من يخونُ من؟

كنتُ قد ضَبطتُ للمرّة الألف زوجي وهو يخونُني، إلى أن قرّرتُ أخيرًا أن أضَع حدًّا لهذه المهزلة، إذ أنّه كان في كلّ مرّة يعدُني أنّه فهِمَ أنّ ما فعلَه هو خطأ وأنّني أتعذّب بسبب ذلك. لكنّه كان، أيضًا في كلّ مرّة، يبحَث على ما يبدو عن فتاة أو إمرأة ليخونني معها. لَم أستطِع إيجاد إثبات لتلك الخيانات بل فقط مراسلات وغيابات، لكن أمام مُساءلتي لزوجي، كان يعترٍف بذنبه على الفور. للحقيقة، أظنّ أنّ لَم يكن لدَيه صنف مُعيّن مِن النساء يُعجبه، بل كلّ مَن كانت مُتوفِّرة، لِدرجة أنّني فهمتُ أنّه يُريد كلّ النساء ما عدايَ وحسب.

لماذا تأخَّرتُ لأخذ قراري؟ بسبب أطفالي، فلطالما حسبتُ أنّ الأحوال ستصطلِح ولَم أشأ حرمانهم مِن أبيهم.

طلبتُ الطلاق أخيرًا، وجاءَت أمّي لتسكن معي ولتبقى مع الأولاد أثناء وجودي في عمَلي، وهي حاولَت إقناعي بالتراجع عن قراري، مُضيفة أنّ الرجال هم هكذا وعلينا تقبّلهم كيفما كانوا. رفضتُ تلك الفكرة بشكل قاطِع، فلا، ليس الرجال كلّهم كزوجي، ولا، ليس علينا تقبّل الاذلال والخيانة فقط لأنّنا نساء.

ثمّ أخبرَتني أنّ أبي خانَها هو الآخَر مرّات عديدة، إلّا أنّها فضّلَت السكوت على تدمير عائلتها، ونعَتَتني بالأنانيّة والبلهاء. لكنّ رأي أبي كان مُخالفًا، إذ أنّه رحَّبَ بقراري وقالَ إنّني أستحِقُّ أفضل مِن ذلك الوغد الخائن. إستغربتُ في سرّي، إذ أنّ والدي لَم يتأخّر عن خيانة أمّي، هل هو ندِمَ في آخِر المطاف عندما كبرَ في السنّ؟ لَم أقُل له شيئًا طبعًا، فمَن أنا لأحكم على زواج الآخَرين؟ إضافة إلى ذلك، كنتُ أكنًّ لأبي إحترامًا كبيرًا لأنّه كان والِدًا عظيمًا لي ولأخوَتي.

أكمَلتُ حياتي مع أولادي، الذين كانوا يرَون والدهم أسبوعيًّا وتحت مُراقبتي أو مُراقبة أمّي وفي مواعيد مُحدَّدة منّي، لأنّني خفتُ أن يأخذهم منّي حتّى بعد أن أعطَتني المحكمة الحضانة، لأنّني استطعت إبراز براهين عديدة على خياناته لي وكيف أنّه فضَّلَ تركَنا مرارًا ليلتقي بعشيقاته.

مرَّت الأيّام بهدوء، وكنتُ مُتأكّدة مِن أنّ زوجي كان بدأ ببناء حياة جديدة له مع إحداهنّ. لكنّ الحدَث الأبرز كان عندما زارَني في أحَد الأيّام عمّي الأصغَر ليطمئنّ عليّ. كنتُ أحبُّه كثيرًا إذ أنّني كنتُ مُتقرّبة منه كثيرًا، وكنّا نتشارك أمورًا عديدة. لا أدري كيف ولماذا، لكنّنا تطرّأنا إلى موضوع أبوَيّ وزواجهما. لَم أقُل له ما أطلعَتني عليه أمّي في ما يتعلّق بخيانات أبي لها، لكنّه قالَ لي:

ـ يا صغيرتي، لا تحزني على نهاية زواجكِ، فلا داعٍ لتدمير حياتكِ كما حصَلَ لأبيكِ ، إذ أنّه تحمَّل ما فعلَته أمّكِ لسنوات.

 

ـ ما فعلَته أمّي؟!؟ ماذا تقصد؟

 

ـ إنّه موضوع شائك، لكنّه ليس سريًّا... لَم تكن والدتكِ دائمًا زوجة فاضلة... لكنّ أخي قرّرَ التحمّل مِن أجلكم.

 

ـ ما هذا الكلام؟ ألانّه أخوكَ تلصِق التهمة بأمّي؟!؟

 

ـ أبدًا... فالجميع يعلَم أنّها كان لدَيها عشيق.

 

ـ أنتَ تكذِب!

