رحلة كريستاليّة تُبلور الهوية

في قلب جبال الألب النمساوية، لطالما كان عالم كريستال سواروفسكي مساحةً يجتمع فيها الفنّ، والضوء، والابتكار في احتفالٍ مُبهر بالإبداع. هذا العام، كشف النقاب عن أحدث غرفة عجائب، "بَلْوَرةُ الهوية"، وهو عملٌ تركيبيٌّ مذهلٌ للفنّانة اليابانية الشهيرة Chiharu Shiota. تشتهر Shiota باستكشافها للذاكرة، والغياب، والروابط التي تربطنا جميعاً، وتتّخذ أعمالها بُعداً جديداً من خلال دمج كريستال سواروفسكي المميّز في عالمها المعقّد.

خلال زيارتي، أتيحت لي فرصة مشاهدة افتتاح هذا المعرض الآسر، حيث انكشفت رحلة Shiota الاستكشافية العميقة للهوية والتواصل في مساحة غامرة. يتميّز هذا العمل الفنّي، الذي يدمج الكريستال لأول مرّة في فنّها، بتفاعل دقيق بين الخيوط الحمراء وكريستالات سواروفسكي، مُشكّلاً شبكةً عاطفيةً وبصريةً آسرةً تُجسّد الروابط الخفيّة بين الأفراد. هذا العمل، المستوحى من الأسطورة الخيط الأحمر اليابانية، يدعو المشاهدين إلى التأمّل في الروابط التي تربطنا خلال رحلة الحياة، المنظورة منها وغير المنظورة.

عالم كريستال سواروفسكي هو منصّة ديناميكية للفنّانين أصحاب الرؤى، وقدرته على مزج حرفية سواروفسكي مع الفنّ الرائد جعلته وجهة ثقافية رئيسية. لا يزال المكان، الذي استضاف فنّانين مثل Yayoi Kusama و James Turrell، يلهم ويتحدّى العلاقة بين المادة والخيال. على مدار ٣٠ عاماً، حولّت سواروفسكي غرف العجائب الخاصة بها إلى مساحات تثير المشاعر وتدعو إلى الحوار، وتعيد تعريف الفخامة. وهذا المعرض الأحدث لـ Shiota ليس استثناءً، بحيث يوسّع حدود ما يمكن أن يمثّله الكريستال في العالم الحديث.

في حين تحتفل سواروفسكي بإرثها من الابتكار والفنّ، يبدو التعاون مع Shiota وكأنّه تطوّر طبيعي لعلاقة العلامة التجارية الطويلة الأمد مع الضوء، والمادية، والتجربة الإنسانية. كلّ غرفة من غرف العجائب هي أكثر من مجرّد معرض ـ إنّها محادثة بين العلامة التجارية والفنّانين، حيث يعمل الكريستال كلغة عالمية. يشكّل هذا الارتباط بين الفنّ والحرفية جوهر فلسفة العلامة التجارية وأحد الأسباب التي تجعل عالم كريستال سواروفسكي منارة للابتكار الفنّي.

لمواصلة الحديث، حظيتُ بشرف التحدّث مع Chiharu Shiota عن تعاونها مع سواروفسكي، ومصدر إلهامها، وكيف يواصل عملها استكشاف الخيوط الخفية التي تربطنا جميعاً...

 

يستكشف عملك الذاكرة والغياب. كيف دمجتِ هذه المواضيع في تعاونكِ مع سواروفسكي؟ 

في البداية، لم أكن متأكّدة، ولكن بعد زيارة المكان وفهم عملية تصنيع الكريستال المعقّدة، ازداد وعيي بالمادة. تبدو الكريستالات حيةً بمعنى ما، فهي رقيقة وقوية في آنٍ واحد. شعرتُ وكأنّني أجري حواراً مع المادة. هذا التعاون أشبه بجسرٍ بين شيء طبيعي وشيء من صنع الإنسان. أردتُ استكشاف أفكار جديدة، وكنتُ مهتمة بنوع الطاقة والملمس الذي يضفيه الكريستال.

 

ما الذي أدهشكِ أكثر في عالم الكريستال، وكيف ساهم هذا المكان في تشكيل إبداعكِ؟ 

شعرتُ في عالم كريستال سواروفسكي وكأنّه مكانٌ بين الواقع والحلم. مزج الطبيعة بواقعٍ آخر خلق جوّاً مميّزاً ألهمني بشدّة. لم يكن المكان كأي معرض أو متحف عادي، فرؤية العملاق الأخضر عند سواروفسكي، برأسه البارز ضمن المنظر الطبيعي وجسمه المليء بالفنّ، ألهمني لابتكار شيءٍ يُجسّد سرّ الحياة.

