بعد طول انتظار، صرنا نرى مزيداً من الكاتبات العربيات. هنا، تتحدّث سلمى حيدراني مع أصواتٍ جديدة تغيّر طريقة رؤيتنا للشرق الأوسط – وللنساء بشكلٍ خاص!

 

ها نحن في خضمّ نهضةٍ فكرية إبداعية عربية. من الحكايات الواقعية إلى الروايات، نشهد على عددٍ متزايدٍ من الكاتبات الناشئات من التراث العربي والشرق أوسطي واللاّتي يسيطرنَ على رفوف الكتب في كلّ أنحاء العالم، وذلك أكثر من أيّ وقتٍ مضى. وأخيراً، هنّ يعزّزنَ مكانتهنّ على الساحة الأدبية المعاصرة.

 

لنأخذ على سبيل المثال، مذكّرات الصحافية عليا مورو المولودة في مصر والمقيمة في لندن، The Greater Freedom، التي تكشف عن المعنى الحقيقي لسيّدة الشرق الأوسط المقيمة اليوم في الغرب.

في غضون ذلك، أصدرت الصحافية البريطانية-اللّبنانية زهرة حنقير مجموعة Our Women On The Ground: Essays by Arab Women Reporting from the Arab World التي تتطرّق إلى تقارير 19 صحافية من كلّ أنحاء العالم العربي حول مواضيع مثل أزمة الهجرة على خلفية الخطاب اليميني الأوروبي المتطرّف، والهويات المزدوجة والأوطان المتبدّلة.

وفي مكان آخر، صدرت في المملكة المتّحدة في أيار/ مايو هذه السنة مجموعة الحكايات القصيرة Alligator and Other Stories للكاتبة الناشئة المولودة في دمشق والمقيمة في مانشستر ديما الزيّات. وقد تتطّرقت فيها إلى موضوع الآخَر والنزوح والمرأة وتجربة المهاجر.

 

صحيحٌ أنّ الكتب تتنوّع – فإنّ كتاب مورو هو عبارة عن مذكّرات في حين أنّ كتاب حنقير هو بمثابة مختارات من مقالات – لكنّ كلّ العناوين تلتزم بتقديم سردٍ بديل عن المنطقة – وبالأخص مع إقحام المرأة بشكل أساسي.

 

الروايات البديلة

أدّت تجربة مورو الشخصية التي دفعتها إلى اختبار شعور التمزّق بين ثقافتين مختلفتين – فجذورها مصرية وترعرعت في بريطانيا – دوراً جوهرياً في تحفيزها على كتابة The Greater Freedom. "كلّما تقدّمت في السنّ أكثر بدأت أشعر بتزايد الانسلاخ بين الثقافتين. أردت أن أكتشف ما هي الجوانب من حياتي التي أثّرت في هذا الأمر وأسبابها. أردت أن ترى النساء أنفسهنّ وتتعرّفنَ على ذواتهنّ في النصّ فيشعرنَ تلقائياً أنّ رغباتهنّ ومخاوفهنّ وخياراتهنّ – أيّاً كانت – هي صحيحة".

 

في الوقت نفسه، أملت حنقير بتقديم سرد أكثر شموليةً للمراسلات الأجنبية. وقبل أيّ شيء، كثير من الذين نربطهم بهذا المجال هي في معظم الأحيان من العرق الأبيض، ومن الغرب، ومن الذكور. وحتى وقت إصدار Our Women on The Ground في آب/ أغسطس الفائت، كنّا نعرف القليل عن الصحافيات العربيات والشرق أوسطيات اللاّتي يجازفنَ بحياتهنّ من أجل تقديم التقارير عند الحدود التي تشهد على النزاعات.

