القبّعات على أنواعها: قبّعة الراعية - جزء 9

عودة إلى المشرق العربي في أيّامنا هذه! إنّ الجميلات، راعيات الغنم، وقد سمعنا عنهنّ في القصائد التي تعلّمناها في المدرسة، لسنَ شخصيّات وهميّة أو من نسج الخيال ومن عالم الأساطير. بل إنّهنّ موجودات باللحم والدم معتمرات قبّعات القشّ الجميلة. لرؤيتهنّ، يكفي التنزّه في الطرقات الجبليّة الوعرة أو الذهاب إلى سهل البقاع. لقد سبق لي أن قابلتهنّ في وادي جهنّم الجميل في شمال لبنان. هنّ متباهيات، لطيفات، شابّات، وريثات لذكرى تلك الراعية بيترونيل – ومن دون أن يُدركنَ الأمر – لهنّ جميعهنّ قبّعات من القشّ مطرّزة بالأحرف والأشكال العديدة وفيها غالباً ما يضعنَ أزهار الغابات بألوانها وتدرّجاتها العديدة. وعلى الدوام، تكون القبّعة منسّقة مع الملابس ومع المكان المتلوّن الذي تتنقّل فيه بين الحقول في الطبيعة مع الخراف. وهي مزوّدة بنقاط حمراء تشكّل بصمتهنّ الخاصة وتسمح للجميع بتمييزهنّ عن بعد. حظي هذا الأكسسوار بديكور مختلف لدى كلّ راعية حسب ذوقها وشخصيّتها وقد صار نوعاً ما قبّعة للهويّة، وامتداداً للشخصيّة ومرآة للذات. فإنّ وجود قبّعة معلّقة على شجرة يشير إلى وجود هذه الراعية أو تلك في الجوار.

 

 

وسط هذا التأرجح الكبير بين طبقات المجتمع، تحافظ قبّعة القشّ على رونقها ومكانتها، أكان لدى الفلاّحات حيث تُعدّ أكسسواراً للزينة أكثر فعاليّة، أم في الطبقات الأرقى حيث صارت تحفة فنّية أو غرضاً جوهريّاً. "لا يسعنا إلاّ أن نحني رؤوسنا ونرفع قبّعاتنا بوقار أمام عظمة هذا الأكسسوار"، حسب ما قالته صانعة القبّعات قديماً في بيروت، وقد رحلت اليوم تماماً كما رحلت مهنتها.

 

بقلم د. أنطوان ضاهر

المزيد
back to top button