 

ترمز البلورات إلى الوضوح والطاقة. كيف تتداخل هذه الأفكار مع لغتك الفنّية؟ 

عندما كنت أعيش في اليابان، لم أكن أُولي اهتماماً كبيراً لهويتي الثقافية، فجميع معارفي كانوا من نفس الجنسية. أحبّ استخدام تشبيه العيش في الماء المالح. بعد انتقالي إلى ألمانيا، عندها فقط تعرّفت على ثقافات مختلفة وأشخاص من جنسيات مختلفة. بدا الأمر وكأنّ الماء قد تبخّر، وتبلورت هويتي اليابانية وأصبحت واضحة لي.

 

يجمع هذا المشروع الموضة، والفنّ، والمكان. كيف ترين الرابط بين ما نرتديه ومكان وجودنا؟ 

أعتقد أنّ ملابسنا أشبه بجلدٍ ثانٍ، يمكنها أن تُخبرنا عن أنفسنا أكثر بكثير ممّا تستطيع بشرتنا الحقيقية أن تُخبرنا به، وبينما نرتدي ملابسنا يومياً، أعتقد أنّها تُساهم في تراكم ذاكرتنا ووجودنا. وينطبق الأمر نفسه على الأشياء والمساحة المحيطة بنا. خاصةً عندما يموت شخص ما، يُمكنك الشعور بوجوده في الأشياء التي تركها وراءه وفي المساحة التي أصبحت الآن فارغة. لم يعد حاضراً، لكنّك لا تزالين تشعرين بوجوده. هذا هو الموضوع الرئيسي لعملي: الوجود في الغياب.

 

بصفتك فنّانة عالمية، ماذا يعني لكِ العمل مع علامة تجارية عريقة مثل سواروفسكي؟ 

يتوافق تاريخ سواروفسكي العريق في الحرفية وعلاقته بالضوء والتحوّل مع مواضيعي الخاصة. غالباً ما أتعامل مع روابط غير مرئية، ومع الذاكرة، والغياب، وأعتقد أنّ مواد سواروفسكي تساعد في تجسيد هذه الأفكار غير الملموسة.

 

تُثير أعمالكِ التركيبية مشاعر قوية. ما الذي تأملين أن تشعر به النساء عند تجربة هذه القطعة؟ 

ليس لديّ أي توقّعات لما سيشعر به الناس. أريدهم أن يستمتعوا بحرية الشعور وبما يتردّد صداه في أنفسهم. أعتقد أنّ الفن المعاصر لا يملك إجابة واحدة، فمئة شخص لديهم مئة رأي مختلف حول العمل الفنّي نفسه.

 

كيف يؤثّر تراثكِ الياباني، الممزوج بحياة برلين، على نهجكِ في المشاريع العالمية؟ 

أعمالي مستوحاة من حياتي ومشاعري الشخصية، والتي أريد أن أتوسّع فيها إلى شيءٍ عالمي. أعتقد أنّ الكثير من الناس يمكنهم التعاطف مع أعمالي لأنّني أحاول التعبير عن مشاعر يصعب وصفها بالكلمات.

 

غالباً ما تستخدمين الخيوط والفراغات في أعمالكِ. ما الذي تغيّر بالنسبة لك عند استخدامكِ للكريستال؟ 

كانت هذه أول تجربة لي في استخدام الكريستال. عادةً، أستخدم مواد بسيطة وعادية كالخيوط، والأحذية، وحقائب السفر، والأَسِرَّة، والكراسي. شكّل جمال الكريستال تحدّياً، فلم أُرد أن يكون العمل جميلاً فحسب، بل أردتُ أن أجد جمالاً مختلفاً، جمالاً أكثر عمقاً وعاطفة. في النهاية، أنا سعيدة بالتوازن الذي استطعتُ خلقه. جمعتُ الكريستالات مع لآلئ داكنة، وهذا التباين أضاف تعقيداً إلى العمل، وهذا ما أسعدني جداً به.

 

ما هو التفصيل في العمل الفنّي الذي تعتقدين أنّ معظم الناس قد يغفلونه؟ 

أعتقد أنّ الناس غالباً ما يُبالغون في التركيز على عملية الإبداع، فهم يريدون معرفة المدّة التي استغرقتها، وكمية الخيوط التي استخدمتها، لكنّني أُفضّل أن يُركّزوا على المشاعر التي تُعبّر عنها.

 

خارج الأستوديو الخاص بك، أين تشعرين بأكبر قدر من الإلهام أو بتجديد طاقتك الإبداعية؟ 

تأتي معظم أفكاري من السفر، خاصةً عندما أكون في أماكن جديدة ومناظر طبيعية غير مألوفة. عندما أسافر لحضور المعارض، يتسنّى لي أخيراً الوقت للتفكير والتواصل مع مشاعري.

المزيد
back to top button