شكَّل زمن الوباء وظاهرة ارتداء الأقنعة، طوال أشهر خلت، مصدر إلهام للمصمم لإطلاق مجموعة مستوحاة من طابع مدينة البندقية، فاختار لمجموعة الأزياء الراقية لشتاء 2022 التي قدّمها ضمن عروض أسبوع موضة الهوت كوتور في باريس لخريف 2021 Paris Haute Couture Fall 2021، أن يعيد إحياء رونق الأرستقراطية بروح شرقية. هنا، يبجِّل زهير مراد مدينة الدوقية التي صمدت عاتيةً في القِدم في وجه الغزوات والأوبئة، متسلحةً في كل حين بعشقها لكل أشكال الرفاهية والفنون والجمال.

 

بين الأزقة والسواقي، والكنائس والقصور الفاخرة على ضفاف المياه، تتكشف ملامح إحدى حفلات البندقية المعاصرة التي تصدح فيها أنغام عازف الكمان الإيطالي باغانيني، مصحوبةً بالمشهد الأكثر شهرة ورومنسية لزوارق الجندول العائمة.

وليلًا، تكثر حكايات اللقاءات المحفوفة بالمخاطر ولحظات عناق العشاق في الممرات المظلمة. وعلى وقع حفيف الحرير والرداءات الفخمة الخارجة أحيانًا من إحدى لوحات الرسام كارباتشيو، تضيع الهوية: هنا، لا نكون من نحن عليه، بل من نريد أن نكون... فالأضواء تومض في شكل مختلف، منبثرةً من النوافذ الزجاجية الملونة وثريات المورانو التي صهرها صانعو الزجاج بأسرار العلماء.

 

تتجلى الزخارف التي تجسد أغصان الكرمة والبلورات والزجاج المتقزح بألوان خيالية، والفساتين الضيقة بقصاتها الحادة التي تزيدها أنثويةً رداءات واسعة شفافة مصممة من أقمشة أشبه بالأحلام.

 

ومع زهير مراد، تظهر قطع الجمبسوت الساحرة المزدانة بحبال من الكريستال، والفساتين الطويلة التي تستحضر أناقة المضيفات الأرستقراطيات، والإطلالات بالقفطان الذي يذكرنا بأميرة شرقية، وهو ملقى فوق تصميم يكثر فيه الموسلين ليرمي بنا إلى عصر النهضة، ولكن بنفحة معاصرة. في اختصار، إنه مهرجان الأكتاف المكشوفة والمنحنيات البارزة من خلال فتحات جريئة وقصات غير متناسقة.

 

كذلك، تحضر رموز الكرنفال الخالدة في الرداءات والقفازات الطويلة المصممة من التول المطرز، فيما أقمشة المخمل والشيفون والتفتا والحرير المضلع والأورجانزا المزين بخيوط معدنية تعيد إلى الواجهة الكلاسيكيات التي لا تفنى برؤية جديدة؛ أما اللوركس الفضي فيضفي لمسته المعاصرة من دون منازع.

 

في مجموعة زهير مراد هذه، يتخذ الزجاج المصهور أشكال تطريزات بألوان متفاوتة، وتتجسد روعة الأزياء الراقية بأسلوب الترقيع الذي لا ينفصل عن روح البندقية. القصات مفتوحة عند العنق وغير متناسقة عند فتحات الصدر، والأكمام تأتي إما منتفخة وإما منسدلة بوسعها فوق الأكتاف، تمامًا كالرداءات...

 

كل هذه التفاصيل تطبع المجموعة برفاهية تقول الكثير عن مدينة اتسمت بصمود نابع من أجوائها الاحتفالية، وقد نجحت في يوم من الأيام، ولا زالت تنجح، بالتغلب على كل الصعاب، محصنةً بمواهبها وتأنقها وبراعتها الثابتة العابرة للزمن.

 

المزيد
back to top button