انتظرت سلمى حايك هذا اللقاء مع لبنان، أرض أسلافها، منذ مدة طويلة، وها هي اليوم تحقّق حلمها أخيراً. في حقيبتها كتاب النبيّ طبعاً الذي أقلمته إلى فيلم للصور المتحرّكة لكي تصل كلمات جبران خليل جبران العالمية إلى الصغار والكبار وتجمع بين كلّ الأوصال. قابلناها في ميلانو وقد جذبتنا بفضل روعتها وشخصيّتها القريبة من القلب. حوار صريح يبعث فينا الرغبة بتركها للأبد في حياتنا.
ELLE Arabia :لمَ اخترتِ مهنتك في عالم السينما؟
سلمى حايك :لأنّني لا أحبّ عبارة "لا نحيا سوى مرّة واحدة". لم أرد عيش حياة واحدة لذا أنا أعيش في كلّ فيلم حياة مختلفة. لا أحبّ الحدود لا في الزمان ولا في المكان حتّى إنّني قادرة على تخطّي الوقت وقادرة على أن أكون فقيرة أو غنيّة وأن أجسّد دور امرأة عاشت من قبل أو لم تنوجد من الأصل.
E.A :هل أنتِ مناصرة للنزعة النسائية؟
س.ح :أظنّ أنّ هناك العديد من التعريفات للنزعة النسائية. أريد أن أقول شيئاً في هذا الإطار، وقد سبّب لي بعض المشاكل في المرة الأخيرة التي قلته فيها ولكن لا آبه: لو كان الرجل يعامَل بالطريقة ذاتها التي يعامِل بها المرأة فأنا مستعدّة للمناضلة من أجل حقوق الرجل. أنا مناصرة للنزعة النسائية في هذه الحياة لأنّ الأمر ضروري جداً لكن ما هذا الكلام بالتحديد؟ هذا يعني النضال لكي يتمّ الاعتراف بصفاتنا الجيّدة.
E.A :من هي المرأة التي تُلهمك في الحياة؟
س.ح :عندي الكثير من مصادر الوحي في هذه الحياة وقد تعلّمت أمراً جميلاً من رجل هو والدي. هو يتحلّى بالقدرة على أن يكون سعيداً بصدق وعمق من أجل الآخرين. لذا هو فرح على الدوام حتى لو جرت الأمور عكس التيّار فهي بالتأكيد تسير لمصلحة شخص آخر. لم أرَ أحداً هكذا في حياتي! أمّا بالنسبة للنساء ففي كلّ أسبوع على الأقلّ هناك سيّدة تلهمني. قمت بالكثير من الأبحاث على الأرض وعملت في الهند وأفريقيا وأميركا الجنوبية وذلك في ميادين مختلفة. قابلت نساءً استثنائيات بعضهنّ أسماؤهنّ غير معروفة. إنّ أبطالي هم بغالبيّتهم أشخاص لا يعرفهم الناس.
E.A :ما هي الرسالة التي تحبّين توجيهها إلى ابنتك فالانتينا؟
س.ح :أن تتحلّى بالشجاعة لتكون فريدة وعلى طبيعتها.
E.A :ما هي الكلمات الثلاث التي تصفك؟
س.ح :متنازعة، محبّة ومفعمة بالشغف.
E.A :أنتِ أميركية، مكسيكية ولبنانية ولكنّ تشعرين أكثر بأنّك...
س.ح :أنا عربية بنسبة 75 في المئة. من جانب والدي، إنّ والديه لبنانيّان، ومن ناحية أمي، أنا إسبانية لكنّ جد جدّي والد أمّي كان مغربياً. هكذا أنا عربية بنسبة 75 في المئة.
E.A :هل تشعرين بأنّك لبنانية؟
س.ح :نعم كثيراً! لكن لأكون صادقة حين أستيقظ عند الصباح أحسّ بأنّني قادمة من الفضاء والنجوم... أحبّ أصولي العربية. في أحد الأيام، حدثت معي قصّة غريبة. كنت قد خرجت مع أصدقائي وفي المكان حيث كنّا جالسين وضعوا الموسيقى العربية فتحرّك فيّ شيء ما وحين سمعت الدربكّة رحت أرقص وراح جسمي يتحرّك وحده بطريقة فطرية. لم أكن أعرف تقنيّة الرقص الشرقي لكنّ جسمي تحرّك وحده وهذا مفعم بالمشاعر فتأثّرت جداً وعرفت منذ ذاك الحين أنّ الشرق يجري في عروقي. وأنا أفتخر بذلك وأفرح به لكن أتأسّف وأشعر بالحنين لأنّني لا أتحدّث اللّغة، علماً بأنّ ذلك لا يمثّل أيّ عائق بيني وبين جذوري.
