منذ صغرها، لم تستطع الرسامة البحرينية أريج رجب أن تفسّر علاقتها بالرسم والرسالة التي تحاول إيصالها من خلاله، إذ كانت تشعر بأن الكلمات عاجزة عن التعبير بدقّة عن مشاعرها التي تترجمها بالألوان. فالنسبة إليها، هذا الفن ليس اختياراً، بل هو ضرورة تفيض من أعماقها، وتمنحها شعوراً بالحرية لا تجده في أي مكان آخر. إلهامها لا ينبع من عالم الرسم بحد ذاته، بل من اللحظات العابرة في الحياة: من ضحكة طفل أو تفتّح زهرة أو تباين بين الضوء والظل... تفاصيل دقيقة تحثها على التقاط الفرشاة وبدء رحلتها مع لوحة تترك للمشاهد حريّة تفسيرها والتواصل معها.
في هذا الحوار الخاص، تُدخلنا أريج إلى عالمها الإبداعي وتخبرنا عن مراحل الرسم ومتعته.
ما الجانب الأكثر قوة في الرسم، وكيف يساعدك في التعبير عن أفكارك ومشاعرك؟
أعتقد أن أقوى مرحلة في الرسم هي التخطيط، فهي تتيح لي تنظيم الأفكار وتحديد التفاصيل التي تشكل أساس العمل الفني. عند هذه المرحلة، أبدأ توزيع الأبعاد وضبط الطبقات اللونية، وخلق التوازن العام الذي يمنح اللوحة تماسكاً قوياً. التخطيط يسمح لي باستكشاف تداخل الألوان والأشكال لخلق عمق عاطفي يجذب المشاهد، ويمهد لي الطريق للتعبير عن مشاعري وأفكاري بأسلوب بصري ومنظم.
انتقلت من دراسة التجارة إلى الرسم. كيف أثرت خلفيتك التجارية على مسيرتك كفنانة؟
دراستي في المجال التجاري أثرت بشكل كبير على نهجي الفني. فقد تعلمت الانضباط في التنفيذ والتخطيط البعيد المدى، مما جعلني أنظر إلى كل مشروع فني كاستثمار استراتيجي للأفكار والمشاعر. كما أن مهاراتي في إدارة المشاريع والعلاقات ساعدتني على تنظيم معارضي وطرح أفكاري أمام الجمهور بشكل احترافي وفعّال.
يركز معرضك "تداخل" على العلاقة بين الطبيعة والمشاعر الإنسانية. ما الذي ألهمك لاستكشاف هذا الموضوع؟
كان إلهامي الأساسي هو الطبيعة بحد ذاتها، وخاصة الأنماط المتداخلة التي تظهر على الأسطح الطبيعية. تداخل الألوان والأشكال في الطبيعة يعكس بشكل رائع تعقيد العلاقات البشرية والمشاعر. وجدت نفسي أستلهم من تلك الأنماط الطبيعية، وكيف تعكس تداخل العواطف الإنسانية، مما دفعني إلى تقديم مشاهد بصرية تجمع بين التراكيب الطبيعية والرموز العاطفية.
كيف تختارين ألوان لوحاتك، وما المشاعر التي تأملين استحضارها من خلالها؟
الألوان هي العنصر الأساسي في عملي الفني، وأختارها بعناية وفقاً للتكوين العام. أركز على كيفية تفاعل الألوان مع بعضها لخلق انسجام عاطفي. أسعى من خلال الألوان لإلهام مشاعر محدّدة لدى المشاهد، سواء التفاؤل أو التأمل، معتمدة على درجات الألوان وتنسيقاتها لتجسيد التجربة الإنسانية بشكل غير مباشر.
هل هناك عناصر محدّدة في الطبيعة لها تأثير أقوى عند ترجمتها؟
نعم، أجد أن التباينات في الطبيعة – سواء في الاتجاهات أو الأنماط – تمتلك تأثيراً قوياً عند ترجمتها إلى لوحة مرسومة. الطبيعة تقدّم إيقاعات وأنماط معقّدة، وهذه التباينات تسمح لي بخلق أشكال تجريدية تجسد تعقيد المشاعر الإنسانية وتفاعلاتها.
عرضتِ أعمالك في كل من الشرق الأوسط والمملكة المتحدة. كيف أثرت هذه البيئات الثقافية المختلفة على منظورك الفني؟
اختبار ثقافات متنوّعة بين الشرق الأوسط والمملكة المتحدة أثر بشكل كبير على تطور أسلوبي الفني. أجد أن تفاعل الجمهور مع الفن بشكل عام يختلف باختلاف الثقافات؛ ففي الشرق الأوسط، يتميز الجمهور بتقديره للتقاليد والرموز، بينما في المملكة المتحدة، هناك تفاعل حديث مع الألوان والأشكال، مما يمنحني مرونة أكبر في تقديم أعمال تتناغم مع الثقافتين.
غالباً ما تستخدمين الأشكال التجريدية في أعمالك. كيف توازنين بين التجريد والعاطفة؟
أسعى إلى تحقيق توازن بين التجريد والعاطفة في لوحاتي. التجريد هو وسيلتي لتبسيط الأفكار المعقّدة، لكنني أحرص على أن يكون هناك ارتباط عاطفي بين المشاهد والعمل الفني. من خلال الألوان المتناسقة والأشكال التجريدية الواضحة، أضمن أن يشعر المشاهد بالعواطف التي تنقلها اللوحة.
كيف ترين تطوّر فنّك في المستقبل؟
أتطلع باستمرار لتطوير فني عبر استكشاف تقنيات جديدة وأفكار أكثر تحدياً. أرغب في دمج التكنولوجيا مع الفن لتقديم تجربة بصرية مبتكرة، وأرى أن المستقبل يحمل لي فرصاً لا حصر لها لتطوير فني من خلال تقنيات حديثة ومنظورات جديدة.