الأمراض المنقولة جنسياً: هل هي خطرة؟

ما ان يطمئنّ بالنا، حتى تعود أمراض الحبّ لتطرق بابنا. دعونا لا نسمح للأمراض المنقولة جنسيّاً أن تعكّر صفو الحبّ...

إكتسب "فيروس الآيدز" أهميّةً كبيرة بفضل حملات التوعية التي خُصّ بها! ولكن علينا أن نعترف بأنّه بوجود العلاجات الثلاثيّة، أصبحنا نخاف "الآيدز" أقّل ممّا كنّا نفعل منذ 20 عاماً. نأخذ حذرنا أقّل... وتستفيد الأمراض المنقولة جنسيّاً من ذلك، فتعود بقوّة. زيادة حالات مرض السّيلان و"السيفلس" و"الكلاميديا" التي رصدتها شبكات مراقبة الآفات المرضيّة يعكس زيادةً مقلقة في التصرّفات "الخطرة".

 

ولن نملّ من التكرار: المعاينة المبكرة للأمراض المنقولة جنسيّاً ضروريّة، فعلى بعض الأعراض (أو الحالات) أن تكون بمثابة إنذارٍ يقودنا مباشرة إلى معاينةٍ طبيّة.

 

"الكلاميديا" الماكرة

سبب تواتر "الكلاميديا تراكوماتيس" لدى الشباب هو طبيعة هذا الإصابة المعدية (تُنقل الجرثومة خلال اتصالٍ جنسيّ من دون استخدام سبل وقاية). غالباً ما تكون هذه "البكتيريا" موجودة لدى رجال ونساء غير مصابين بأيّ مرض. هم في هذه الحالة "أشخاص سالمون" يطوّرون التهاباً حقيقيّاً. تنتشر الجرثومة في خلايا غشاء مجرى البول، وعلى مستوى عنق الرحم لدى المرأة. أمّا لدى الرجل، يمكن للالتهاب أن يظهر على شكل التهاب الإحليل الذي يبدأ مع حريقٍ في البول، وسيلان، أو مجرّد حكاك. ويمكن لالتهاب أغشية الخصية أو "البروستات" أن يُربط بهذه الحالة.

لدى النساء، غالباً ما تغيب العوارض في هذا النوع من الالتهابات، حتى لو كانت تعطي مؤشرات على التهابٍ في مجرى البول أو على الالتهابات الفطريّة. يمكن للجرثومة أن تسبّب التهابات تناسليّة عالية تطال الرحم ومسالك البوَيضة (إلتهاب بيت الرحم، والتهاب المبيض) ما قد يؤثر على الخصوبة. (خطر العقم الناتج عن التهاب المسالك يبلغ 20 في المئة، وخطر الحمل خارج الرحم يبلغ 10 في المئة).

سيصف الطبيب المعنيّ علاجاً بالأدوية على المدى الطويل يخضع له الشريكان.

 

الالتهابات الفطريّة... على الفطرة!

تُعنى بالالتهابات المهبليّة الفطريّة نسبة حوالى 20 في المئة من الفحوصات المخبريّة. غالباً ما يجبرنا الانزعاج الذي تسبّبه هذه الالتهابات على استشارة طارئة للطبيب. في معظم الحالات، لا تكون خطرة، ولكن يبقى من الصعب تحمّل عوارضها.

من أصل 25 في المئة من النساء الحاملات للفطريات (نوع كانديدا البيكانس)، عانت 75 في المئة منهن من التهابٍ مهبليّ فطريّ مرّة في حياتهن على الأقلّ. لدى ثلث النساء، تكون العدوى خارجيّة، أي أنها تُنقل نتيجة اتصال جنسي أو اتصال بغرضٍ ملوّث. ولكن بالنسبة للثلثين الباقيين، تكون العدوى "تلقائيّة" وتنتج عن تغيّر في التوازن الطبيعي الكفيل بالتسبّب بالتهابٍ فطريّ: حكاك واحمرار وورم على مستوى الجهة الظاهرة من العضو التناسلي النسلئي ومدخل المهبل، إفرازات بيضاء اللون وسميكة... يكون العلاج موضعيّاً ("كريم" أو تحميلة في المهبل) وعامّاً (دواء). ولتفادي أيّ انعكاسات، على الشريك أن يخضع أيضاً للعلاج.