 

ـ لا تكلّميني هكذا فأنا عمّكِ، لا تنسي ذلك!

 

ـ أنا آسِفة يا عمّي... أعذرني. للحقيقة، أمّي قالَت لي إنّ أبي هو مَن خانَها، وإنّها كتمَت عذابها مِن أجلنا.

 

ـ قولي لي... في قرارة نفسكِ، هل تعتقدين أنّ أباكِ خائن؟ هل كان يغيب أو يختلق الحجَجَ ليُسافِر أو شيئًا مِن هذا القبيل؟

 

ـ أبدًا... فلَم يتغيّب يومًا عن البيت، بل كان يعودُ مِن عمله فورًا إلينا.

 

ـ حسنًا... ماذا عن أمّكِ؟

 

ـ للحقيقة... هي تغيّرَت منذ سنوات قليلة، فصارَت لدَيها صديقات وهوايات، وأتذكّر أنّني افتقدتُ لوجودها. لكن سرعان ما نسيتُ الأمر لأنّني انشغَلتُ بحبّي الجديد، ذلك الشاب الوسيم الذي صارَ زوجي لاحقًا، فأنتَ تعرِف كيف أنّ الانسان المُتيّم لا يعود يهتمّ لشيء سوى بغرامه. ثمّ تزوّجتُ وأنجبتُ... وطلّقتُ!

 

ـ لا تأسفي على شيء أو أحَد، فالخيانة هي أبشعَ الأمور.

 

أسِفتُ كثيرًا لدى معرفتي بحياة والدتي، إذ أنّني لطالما إعتبرتُها رمز الشرَف والأخلاق. لكنّ مَن منّا لا يُخطئ؟ لَم أتّخِذ موقفًا منها، فتلك كانت حياتها وأبي ولا دخَل لي بها، فيكفي أنّها أتَت إليّ وتُساعدني بأولادي وسط محنتي الصعبة.

بعد ذلك، بدأ زوجي السابق يتقرّب منّي بإلحاح، ويعدُني كعادته أنّه لن ينظَر إلى امرأة أخرى في حياته، فنسيتُ موضوع أهلي طبعًا. لكنّني فخورة بنفسي لأنّني في تلك المرّة لَم أُصدّقه، بل صدَّيتُه بقوّة واضعة حدًّا لكذبه المُتكرِّر.

وفي أحَد الأيّام، حين دخلتُ بيتي لدى عودتي باكرًا مِن عمَلي، سمعتُ صوت أولادي وهم يضحكون مع أحَد، فتفاجأتُ بإيجاد زوجي وهو يُلاعبهم مِن دون أن يكون قد أخَذَ إذنًا برؤيتهم، أو حتّى بالمجيء إلى بيت لَم يعُد بيته قانونيًّا. إستأتُ كثيرًا وطلبتُ منه المُغادرة بحزم، فاستجابَ لطلبي وغادَرَ بسرعة مِن دون أن يُناقشني. وبعد دقائق قليلة، رأيتُ أمّي تخرج مِن غرفة النوم. للحقيقة، نسيتُ أنّها موجودة عندي لكثرة غضبي مِن زوجي السابق، فصرختُ بها لأنّها أذنَت له بالدخول والمكوث مع الأولاد في غير موعده. وضعتُ الأولاد في سريرهم وأوصَيتُهم بعدَم التواجد مع أبيهم مِن دون مُراقبة، فقالَت لي إبنتي الكبرى:

ـ ما دخلنا نحن، فجدّتنا هي التي اتّصلَت به وطلبَت منه المجيء!

 

ـ لا عليكِ يا حبيبتي... لكنّ جدّتكِ كانت في غرفتها وبقيتم لوحدكم مع أبيكم.

 

ـ لا... أبي كان مع جدّتي في الغرفة طوال الوقت، وهو لَم يخرج إلّا قَبل مجيئكِ بدقائق. هو لَم يأتِ لرؤيتنا، بل لرؤيتها، كما يفعلُ دائمًا.

 

ـ دائمًا؟ ماذا تعنين؟

 

ـ هي ليست المرّة الوحيدة... يأتي البابا ويدخل الغرفة لحوالي الساعة مع جدّتي. أحيانًا نسمَع أصواتهما وهما يلعبان سويًّا.

 

ـ يلعبان؟؟؟

 

ـ أجل، هذا ما قالاه لنا... إنّها لعبة مُثيرة! لكنّها ليست للصغار، بل فقط للكبار.

