها.
وبالاعتماد على الطريقة المميزة التي أجروا وفقها دراستهم الأولى، قارن هؤلاء العلماء النشاط الدماغي لدى سبعة رجال يعانون من النقص في الرغبة الجنسية من جهة، وثمانية رجال معافين من جهة أخرى، يتفرّجون الى صور تولّد شعوراً بالرغبة الجنسية. عُرضت هذه الصور في أشرطة فيديو صامتة مدتّها ثلاث دقائق، وفي ثلاث سلسلات من الصور التي تتراوح طبيعة محتواها من الضمنيّ الى البينيّ. وللغوص في ذهون هؤلاء الرجال، كانت التقنية المستخدمة في الصور هي تقنية الرسم الطبقيّ من خلال بثّ البوسيتون التي تقيس تدفّق الدم في مختلف مناطق الدماغ.
النتيجة
سجّل لدى الرجال المعافين انخفاض في نشاط قسم من قشرة الدماغ الأمامية اليسارية نتيجة التفاعل مع الصور.
من جهة أخرى، لم يُسجّل أي غياب في النشاط في هذه المنطقة لدى الرجال الذين يعانون من نقص في الرغبة الجنسية، كما أن النشاط بقي مستداماً.
إذاً، المحافظة على هذا النشاط لا يمكن أن تؤدي الى إطلاق الحلقة الدماغية للجنس. قد تكمن المشكلة في انعدام رفع الكبت الذي يمارسه هذا القسم من الدماغ. غياب الرغبة ينتج إذاً عن حصر أو عن كبت لمنطقة في الدماغ.
بحسب الباحثين، دراسة هذا الكبت قد تكون مفيدة للأطباء النفسيين لأنها "توفّر لهم نقطة انطلاق مع هؤلاء المرضى كي يتعرّفوا بشكل أفضل الى الوجه النفسي للكبت المرتبط بالنقص في الرغبة الجنسية." وفي الواقع، إن التفاعل بين الظاهرات النفسية والتطورات الدماغية يحصل بطريقة تعكس المتغيّرات التي يدخلها العلاج النفسي من خلال ما يتغيّر في ترسيمة النشاط الدماغيّ.
مشاكل الرغبة الجنسية النسائية
تشمل الاضطرابات الجنسية النسائية عدداً متنوعاً من المشاكل: غياب الرغبة، تأخر النشوة أو غيابها، النفور الجنسي، والأوجاع خلال ممارسة الجنس او بعد الممارسة. على الرغم من ان هذا التعريف شامل، تحدّثت احدى الدراسات التي نشرت في صحيفة الجمعية الطبية الاميركية عن وجود حالات مشابهة كثيرة. بحسب استطلاع اجراه عدد من علماء الاجتماع، تعاني 43 بالمئة من النساء من هذه الاضطرابات. ولكن هذه الدراسة التي اجريت على 1749 امرأة مبنيّة على تعريف ومنهجيّة مثيرين للجدل. سئلت النساء عن وجود سبع صعوبات جنسية، وذلك خلال شهرين من السنة الماضية على الاقل (من غياب الرغبة الى الخوف من الاداء مرورا بالنقص في الافرازات). جواب ايجابيّ واحد كان كفيلا بوضع كلّ النساء في خانة اللواتي يعانين من اضطرابات جنسية... على الرغم من ان هذه المعاينة ليست حقيقية، وعلى الرغم من التحفظات التي عبّر عنها عدد من الخبراء، ورد هذا الرقم مرارا وتكرارا في وسائل الاعلام وتقارير العلماء.
متى تتحول المشكلة الجنسية الى اختلال جنسيّ؟
منذ تشرين الاول 2002، طرح فريق مدير معهد كينسي للبحوث في الصحة الجنسية والانجابية في جامعة انديانا (الولايات المتحدة) الدكتور جون بانكروفت السؤال الحقيقي بعبارات بسيطة: متى تتحوّل المشكلة الجنسية الى اختلال جنسيّ؟ بحسب بانكروفت، يكون انخفاض الرغبة الجنسية لدى النساء، في العديد من الحالات، بمثابة اجابة وظيفية وطبيعية لدى النساء اللواتي يعانين من الارهاق والضغط او من تهديدات من الشريك. قد يكون الخطر ثلاثيا: التركيز الطبي على مشكلة جنسية وعدم الاكتراث بالنواحي الاخرى في حياة المرأة، ارتفاع عدد النساء اللواتي يحسبن انهنّ يعانين من اضطرابات جنسية غير مبنية على حجج واقعية، وتركيز الحياة الجنسية في الثنائي على المجامعة فحسب.
الاهتمام بالمشاكل الجنسية عند المرأة سيتجه مستقبلاً إلى نوع من خليط ما بين العلاج بالأدوية والعلاجات النفسية. بالرغم من كل الإنجازات ومن تقدّم التكنولوجيا، لم يخترع الطب للحين "دواءً للحب". تبقى العواطف والمشاعر هي الأنجع في مقاربة كيمياء العلاقة بين إثنين.
العناصر المساعدة والمنبّهة
بهدف تحريك حالة النشوة القصوى أو تعزيزها، يلجأ الرجال خاصة، إلى جانب النساء، إلى العناصرالمساعدة:
- العناصر الثقافية (الموسيقى، والرقص، والشعر، والادب…)
- العناصر المتعلقة بالابتكار أو بتغيير المكان (سفر، أو إقامة في فندق، أو تغيير الديكور...)
- العناصر الكيميائية (أو النباتية). باستثناء بعض المواد الخاصة بالرجل (فياغرا، سياليس، ليفيترا، حقن بمواد موسّعة للعروق كالبروستاغلنتين وغيرها والتي تؤثر على جريان الدم في العضو الذكري وبالتالي على الانتصاب) إنّ معظم المواد المثيرة للشهوة الجنسية (بهارات على أنواعها، مواد غنية بالبروتينات، كونياك، زنجبيل...) لا تؤثر إلاّ بشكل إيحائي من خلال تحريك الإثارة. ولهذا يتهافت أبناء الثقافة الصينية على زعنفة القرش أو "عضو النمر المجفّف" أو "قرون وحيد القرن" أو "حجارة الدببة"، وكلّها بدائل قضيبيّة من المفترض أن تخرجهم من حالة انعدام القدرة الدائم أو المؤقت. كان ممكناً أن تتخذ هذه الممارسات الطابع الفولكلوري لولا الأموال الطائلة التي تخصّص لها (بحسب منظمة الأمم المتحدة، أنها الميزانية العالمية الثالثة بعد الاتجار بالمخدرات وبالاسلحة). وتكمن المشكلة في أنّ هذه الممارسات أدّت الى اختفاء أجناس حيوانية عديدة (الدببة البيضاء، وحيد قرن سومترا...).
- العناصر الآلية: والتي تدخل فيها وسائل تُستعمل عادةً لأمور أخرى، تساعد في إثارة الرغبة. والعناصر هنا آلية: سلاسل، حبال، ثياب من جلد، إلخ...، تشكل وسيلة لإظهار صورة ما والصورة المضادة من ضمن بعض الثنائيات التي تضّاد: التكبيل والانضباط، السيطرة والخضوع، المازوخية السادية. إنها مجموعة ممارسات جنسية هامشية مبنية على علاقة رضائية بين المسيطر والمسيطر عليه. يمكن أن تمارس هذه السيطرة بطريقة نفسية و/أو من خلال فرض ضغوطات جسدية.