 

سرطان عنق المهبل

يُعتبر سرطان عنق المهبل سبباً أساسيّاً للوفيات لدى النساء. في فرنسا مثلاً، يسبّب هذا المرض حوالى ألف حالة وفاة. ويظهر أن "فيروسات" "البابييومافيروس" HPV التي تحضر لحالات ما قبل سرطانية، على علاقة بهذا الموضوع. وتُعتبر هذه الفيروسات الموجودة في 99.8 في المئة من حالات سرطان عنق الرحم سبباً ضروريّاً ولكن غير كافٍ لهذا النوع من السرطان. هناك عوامل أخرى تدخل في هذا الإطار كالعلاقات الجنسيّة المبكرة، وتعدّد الشركاء، والإفراط في التدخين، والنقص في "الفيتامينات" و"الهورمونات"، بالإضافة إلى التهابات منقولة جنسيّاً.

 

وحده الفحص النظاميّ لخلايا الرحم في المرحلة الطويلة ما قبل الإصابة السرطانيّة يسمح بمعلاجة مبكرة لهذه الإصابات بالفيروس. هناك فريقٌ من العلماء الفرنسيّين يوصي بفحصٍ لخلايا الرحم مرفق بتحديدٍ لكميّة "الفيروسات" الموجودة في هذا الفحص. ذلك أنّ الـHPV نوعٌ جينيّ من أصل 120 نوعاً آخراً تختلف وفقهم المخاطر المرتبطة بسرطان عنق المهبل بشكلٍ ملحوظ. الـHPV 16، و18، و45، و46 تمثّل خطراً سرطانيّاً كبيراً، فيما تُعتبر الـ HPV 6، و11، و42 مسؤؤلة عن الجروح غير الخطرة.

 

"الهيربس" أوّلاً

في البلدان الصناعيّة، لعلّ "الهيربس" التناسليّ هو أوّل مرضٍ منقولٍ جنسيّأً، والالتهاب البصريّ المتعلّق بالـ"هيربس" السبب الأوّل للعمى ذات المصدر الالتهابيّ. يمثّل "الهيربس" الذي لا ينفكّ يزداد مشكلةً صحيّةً حقيقيّة. عند الولادة، يمكن للعدوى أن تنقل من الأمّ إلى المولود الجديد، ما يسبّب مضاعفات كبيرة أو حتى حالات وفاة. ما أن يصبح موجوداً في الجسم حتى يعود "الهيربس" ليظهر على شكل نوبات. يمكن للعلاج أن يحدّ من الألم، ومن تواتر النوبات، ومن قابليّة سريانه في الدم. "الهيربس" التناسلي النموذجيّ يظهر على شكل حوَيصلات، أي فقاعات صغيرة لديها خصائص مميّزة، الأمر الذي يجعل الفحوصات المخبريّة كافية لطرح التشخيص. ولكن أحياناً، تغيب العوارض خلال المعاينات. في هذه الحالة، ونظراً للطابع التحويلي ولعواقب "الهيربس"، يُعتبر الإثبات الفيروسيّ ضروريّاً.

 

"السيفلس": حالة الإنذار القصوى

ما من شكّ: عودة "السيفلس" القويّة أصبحت مؤكدة. إنّه التهابٌ جرثوميّ يظهر على شكل قرحة كبيرة على العضو التناسليّ، أو الشرجيّ، أو الفوهيّ، يمكنها أن تتطوّر من دون أي عارض ظاهر. هذا المرض معدٍ جدّاً: 30 إلى 40 في المئة من شركاء الشخص المصاب معرّضون بدورهم لخطر تطوير هذا الإصابة في الشهر الذي يتلو الاتصال الجنسي. الخبر السارّ: حقنة "بينيسيلين" واحدة كفيلة بمعالجة هذه المشكلة.

