هالة غوراني وكسر الصور النمطية

لقد قطعت النساء العربيات شوطاً كبيراً في العقدين الماضيين. اضطر العديد منهنّ المتواجد في المناصب القيادية الرفيعة إلى مواجهة الكثير من التحديات للوصول إلى القمة. وقامت أخريات بكسر الصور النمطية بمسارهنّ الفريد، وهالة غوراني Hala Gorani، الصحفية العربية ـ الأميركية ومراسلة ومذيعة CNN الدولية، هي إحدى هؤلاء النساء. تتحدّث إلى Elle Arabia عن حياتها المهنية اللامعة، وعن خيارها في العيش من دون أطفال، والبقاء مخلصة تماماً لدعوتها ورسالتها.

 

عندما سُئلت هالة غوراني عن كيفية تعاملها مع التأثّر العاطفي الذي ينتج عن كونها مراسلة إخبارية، قالت: "لدي حاجة عضويّة عميقة لفهم من وراء قصة أو حادثة ما ولماذا حصلت، وذلك من خلال التحدّث إلى الناس العاديين". بالنسبة لغير المطّلعين، لم تكتفي غوراني بالمراسلة والإبلاغ من موقعها في الخطوط الأمامية للحرب والسياسة، بل كانت في قلب الأحداث الكبرى التي شكّلت الشرق الأوسط. تتضمن بعض التقارير التي قدّمتها وحازت على جوائز، انتفاضة الربيع العربي (٢٠١١)، وزلزال هايتي (٢٠١٠)، والحرب في لبنان (٢٠٠٦)، وأزمات اللاجئين السوريين في لبنان (٢٠١٤)، والنضال من أجل حقوق المثليين في الشرق الأوسط (٢٠٠٦). قادتها جميع أعمالها إلى الحصول على التقدير والجوائز، مما وضع غوراني في دائرة الضوء التي احتضنتها منذ بداية حياتها المهنية. تقول: "لم أكن أهدف بالضرورة إلى وظيفة تلفزيونية، في أوّل الأمر، أردت فقط أن أصبح صحفية وأروي قصصاً مهمة. أدركت أنّ مهنة الصحافة نفسها هي ما يسعدني، وليس حجم المنشور أو مدى انتشاره". بالنسبة إلى غوراني، كان الأمر دائماً يتعلّق بالوصول إلى جوهر الأمور، والخروج من منطقة الراحة والرفاهية الخاصة بها، والبقاء صامدة بشجاعة في مواجهة التحدّيات.

 

بدايات مبكرة ودروس متأخّرة

ولدت غوراني في Seattle وترعرعت في فرنسا، ودرست في جامعة George Mason بالقرب من واشنطن العاصمة، وتخرّجت من معهد الدراسات السياسية في باريس عام ١٩٩٥. بدأت حياتها المهنيّة في أوائل العشرينات من عمرها، وعملت كصحافيّة مستقلّة في صحيفة إقليمية في شمال فرنسا ثم، "عن طريق الصدفة تقريباً" كما أوضحت، تمّ تعيينها كمذيعة أخبار في تلفزيون بلومبيرغ Bloomberg. لم تكن غوراني من اللّواتي يستحملنَ البقاء طويلاً داخل الأستديو، بل تعترف بأنّها كانت دائماً على استعداد لمطاردة الحدث عندما يتعلّق الأمر بتغطية قصة مباشرة. وتقول: "أنا أسعد بكثير عندما أقوم بمقابلة الأشخاص المتأثّرين بالخبر أو الحدث منه بالشخصيات السياسية" وهذا الشغف هو الذي جعلها وفيّة لمهنة الصحافة. عندما انضمّت إلى CNN، كانت غوراني تدرك أنّها لا تتلاءم تماماً مع المشهد الإعلامي الغربي، بصفتها امرأة عربية ولدت في الولايات المتحدة ونشأت في فرنسا. ومع ذلك، ظلّت حازمة في خيارها المهني حتى ولو افتقدت إلى قدوة لاتباعها. "لم يكن دائماً من السهل عليّ خلق مساحة خاصّة بي في مجال لم يكن فيه الكثير من الأشخاص من خلفيّة تشبه خلفيّتي. لحسن الحظ، تغيّرت الأمور بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، هناك اليوم عدد أكبر من العرب الأميركيين الذين يشغلون مناصب بارزة في الولايات المتحدة وبالتأكيد أيضاً، عدد أكبر من النساء في جميع المجالات مما كان عليه الأمر عند بداياتي". تماماً مثل معظم النساء اللواتي يخضنَ تحدّيات جديدة ويتغلّبن على عقبات مستجدّة، تلقّنت غوراني دروس الحياة طوال مسارها. منها القدرة على قول "لا"، أي رفض ما لا تريده دون الشعور بالذنب أو التنازل. "أودّ أن أقول للنساء أنّه ينبغي عليهنّ أن يتعلّمنَ الرّفض، في أيّ مرحلة من مراحل حياتهنّ وفي كلّ المراحل. وتعترف: "هذا الدرس تعلّمته مؤخّراً جدّاً"، مشدّدة على أهميّة التواصل والتكلّم عن أهدافك باحترام، ولكن بحزم. وتتطرّق غوراني إلى هذه القضية التي تناضل بعض النساء فعلاً للتعامل معها وتشدّد على أهميّة التحدّث عنها بصراحة وعلانيّة والتّشبّث بها بعناد. وتشير إلى أنه "بمجرد أن تثبتي ذاتك، فمن الأولوية إيصال الرسالة التي تريدينها بوضوح، حتى لا تضيّعي وقتك وطاقتك في فعل شيء لا يُرضيك".