 

"سيطر المراسلون الغربيّون لعقودٍ طويلة على السرد الإعلامي الدولي لأخبار العالم العربي فهم كانوا يغطّون المنطقة لسنة أو سنتين ثمّ يرجعون إلى بلادهم ومن ثمّ يكتبون عن تجاربهم في مذكّرات أو في كتب واقعية"، بحسب ما صرّحت به حنقير لمجلة Elle الطبعة العربية. "وقد فكّرت: ماذا عن الصحافيات العربيات الجريئات اللاّتي أتابع أعمالهنّ لسنوات؟ ماذا لو نقرأ عن تجاربهنّ وعن كيفية تأثّر حياتهنّ في أماكن مشابهة؟ تُثبت النساء في هذا الكتاب أنّه، ومن دون أصواتهنّ وعملهنّ، يبقى جزءٌ من حكايات المنطقة بكلّ ما فيها من تفاصيل وتعقيدات، ناقصاً بعض الشيء"! وهي لم تخطئ. فمن غيرهنّ يمكنه أن ينقلنا إلى غرفة أخبار مصرية يطغى عليها العنصر الذكوري، وإلى مركز للمهاجرين في ألمانيا في ظلّ خلفية العداء للمهاجرين والتي تنكشف في معظم أنحاء أوروبا الغربية، وإلى بائعة سعودية تبيع الملابس الداخلية للمرة الأولى في تاريخ المملكة؟ وكما تقول حنقير: "آمل أن يتمكّن القرّاء أثناء قراءة Our Women on the Ground من فهم أبعادٍ أعمق وأغنى للعالم العربي والشرق الأوسط، ومن ملاحظة مرونة نساء هذه المنطقة بشكلٍ قويّ.

 

الانتصارات

لا شكّ في أنّ عمل أولئك الكاتبات يستحقّ التكريم فقد أعدنَ هيكلة الرؤية للمنطقة وللنساء الموجودات فيها. في المقابل، تخشى الزيّات من أن تكون بدايتها الجريئة قد أخفقت في تصحيح النماذج القديمة. وهي تقول: "لم أحاول عمداً اختلاق شخصيات تتحدّى الصور النمطية بشكل واضح، بل كان مهمّاً بالنسبة لي أن أقدّم شخصيات عربية وعربية-أميركية بدت لي وكأنّها أفراد فيها ما يكفي من الأصالة والتعقيد". وتضيف الزيّات: "تماماً مثل كلّ الأشخاص، هم يجسّدون نوعاً من التناقض وأحياناً يصعب توقّع تصرّفاتهم وبالتالي لا يتطابقوا بسهولة مع النماذج والصور النمطية".

 

في المقابل، ترحّب مورو بالخطوات الكبيرة التي قطعتها في مجال تحدّي النماذج المرتبطة بالنساء المنحدرات من أصل عربي وشرق أوسطي في The Greater Freedom إلى جانب معاصريها. وتؤكّد: "يمنح الأمر شعوراً بالقوة! إنّه لشرف كبير لي أن أنضمّ إلى هؤلاء النساء الرائعات وأنا ممتنّة جداً لأنّني تمكّنت من التعاون معهنّ في الكتابة".

إنّه إنجازٌ عظيم تطلّب الكثير من الجهد الخاص، والسبب الأكبر لذلك أنّ النساء في التراث الشرق أوسطي – مثلها – كنّ في غالب الأحيان مغيّبات عن الأدب الذي استهلكته في مراهقتها وفي العشرينات من عمرها. وتذكر مورو: "لم أجد يوماً أيّة امرأة (مثلي) في الكتب التي قرأتها... وإن حصل ذلك، غالباً ما كان يُكتب عنها من آفاقٍ مستشرقة ونادراً ما كانت تُروى حكاياتهنّ الخاصة". وبعد أن شاهَدَت المجتمعات الممثّلة تمثيلاً ناقصاً، كالمجتمع الأفريقي-الأميركي، وهي تسترجع رواياتها بأعدادٍ هائلة، في حين أنّ الحكايات من الشرق الأوسط كانت قليلة، وقليلة جداً، أضافت: "تنبّهت أكثر وأكثر إلى الشحّ الملحوظ في عدد الروايات التي تدور حول نساء الشرق الأوسط – لا سيّما في الغرب – وشعرت بالضرورة الملحّة لتأمين صوتٍ بديل".

 

وتكرّر حنقير أحاسيس مورو. "أنا سعيدة بأنّ النساء من أصل عربي وشرق أوسطي يحظينَ أخيراً بالاهتمام الذي طال انتظاره والذي تستحقّنّه".