 

أسرعتُ بالخروج مِن غرفة ابنتي لأبكي لوحدي خذلاني وغضبي. هكذا إذًا... يأتي زوجي السابق في غيابي و"يلعَب" مع أمّي حين يكون أولادنا موجودين!!! لكن كيف أواجِه أمّي؟ ماذا أقولُ لها؟ هي ستنكرُ حتمًا وتلقي اللوم على الأولاد وتصوّرهم على أنّهم كاذبون. فكنتُ أعرفُ في قرارة نفسي أنّهم على حقّ، يكفي أن أتذكّر وجه أمّي وهي خارجة مِن الغرفة... وجه امرأة كانت في وضع حميم مع رجُل.

دخلتُ غرفتي مِن دون أن أتمنّى لأمّي ليلة سعيدة، وهي الأخرى لَم توجّه الحديث إليّ، فجلستُ في سريري أفكِّر بالذي يحدث وكيف أضَع حدًّا له. للحقيقة كنتُ مُشمئزّة مِن والدتي لأقصى درجة، فكيف تفعل تلك الأمور مع صهرها السابق؟!؟ وخاصّة بعدما كانت تعلَم كَم مِن مرّة هو خانَني... كَم مِن مرّة؟ وهل كنتُ أعلَم عدَد تلك المرّات أو أسماء اللواتِي خانَني معهنّ؟ ماذا لو لَم تكن هناك نساء عديدات... بل واحِدة فقط؟؟؟ واحدة تكون بالذات أمّي؟ لا، لا... لا يجوزُ أن أكونُ على حقّ! ثمّ تذكّرتُ أنّني بالفعل أسنَدتُ لزوجي السابق مُغامرات عديدة مِن تلقاء نفسي. عندها خرجتُ مِن غرفتي، ودخلتُ غرفة أمّي مِن دون أن أقرَع الباب، فأضأتُ النور ووقفتُ قُبالة سريرها وصرختُ بها:

ـ منذ متّى؟ منذ متى تعاشرين زوجي السابق؟ تكلّمي، فأنا أعرفُ ما بينكما!

 

ـ منذ البداية.

 

ـ ماذا؟!؟ منذ أوّل زواجنا؟!؟

 

ـ لا... ليس منذ أوّل زواجكما، بل قبل ذلك. للحقيقة، أنا التي عرّفتُه عليكِ، أتذكرين حين هو راحَ إلى شركة التأمين التي تعملين فيها وطلَبَ بوليصة؟ أنا بعثتُه لأنّه كان يُريدُ أن يتزوّج ويؤسّس عائلة.

 

ـ أتسمعين ما تقولينه؟!؟

 

ـ لكنّني قطعتُ علاقتي به حين تزوّجتُما.

 

ـ بل بقيَ على علاقة معكِ، إعترفي!

 

ـ علاقة مُتقطّعة، مِن فضلكِ!

 

ـ أيّة امرأة أنتِ؟!؟ أليس لدَيكِ أيّة ذرّة شرَف؟!؟ تخونين زوجكِ مع صهركِ؟؟؟

 

ـ الأمر أقوى منّي... وأقوى منه. فنحن وُلِدنا لبعضنا لكن بفارق خمس وعشرين سنة.

 

ـ خذيه! خذيه! فهو لكِ الآن، لكن إيّاكِ أن تأتي به إلى هنا! أتعرفين شيئًا؟ ستُغادرين بيتي في الصباح واذهبي إلى الجحيم!

 

أسرعتُ بالاتّصال بأبي الذي كان غارقًا في النوم، ولزِمَته دقائق لاستيعاب ما أخبَرتُه عن أمّي. هو سكَتَ مطوّلًا ثمّ قال:" على هذه المهزلة أن تنتهي... لن أدعَها تعود إلى البيت، فلتذهب إلى عشيقها! لا عليكِ يا صغيرتي، سأكون بخير وسأُساعدكِ بالأولاد، فلا حاجة لنا لتلك المرأة القبيحة!".

وبالفعل، قصدَت والدتي زوجي السابق بعد أن منعَها أبي مِن دخول البيت. كنتُ في حالة مُزرية بعد تلك الخيانة المُزدوِجة، لكنّ وجود أبي إلى جانبي أعطاني القوّة لأتغلّب على خذلاني.

منَعتُ زوجي السابق مِن رؤية أولادنا لأنّه رجُل قذِر، لكنّه بقيَ يتوسّلني للعودة إليّ، ولإثبات نواياه "الشريفة"، طرَدَ والدتي مِن بيته. عندها، هي ذهبَت إلى أخوَتي الذين رفضوا إستقبالها بعدما علِموا ما فعلَته بي وبأبي، فصارَت مِن دون سكَن، وانتقلَت مِن قريب لآخَر حتّى لَم يعُد أحَد يستقبلها، فراحَت إلى تلك الأماكن المُخصّصة للفقراء والذين لا سكَن لديهم. هل شعرتُ بالأسى حيالها؟ لا. وهل حاولتُ مساعدتها؟ لا. فلتحصد ما زرعَته!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button