 

رفع الصوت وعدم التردّد

بالنسبة لغوراني، فإنّ تقدّم وارتقاء النّساء العربيات في المنطقة ليس شيئاً سهلاً. على الرغم من التقدّم الكبير الذي أحرزته النساء على جميع الجبهات، إلا أنّ غوراني تعتقد أنّ المسار في الشرق الوسط لا يزال شاقّاً وتعترضه مطبّات كثيرة خاصّة عندما يتعلّق الأمر بالمساواة في الحقوق والتمثيل والمعاملة. وللّواتي يقمن فعلاً بخطوات كبيرة في خياراتهنّ المهنيّة، تقدّم غوراني لهنّ نصيحة أن يبقينَ ثابتاتٍ في آرائهنَّ وألّا يسكتن أنفسهنّ أو يخفضنَ صوتهنّ تحت تأثير الضغوطات. وتقول: "النساء معرّضات أكثر من الرجال للسخرية والانتقاد بسبب رفعهنّ الصوت". "لكي تكوني قياديّة، إستخدمي صوتك ولا تخجلي ولا تقبلي بالصمت. للأسف، في بعض مناطق من الشرق الأوسط، أقلّ ما يقال هو إنّ النساء اللّواتي يرفعنَ صوتهنّ عالياً لا يكافأنَ دائماً على شجاعتهنّ". وبالإشارة إلى حركة metoo#، تستعجل غوراني القول إنّ التغيير يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، وكل ما يتطلّبه الأمر هو المواظبة والمثابرة لمواصلة التقدّم وحتى لا يحصل أيّ تراجع أبداً.

من ناحية أخرى، تعترف غوراني بأنّها حذرة للغاية بشأن ما تشاركه على وسائل التواصل الاجتماعي ـ خاصة إذا تمّت مشاركته في لحظة غضب ـ مفضّلة بدلاً من ذلك العودة إلى الأساسيات. وتعترف: "شخصياً، قتلت وسائل التواصل الاجتماعي قدرتي على التركيز، لذا حاولت العودة إلى قراءة الكتب وكتابة مقالات طويلة. أراني وكأنّني أستخدم عضلة كنت قد نسيت أنني أملكها".

 