 

وعلى الرغم من أنّ حنقير تعترف بأنّ النساء المنحدرات من أصل عربي وشرق أوسطي قد "قمنَ بعملٍ ممتاز على مرّ العقود وناضلنَ للحصول على تمثيل أكبر في المجال الأدبي"، بيد أنّها تركّز على أنّ "(أواخر العقد الأخير) بشكلٍ خاص كان مفصليّاً بالنسبة للكاتبات العربيّات في هذه الألفية".

وعلى الأرجح فإنّ أحد أكبر الانتصارات الجماعية التي حقّقها الكتّاب قد يكون تشجيع مزيد من المؤلّفين من أصول عربية وشرق أوسطية على التسلّح بأقلامهم لتدوين الكتب. وبحسب رأي حنقير: "أظنّ أنّ هذه الوحدة قد كان لها تأثير إيجابي انتقل إلى مزيدٍ من النساء فتبعنَ الخطّ ذاته للدخول إلى الساحة الأدبية. وتضيف: "جلّ ما آمله هو أن تقرأ النساء العربيات الشابات هذا الكتاب ويستوحينَ منه لكي ينطلقنَ بمشاريعهنّ الخاصة. وبالفعل، وصلتني أفكارٌ رائعة من بعض السيدات وشعرت بفرحٍ لا مثيل له".

 

ومن الميزات الأخرى لهذه الكتب التي لا بدّ من التوقّف عندها هي أنّها تقدّم كلّ الوسائل الداعمة لتساعد النساء العربيات والشرق أوسطيات في كل أنحاء العالم على التنقّل براحة بين هويّاتهنّ. وتركّز حنقير على ما يلي: "علينا أن نرى في ما نقرأه انعكاساً لذواتنا... لقد ترعرعت في المملكة المتّحدة مع عائلتي التي هاجرت من لبنان بسبب الحرب الأهلية وكانت عندي رؤية مغايرة عن المرأة الشابة وهي في مقتبل العمر، بالتالي لم أتمكّن من رؤية نفسي على الإطلاق في تلك الكتب التي قرأتها.

أمّا أكثر الرسائل تحفيزاً والتي تلقّيتها من الناس حول كتاب Our Women on the Ground فكانت من صحافيّات عربيات مليئات بروح الشباب والطموح وصحفيّات من غير البيض فقد ساعد الكتاب وشهادات النساء الواردة فيه على تشجيعهنّ بشكلٍ كبير".

 

كذلك، فرحت مورو بكيفية تلقّي القرّاء من حول العالم لكتابها The Greater Freedom وقالت: "كانت أصداؤه مذهلة حقاً. أتلقّى يومياً رسائل على إنستغرام من نساءٍ من الشرق الأوسط لشكري على منح صوتٍ لأفكارٍ خطرت ببالهنّ لوقتٍ طويل لكنّهنّ لم يمتلكنَ الجرأة ولا القدرة للتعبير عنها". ولعلّ كتاب مورو المفعم بالقوّة حفّز القارئات على العيش بطريقةٍ أكثر أصالةً: "يخبرني الكثير منهنّ أنّهنّ يعدنَ النظر الآن بطريقة عيشهنّ لهذه الحياة وبطريقة تربيتهنّ للأولاد أو على الأقل بطريقة تخلّصهنّ من الشعور بالعار أو بالذنب المترسّخ في الأذهان. وهذا بالتحديد ما طمحت إليه أثناء الكتابة".

 

التحدّيات

قد يكون للكتّاب أثر ملموس على المشهد الأدبي – في نهاية المطاف، قبل نصف عقدٍ من الزمن، كان من النادر رؤية كتّاب من غير البيض، ففي العام 2016 ومن بين آلاف العناوين التي صدرت في المملكة المتّحدة صدر أقلّ من مئة كتاب من تأليف كتّابٍ بريطانيّين من عرقٍ غير أبيض. في الوقت نفسه، على قائمة أفضل مبيعات الكتب الأميركية في العام نفسه، ظهر 30 إسماً فقط من غير البيض من مجموع 500 كاتب.

 

على الرغم من تلك النجاحات الجماعية التي حقّقتها الكاتبات، يجب ألاّ ننسى أن تأليف تلك الكتب لم يخلو من التحدّيات. إذ تكشف مورو أنّها واجهت "كمّاً هائلاً من المسؤوليّات حين كتبت عن مجتمع

تشوّشت صورته في الغرب خلال العقود القليلة الماضية وبالأخص بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر. وتقول: "حين يكون هناك عدد قليل من الكتب التي تدور حول المجتمعات المهمّشة، يُنظر إلى كلّ قصّة على أنّها تجسّد كلّ شيء أو على أنّها نهاية لكلّ شيء متعلّق بهذا الموضوع أو هذا الشعب".

