هؤلاء مفطرون، بعضهم لديهم عذر شرعي يكفر عنهم إفطارهم، والبعض الآخر يختلقون أعذارهم بأنفسهم، منهم يفطر بحجة ارتفاع درجة الحرارة والخوف من الإصابة بالتهلكة، ومنهم يظن أن صيامه سيفسد يومه ويعكر مزاجه، وآخرون يجمعون بين الصيام والعمل ويظنون بأن الصائم غير قادر على الإنتاج، أما بعض الشباب فهم متمسكين بالسيجارة وكأنها ماء الحياة! لا يستطيعون الصيام بدونها.
يحللون إفطارهم بأنفسهم
طبيعة عمل حازم إبراهيم – مهندس كهربائي –التي تعتمد على المجهود البدني لاسيما وأنه يعمل في مواقع خارجية بدون تكييف، جعلته يقرر الإفطار في شهر رمضان، حدثنا بصراحة: "حرارة الصيف هذا العام مرتفعة جداً وقدوم رمضان هذا العام سيزيد من الأمر صعوبة، في العام الماضي أفطرت بعض الأيام من رمضان، وتغلبت على نفسي وصمت الأيام الأولى، ولكني في الحقيقة لم أستطيع المواصلة، وخاصة بعد أن أصابني الصداع المصحوب بهبوط في الضغط، لذلك أفطرت ودفعت مبلغاً مالي عن كل يوم أفطرت فيه ويقدر بـ 10 دراهم للفقراء والمحتاجين، وفي هذا العام سوف أفطر الأيام التي تستدعي خروجي إلى مواقع العمل الخارجية، أما في إجازة نهاية الأسبوع سوف أصوم بإذن الله".
ويشير حازم أثناء إفطاره في رمضان لا يتناول الطعام أمام زملائه في العمل، بل يشرب القليل من الماء بالخفاء حتى لا يلفت الانتباه أو أن يجرح صيامهم.
من جانبه يقول زهدي الغندور، وهو مقيم في أوروبا جاء بزيارة لدولة الإمارات هذا العام، ليقضى شهر رمضان مع شقيقته وعائلتها، " لم أكن أتوقع حرارة الطقس، وطول النهار في الصيف، لقد جئت من أوروبا لأقضى رمضان في أجواء أيمانية لكن في الحقيقة لا أستطيع الصوم في هذا الجو الحار، وخاصة إذا اضطررت الخروج في الفترة الصباحية، فأنا من محبي الرياضة والسباحة في الفترة الصباحية، وأعتقد لو ذهبت للبحر صباحاً وأنا صائم بالتأكيد سأصاب بالإغماء، من هنا قررت الإفطار، وحين أسافر إلى أوروبا سوف أعمل على صيام الشهر كاملاً".
من جانبها توضح زوجة زهدي وتدعى عائشة، أنها غالباً ما تفطر في رمضان، نتيجة تناولها أدوية للقولون العصبي، وتقول: " أتمنى صيام الشهر الكريم كاملاً لكن " قدر الله ما شاء فعل" فالقولون العصبي مرض غير متوقع في أي لحظة قد ينتفخ وخاصة في رمضان حيث الحرارة المرتفعة والضغوط اليومية ما يؤثر على حالتي النفسية والعصبية في آن، لذلك أضطر للإفطار، وقد أفطرت العام الماضي 17 يوم، وهذا العام لا استطيع التقدير أو التنبؤ بالأيام التي سأفطر فيها، ولكن أتمنى أن يقدرني الله على الصيام". حول ما أفطرته من أيام سابقة، تقول عائشة: " لم أتمكن من إعادة صيام ما أفطرت من أيام سابقة، لذلك طلبت من زوجي دفع كفارة عن كل يوم أفطرت فيه".
ليت الشباب يعود في رمضان
تشعر الحجة أم عبد الله قادر، بالحزن والحسرة، لأنها لا تستطيع صيام رمضان نتيجة تقدمها بالعمر المصحوب بأمراض الهرم والشيخوخة، وتقول: "منذ حوالي 7 سنوات، أصبت بانسداد في شرايين القلب المصحوب بارتفاع ضغط الدم، لذلك أتناول الأدوية اليومية صباحاً ومساءً، ونصحني الطبيب بعدم الصيام لأنه يؤثر على صحتي، لاسيما إذا تعرضت لمشاكل قلبية".