الحرب والأسرة

على الرغم من أنّ غوراني كانت دائماً في الخطوط الأمامية للحرب والسياسة، تقدّم تقاريرها من كل دول الشرق الأوسط بما فيها المملكة العربية السعودية والعراق وإسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية ـ فهي لا تخشى الاعتراف بأنّ بعض القضايا كان لها تأثيراً عميقاً عليها. "أنا من عائلة سورية، لذا عندما دمّرت الحرب نسيج وطن والدي بالكامل، شعرت حقاً أنّني فقدت أحد أفراد عائلتي". وكامرأة تولي أهمية كبيرة للأسرة والعلاقات، فقد حصلت على نصيبها العادل من المعارك دفاعاً عن خيارها الشخصي للبقاء بلا أطفال. تقول: "كان مساري نوعاً ما غير تقليدي". "تزوّجت متأخرة جداً، في الخامسة والأربعين من عمري، لم أُنجِبْ، وقضيت معظم حياتي في السفر والعمل لساعات طويلة". بالنسبة للعديد من النساء المتحدّرات من أصل عربي، يعد هذا الموضوع، وإلى حدّ بعيد، أحد أكثر الموضوعات حساسية وإزعاجاً ولا يزال يشكّل وصمة عار في مجتمعنا حتى يومنا هذا، ولا تخشى غوراني مشاركة أفكارها حول هذا الموضوع. وتشرح: "لطالما شعرت أنّني في موقع الدفاع عندما كان يقال لي إنّني اخترت ألا يكون لدي "عائلة" لأنّه ليس لدي أطفال"، مانحة الناس بذلك بعض المادّة للتفكير وطارحةً هذه الأسئلة بشكل بلاغي: "هل أنا أقل استحقاقاً للإحترام لأنني لست أمّاً؟ ألا أفهم أو أعرف معنى الحبّ لأنّني لا أحبّ طفلاً من لحمي ودمي؟" فمن خلال تحطيم الصورة النمطية الشائعة التي ترى أنّ هناك مشكلة ما لدى المرأة التي لا تريد أطفالًا، تتحدّى غوراني القوالب النمطية للمجتمع التي تؤثّر على الفتيات والنساء في جميع أنحاء العالم، بغضّ النظر عن مستوى نموّ بلادهنّ. "آمل حقاً أن نتخلّى عن بعض هذه المفاهيم والأفكار المسبقة، ليس فقط لأنّها غير دقيقة ولكن لأنّها تضغط أيضاً على الناس لإنجاب الأطفال في حين أنّهم قد لا يريدون ذلك وتجعل النساء اللواتي لم ينجبنَ وبقينَ بلا أطفال يشعرنَ بالذّنب دون داعٍ لذلك وفيما هنّ سعيدات تماماً بالخيارات التي قمنَ بها".

بالنسبة للشرق الأوسط، وهو مكان تتجه فيه النساء بشكل متزايد نحو العمل وهنّ مقتنعات وراضيات بخياراتهن، فقد حان الوقت لهنّ بالتأكيد لتلقي درساً من امرأة لا تخشى كسر الصورة النمطية من خلال اختيارها البقاء من غير أطفال، واثقة من نفسها وطموحة، لأنّه آن الأوان لترفع أخيراً إحداهنَّ المستوى وتصبح نموذجاً يحتذى به للواتي لا يزلنَ في صراع مرير مع مثل هذه المشكلة الحساسة.

 

خمس أشياء لا تعرفينها عن هالة غوراني

  1. كنصيحة لنفسي لو كنت أصغر سنّاً... أودّ بالتأكيد أن أقول أنّ كل صورة لك تكرهينها اليوم ستحبّينها بعد بضع سنوات. لذا حاولي أن تحبّي وجهك وجسمك منذ اليوم.
  2. المكان الذي يلهمني هو... طاولة المطبخ وعليها الكمبيوتر المحمول الخاص بي مفتوحاً. إنّه المكان الذي قمت فيه ببعض أفضل أعمالي الفكريّة!
  3. من أعزّ وأجمل ذكريات طفولتي... قيامي برحلة في نهر النيل عندما كنت مراهقة وقضائي ليلة رأس السنة وسط عاصفة ممطرة نادرة في أسوان.
  4. ٤ـ أنا أقرأ حاليًا... كتباً باللغة الفرنسية تسلّط الضوء على بعض القضايا المقلقة جدّاً التي حصلت في فرنسا. إنّ كتاب "Consent" لـ Vanessa Springora هو عبارة عن مذكرات قاسية للغاية، مثلها مثل "La Familia Grande" لـ Camille Kouchner. كما أنّني أحببت قصّة "Chanson Douce" الآسرة التي كتبتها ليلى سليماني.
  5. ٥ـ مطعمي المفضّل هو… Le Grand Vefour في باريس. ويبدو أنّ سلسلة Emily in Paris قد شهرته جداً لذا فقد أضطّر إلى العثور على مكان جديد قريباً!

 

نص أوديليا ماثيوز

المزيد
back to top button