تسلّط خبرة ناهد الحميري في الأوساط الأكاديمية، إلى جانب قيادتها في تطوير المبادرات العامة المؤثرة، الضوء على تفانيها في تعزيز الفرص الاستراتيجية للنساء في الأدوار القيادية، خصوصًا وأنّها تلتزم بالإرشاد والمساواة والتبادل الفكري بعمق في مجالات التعليم والثقافة. ومن خلال عملها، تواصل الحميري الدفاع عن الدور المهم للمرأة في الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الثقافية، وتشجيع الأجيال القادمة من النساء العربيات على المساهمة بثقة في الحوارات العالمية والقيادة بعزم وإصرار. في هذا اللقاء، وبمناسبة يوم المرأة العالمي، نحاور ناهد الحميري، رئيسة البرامج العامة في معهد جامعة نيويورك أبوظبي، حيث تسلّط الضوء على دورها، وعملها، وأهميّة المرأة في القطاع.
كونك ترأسين برامج عامّة في معهد جامعة نيويورك أبوظبي، كيف ترين دور المرأة في تشكيل الخطاب الفكريّ والثقافيّ في المنطقة؟
لطالما أدّت المرأة دورًا محوريًّا في الخطاب الفكريّ والثقافيّ في هذه المنطقة، وقد بات دورها اليوم أكثر وضوحاً من أيّ وقت مضى. بفضل القيادة الرشيدة لصاحب السموّ الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان ورؤيته الحكيمة، شكّلت دولة الإمارات العربية المتحدة بيئة تزدهر فيها المواهب والخبرات - بغضّ النظر عن الجنس. وكما نرى، فإن الإماراتيّات وغيرهن من النساء العرب والأجانب يشاركن بنشاط في تشكيل الحوار ضمن الأوساط الأكاديميّة والسياسية والثقافية، ممّا يضمن ديناميكية المشهد الفكريّ وتوجيهه نحو المستقبل. ويتجلّى ذلك في معهد جامعة نيويورك أبوظبي، حيث تجمع منصتنا العلماء وقادة الفكر من جميع أنحاء العالم، ممّا يعزّز النقاشات البنّاءة والشاملة وتطلّعها للمستقبل. ولا ينحصر دور النساء في المشاركة فحسب، بل إنهن يساهمن بشكل فعّال في القيادة، فيضعن الأجندات ويؤثّرن في توجهات إنتاج المعرفة. وعلينا أن نحرص على استدامة هذا الزخم من خلال توفير الدعم المؤسّسيّ، والفرص الاستراتيجيّة، والالتزام بتعزيز تنوع وجهات النظر.
اليوم العالميّ للمرأة هو وقت للاحتفال بالتقدّم والتفكير بالتحدّيات المقبلة. ما هي برأيك أهم الفرص والعقبات الّتي تواجه المرأة في الأوساط الأكاديميّة والمؤسّسات الثقافيّة اليوم؟
من أعظم الفرص اليوم - لا سيّما في الإمارات - هي التركيز على الجدارة وتحييد الجنس. إن للنساء في الأوساط الأكاديميّة والمؤسّسات الثقافيّة فرص للوصول إلى الأدوار قياديّة، والتمويل، والمنصّات العالميّة بطرق لم تتوفر بسهولة فيما مضى. وقد سعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توفير مساحة للنساء للقيادة، ممّا يضع نموذجاً لا تزال العديد من المناطق الأخرى تعمل على تحقيقه. ومع ذلك، لا تزال التحدّيات قائمة، سواء على المستوى العام أو داخل المؤسّسات. غالباً ما تتشكّل عمليّات اتّخاذ القرار من خلال شبكات قائمة لا تعكس دائماً كل المواهب المتاحة، ولا تزال النساء في القيادة يجدن أنفسهنّ يتنقّلن في هياكل بطيئة التطوّر. وأحياناً، تكون هذه الحواجز موجودة بشكل غير رسمي، ولكنّها تتبلور في شبكة النفوذ وكيفيّة تشكيل المسارات المهنيّة. ومن الأساسي عدم الاستسلام لهذه الديناميكيّات، فالقيادة تعتمد على التأثير، ولا تنتظر إذناً من الغير. على النساء اللّواتي يدخلن هذه المساحات أن يتخذن القرارات بثقة، وأن يحرصن على المساهمة بطرق جوهريّة، وعلى إدارة الحوارات بطرق هادفة. يجب أن يبقى جهدنا مركّزاً على تطوير العلم والتميّز، فهذا ما يترك انطباعاً راسخًا.
يتضمن عملك تعزيز الشراكات وتوسيع النقاشات الفكرية. كيف يمكن للنساء العربيات المساهمة بشكل أكثر فعالية في الحوارات العالمية في مجالات الدبلوماسية والتعليم والثقافة؟
تتمتع النساء العربيّات بإمكانية الوصول إلى المنصات العالمية أكثر من أي وقت مضى، لكن الوصول وحده لا يكفي، فالمسألة تتعلّق بالتأثير. لتشكيل المحادثات العالمية، على النساء أن يفكرن بكيفية المشاركة من منظور استراتيجي، والتأكد من أن وجودهن لا يقتصر على الحضور فقط، بل أنهن يشاركن في قيادة النقاشات، وتشكيل السياسات، ووضع الأجندات الفكرية. في معهد جامعة نيويورك أبوظبي، نولي الأولوية للمشاركة الفعّالة، وليس مجرد التمثيل الرمزي. وهذا يعني بناء شراكات طويلة الأمد مع المؤسسات وصنّاع السياسات والقادة الثقافيين الذين يدركون قيمة تنوّع وجهات النظر. على النساء العربيات أن يطالبن بمساحتهن بثقة، ويساهمن على قدم المساواة، وأن يحرصن على دورهن في تشكيل النتائج، ليتعدى وجودهن كونه صورياً. وكلما بنينا هذه الشبكات، عزّزنا دورنا في رسم مستقبل المعرفة والدبلوماسية والثقافة.
خلال مسيرتك المهنية، أشرفتِ على توجيه العديد من الطلاب والمهنيين الشباب. ما هي النصيحة التي تقدمينها للشابات العربيات الطامحات إلى أدوار قيادية في التعليم والأبحاث؟
أهم شيء هو الإيمان بأحقيّتك في المساهمة، ودون أي تردد. إن القيادة لا تنتظر إذناً؛ بل تعتمد على المساهمة بمضمون فعّال، وبشكل هادف، وأدراك حقيقة أن لمساهماتك قيمة حقيقية. ستواجهين تحديات، وستواجهين تحيّزات هيكلية، وسياسات مؤسّسية، وقد تشعرين أحياناً أنك مهمّشة فيما يتعلق بالقرارات الأساسية. لكن هذا ليس سبباً للتراجع، بل إنه سبب لمضاعفة الجهود. ابحثي عن مرشدين يدعمون نموّك بصدق، وكوّني شبكة مهنيّة قوية، وركّزي على تحقيق التأثير بدلاً من ديناميكيات العمل. لقد وفّرت دولة الإمارات العربية المتحدة فرصاً شكّلت رحلتي القيادية، مما عزّز قيم النزاهة والتميّز، والتزامي بالمساهمة الفعالة. إنّ نصيحتي للشابات العربيات بسيطة: أنجزي العمل، وطالبي بحقوقك، وقودي برؤية طويلة المدى تتعدى الأمور اليومية. في نهاية المطاف، ما يهمنا ليس ارتقاء السلم الوظيفي، بل التأثير الذي تتركينه.