تصف أم عبد الله حالتها النفسية وتقول: "تعودت على صيام رمضان منذ كان عمري 9 سنوات، وكنت أنتظر الشهر المبارك بفارغ الصبر، أما الآن ولاسيما حين منعني الطبيب من الصيام، أحسست بمرارة الحياة، وعدت أتذكر أيام الشباب والصبا، وقدرتي وتحملي على الصيام والعطش، كما بت أقارن نفسي بشباب اليوم المتلكعين عن العبادة والذين ينظرون إلى رمضان بالشهر الثقيل على النفس، أنصحهم باستغلال الشهر الكريم وعدم التقاعس أو التهاون في العبادة، حتى لا يأتي اليوم الذي سيندمون فيه على ما فات، وأنا اليوم أتمنى أن يعود بي الزمان للوراء لأعود شابه وأصوم رمضان وأصلي قيام الليل والتراويح في المسجد كما يفعل الشباب الآن". على الرغم من تقدم أم عبد الله بالعمر واشتداد المرض عليها، إلا أنها تحتفل بشهر رمضان برفقة أولادها وأحفادها، ودائماً تذكرهم بعاداتهم وتقاليدهم الرمضانية، كالمأكولات الشعبية والزيارات الرمضانية بين الأهل والجيران، وتحرص أم عبد الله على قراءة القرآن والدعاء الدائم، وتؤدي صلاة التراويح وقيام الليل في المنزل".
رفقاء السوء
شادي نبيل، متقاعس عن العمل، تحدث إلينا بعد إلحاح طويل، وقال: "بدأت أفطر في رمضان العام الماضي، بسبب الفراغ القاتل والسهر على الإنترنت طوال الليل، فضلاً عن شرب السجائر، جعلني أفطر في رمضان، بالإضافة إلى أصدقائي في الحي ومعظمهم يفطرون، وهم أيضاً لا يعملون".
يقضي شادي أيام رمضان في المقاهي ليلاً وحتى الصباح ويستيقظ من النوم في فترة الظهيرة، وعلى حسب قوله " عندما أصحوا من النوم أشرب سيجارة وكوباً من القهوة". ويفطر شادي بالخفاء بعيداً عن أعين والديه، لأنهما يعملان ويستغل فرصة وغيابهم ويفطر، وفي إجازة أيام الأسبوع يخرج مع رفقاء فور استيقاظه من النوم حتى يفطر معهم بعيداً عن أعين والديه. و سألناه إن كان هناك من أصحابة يحثه على تجنب هذا الأمر، قال: معظم أصدقائي الذين ألتقي بهم في فترة ما قبل مدفع آذان المغرب يفطرون، أما القليل منهم لا يعلمون شيء عن إفطاري ولم يحدث أن نصحني أو أرشدني أحد من أصدقائي، "جميعنا في الهوا سوا".
أما العصبية الزائدة والمزاج المتعكر يجعلان محمد جميل يفطر في رمضان، يقول: " في بعض الأحيان أفطر حتى لا أتهور وأفقد أعصابي ويصدر مني سلوك لاإرادي وغير متوقع، ما أضطر للإفطار، أذكر في السابق وبسبب ارتفاع درجة الحرارة كنت صائماً وإذا يشتد غيظي ما أدى خلق مشاكل ومشاحنات مع مدير العمل، وكنت أنا من تطاول عليه، لكن بعدما أفطرت راجعت نفسي واعتذرت منه، وأيضاً الصيام يؤثر على قيادي للسيارة ومدى تركيزي، ولا أنكر أثناء الصيام أقود السيارة بشكل متهور وسريع، من هنا أعمل على الإفطار في رمضان، في الأيام التي أحس فيها بالتعب وعدم التركيز، ولكن في إجازة نهاية الأسبوع ألتزم الصوم وأحاول عدم الخروج من المنزل وخاصة ونحن نعيش حرارة الصيف الحارقة".
تحقيق رنا إبراهيم