 

الآيدز: 48 ساعة مفصليّة

في حال التعرّض لخطر الإصابة، هناك علاجات أوّلية موجودة منذ العام 1996، وتسمح بالمحاربة المبكرة لـ"فيروس الآيدز". وتُعتبر هذه الخطوات أكثر فعاليّةً عندما يتمّ اللجوء إليها في وقتٍ مبكر. في الساعات الـ48 التي تتلو التعرّض للـ"فيروس"، تساهم هذا العلاجات في تخفيف خطر العدوى.

 

هل قمت بعلاقة جنسيّة من دون استعمال سبل الوقاية؟ هل تمزّق الواقي الذكري خلال الاتصال؟ هل جرحت نفسك بغرضٍ ملطّخ بدماء شخصٍ آخر؟ هل تشاركت مع أحد لوازم الحقن؟ إستشيري طبيبك في الساعات الـ48 الأولى: سيقوّم معك الخطر الموجود وضرورة أو عدم ضرورة اتّباع علاج وقائيّ يكون بمثابة حاجزٍ أمام شحنة "فيروسية". تقويم الوضع وقفٌ على عناصر عدّة: نوع الاتصال الذي حصل من دون استعمال سبل الوقاية (الاتّصال المهبليّ أو الشرجيّ يمثّل خطراً أكبر من الاتصال الفوهيّ مثلاً) ووضع الشريك (الشكّ في كونه إيجابيّ المصل...).

 

إذا كان الخطر قائماً، سيصف لك طبيبك علاجاً متعدّد الوجوه (مجموعة مضادات للفيروس الرجعي) لمدّة أربعة أسابيع، في محاولةٍ لمنع انتشار الإصابة.

 

متى علينا أن نقلق؟

كلّ علاقة جنسيّة من دون استخدام سبل الوقاية مع شخص "يمثّل خطراً" (إذا كان يتعاطى المخدّرات من خلال الحقن في الوريد، أو لديه علاقات جنسيّة متكرّرة مع أكثر من شخص)، أو حتى مع شخصٍ نعرف أنّه يحمل مرضاً منقولاً جنسيّاً، تعني خطر انتقال العدوى، وتتطلّب أخذ رأي إختصاصيّ، أو التوجّه إلى مركزٍ لكشف الأمراض. تُجرى فحوصات للبحث عن التهابٍ تناسليّ، أو عن عدوى من "فيروس" إلتهاب الكبد، أو عن "فيروس" نقص المناعة المكتسب (الآيدز). في حال قمت بعلاقة جنسيّة من دون سبل وقاية (أو تمزّق الواقي الذكري خلال الاتصال الجنسي) مع شخصٍ إيجابيّ المصل، يمكنك البدء بعلاجٍ وقائيّ (راجعي مربّع "الآيدز": 48 ساعة مفصليّة).

 

لا تهملي هذه العوارض!

في الحالات النموذجيّة، يظهر "السيفلس" على شكل تقرّح، بعد ثلاثة أسابيع من الاتصال الموبوء. أمّا مرض السّيلان والإصابات "الكلاميديّة"، فتظهر من خلال سيلان من رأس العضو التناسلي (سيلان إحليلي) لدى الرجل. ولكن يمكن ألاّ نلاحظ كلّ هذه العوارض. لذلك، علينا أن نأخذ أيّ عارض غير اعتيادي على محمل الجدّ. يمكن أن يكون ألماً خلال الاتصال الجنسيّ، أو تسرّبات مهبليّة، أو آثار دماء خارج فترة الدورة الشهريّة، أو أوجاعٌ حوضيّة لدى المرأة، أو سيلان إنحلالي لدى الرجل، أو حريق في البول، أو جروح مهبليّة أو شرجيّة. على أيّ علامة غير اعتيادية (تقرّح، تآكل، بثور) أن تُعتبر إشارة على الأمراض المنقولة جنسيّاً، وتكون بالتالي حافزاً لاستشارة إختصاصيّ.

 

الشريكان معنيّان

على شركاء الأشخاص المصابين أن يخضعوا بدورهم لفحوصات، وأن يُعالجوا، إذا دعت الحاجة، لتفادي أيّ انتشارٍ للعدوى طبعاً، ولكن أيضاً لمنع الالتهاب من أن يصبح مزمناً. يكمن الخطر في تطوّر المضاعفات غير الظاهرة – وخاصة العقم لدى النساء المصابات.

 

المزيد
back to top button