E.A :أهو هذا الحنين الذي دفعك إلى أقلمة النبيّ لجبران خليل جبران؟
س.ح :كنت الحفيدة المفضّلة لدى جدّي اللّبناني وكان هذا الكتاب المفضّل لديه في المكسيك. في تلك الحقبة لم أكن أعرف أن أقرأ ولكنّني ما زلت أتذكّر دائماً الصورة الموضوعة على الغلاف. كنت قريبة جداً منه وكان أبي يصطحبني يومياً إلى محل الألبسة الجاهزة الذي يملكه وأنا ترعرعت هناك. حين تُوفّي تألّمت جداً فقد كان أول شخص قريب أخسره. في وقت لاحق، في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمري، وجدت هذا الكتاب في مكان ما في مدينة مكسيكو سيتي وعرفت على الفور أنّه كتاب جدّي، فبالنسبة إليّ إنّ الصورة تجسّد جدّي. أخذته وقرأته وأحسست بأنّني أسمع جدّي يكلّمني كما لو أنّه يعطيني دروساً في الحياة والحب... وهذا ما منحني الرغبة للقيام بهذا الفيلم. عرضته على ابنتي (بعمر سبع سنوات) وآمل أن تريه يوماً ما بدورها لابنتها. إنّه فيلم رسوم متحرّكة للأطفال وقد كان ذلك تحدّياً كبيراً: ابتكار قصة مختلفة قليلاً عن الكتاب مع المحافظة على الجوهر...
E.A :بالتحديد، ما هي القصّة؟
س.ح :إنّها قصة فتاة صغيرة اسمها "المطرة" تفقد صوتها بعد وفاة والدها. تعيش في مدينة أورفليس – كما في الكتاب – حيث تعمل والدتها منظّفة في بيت شاعر – النبيّ – ينبغي بقاؤه في المنزل بسبب شعره الذي يتحدّث عن الحرّية. لهذه الفتاة الكثير من المشاكل وهي تسرق من المتاجر ولا أحد يحبّها في القرية وليس لديها أصدقاء سوى عصفور تخبره أسرارها. في أحد الأيام تتبع والدتها سرّاً إلى العمل بالرغم من أنّ أمّها منعتها، وتدخل إلى منزل النبيّ (صوت ليام نيسن) ويصبح النبيّ صديقها. يعلّمها الحياة وكيف أنّ أحداً لا يقدر على حبسها، لا هي ولا روحها، وذلك من خلال ثمانية أشعار كلّها مستخرجة من الكتاب الأصلي. وتتجسّد كلّ قصيدة من خلال مشهد بصري يمثّله فنّان مختلف ولكلّ منهم أسلوبه، وهم كلّهم موهوبون جداً. وأنا أعلن أنّ أوّل بلد سيُعرض فيه الفيلم للمرّة الأولى التي تسبق العرض أمام الجمهور الواسع سيكون لبنان! وأنا فخورة جداً بذلك! قبِل مهرجان "كان" الفيلم في نخبته الرسمية قبل أن ينتهي وكذا فعل مهرجان تورونتو السينمائي العالمي. لقد نال الترحيب وصفّق له الجمهور خمس مرّات خلال العرض!
E.A :ما هي المرسلة الرائعة التي ينقلها الفيلم في هذا الزمن الصعب؟ مع هذا العنوان المثير للجدل "النبيّ" وهي كلمة مستخدمة لدى كلّ الأديان...
س.ح :"إنّ خليل جبران هو الفيلسوف الوحيد في العالم الذي عرف كيف يوحّد الأديان كلّها. وهي عربي! باع كتابه أكثر من مئة ألف نسخة حول العالم. إنّ هذا الفيلم معجزة بالفعل فقد فعلته وحدي ولم أكن أملك المال ولا الاستوديو لدعمي. وأنا مسرورة بأنّني نجحت!
حاورتها ديزيريه صادق وماريا عزيز