 

وهل واجهت مورو أيضاً تحدّيات تسلّط الضوء على حقيقة ما تختبره بعض نساء الشرق الأوسط والمنطقة العربية عندما يبقينَ حذرات من الاستعارات المستشرقة؟ ففي النهاية، إنّ معظم ما تكشفه من خلال The Greater Freedom يمكن أن نجد فيه تحدّيات أثناء القراءة، كطرح المطالب المتوقّعة من هذه المجموعة من الناس، أكانت ضغوطات الأمومة أو الزواج أو إقامة التوازن بين الثقافات المتنازعة. وهذا هو ما يفترض أن نعتبره بسهولة بمثابة تجربة عالمية. وتؤكّد مورو قائلةً: "يمكن تشبيه الأمر بحبلٍ مشدودٍ ينفتح على حقائق حياة المرأة في الشرق الأوسط – وأحياناً القيود المترافقة معها – من دون التماشي مع الأفكار المحفورة أصلاً في الذهن الغربي".

 

العقد المقبل

باعتبار أنّ هؤلاء الكاتبات قد قمنَ بخطواتٍ حقيقية وفعّالة لرفع أصوات النساء المنحدرات من التراث العربي والشرق أوسطي، فكيف يمكن أن يكون شكل التمثيل في العقد المقبل؟ في حين تثق مورو أنّه من الآن وحتّى حلول العام 2030 سيكون هناك "عدد كبير من الكتب التي تعكس كمّا هائلاً من تجارب الناس وحكاياتهنّ وحياتهنّ"، تبدو حنقير في المقابل أقلّ تفاؤلاً معتبرةً أنّ الطريق ما زال طويلاً بعد. وبرأيها، لا يمكن تحقيق التقدّم إلاّ إذا زاد عدد النساء من أصل عربي وشرق أوسطي العاملات في مجال النشر، وسعينَ معاً نحو التغيير: "وحالياً، نحن نعوّل بشكل خاص على التحالفات". مع ذلك، تأمل في أن يكون التمثيل "على نطاقٍ أوسع وأكثر شموليةً ممّا هو عليه اليوم".

 

أمّا بالنسبة لديما الزيّات فمن الضروري أن نرى مزيداً من الكتّاب من أصل عربي وشرق أوسطي حتّى تتمكّن هذه المجموعة من الناس من أن تأخذ على عاتقها الكتابة عن نفسها بدلاً من أن يُكتب عنها من قِبل أطرافٍ آخرين. وهي تقول: "إنّ ما أطمح إليه وما أظنّ أنّه يحدث حالياً، أن يكون هناك مزيد من الأصوات التي ترتفع لكي لا يتمكّن أحد من أن يدّعي أنّه الصوت للتجربة العربية".

أمّا الاستمرار بالالتزام حيال إعادة تشكيل الرؤية للمنطقة وتكريم النساء فهو جزء لا يتجزأ من مشاريع هذه الكاتبات المقبلة. وتقول حنقير: "أظنّ حتماً أنّ علينا القيام بمزيد من الجهود في هذا الإطار وآمل أن أتمكّن من العمل على مشروع آخر يسلّط الضوء بطريقةٍ ما على نساء الشرق الأوسط ومرونتهنّ وقوّتهن". كما تلتزم مورو أيضاً بالاستمرار بمشاطرة القصص المرتبطة بمجتمعها، وهي تؤكّد: "أرى أنّ الناس متعطّشون للروايات البديلة وهذا الأمر من مسؤوليّتنا كوننا القادرين على ذلك".

 

صدر الآن في الأسواق كتاب The Greater Freedom: Life as a Middle Eastern Woman Outside the Stereotypes لعليا مورو

صدر الآن في الأسواق كتاب Our Women on the Ground: Essays by Arab Women Reporting from the Arab World لزهرة حنقير

يصدر في أيار/ مايو 2020 كتاب Alligator and Other Stories لديما الزيّات

 

نص سلمى حيدراني

المزيد
back to top button