فنّ الوقت

دانيا بدير ترى ما يراه الجميع. الإطارات التي تحترق في الشارع، والطيور المتدفّقة في السماء والعمال على رافعاتهم، وتقرر إلقاء نظرة فاحصة. من محبّي التمثيل منذ الطفولة، أعطاها والدها كاميرا عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها وظلت بجانبها منذ ذلك اليوم. عقدت العزم على جعل صناعة الأفلام مهنتها، فالتحقت بجامعة نيويورك للفنون Tisch School Of The Arts وأطلقت العنان لخيالها ولدقّة ملاحظتها. فأثار حرق الإطارات في بيروت حكاية عامر، الفتى الصغير ذو العيون الواسعة الذي أعجب بالعالم من خلال مشكاله المؤقت. لكنه سيواجه حقائق قاسية منذ ذلك الحين، عندما يتسلل داخل شاحنة ويهبط وسط الإحتجاجات مع والده، الذي يعمل كموظف حكومي ويشعر بخيبة أمل من وعود المسؤولين الكاذبة. بعد وفاة والدها، قامت دانيا بتصوير فيلم In White، الذي يظهر إحباط لارا، وهي شابة تعيش في الخارج وتعود إلى بيروت لحضور جنازة والدها. فتشعر بأنها محاصرة بالتقاليد وأحكام المجتمع. فيما هي جالسًة على شرفتها، تشاهد المخرجة عاملاً على مرفاعه، راكعًا، وتدرك أنه يريد فقط الصلاة. يتابع فيلمها القصير الأخير "ورشة" عاملاً مجهولاً في الرافعة يقضي يومه جالسًا في السماء، حيث يتمكّن أخيرًا من التخلص من حبه للأداء الجيّد. صادقت دانيا بلباقة مجموعة من مربي الحمام في بيروت، وهم مجموعة من الرجال يتنافسون على جذب الحمام الطائر، وذلك في أول فيلم روائي طويل لها تتابع فيه فتاة صغيرة تصادف هؤلاء المحاربين في السماء أثناء محاولتها الهروب من النظام الأبوي. أفلامها مستوحاة من المشاكل التي لا تنضب في مسقط رأسها بيروت، وتتعمق دانيا في ما يبدو وكأنه حلقات قصصية، تكشف الحياة من خلالها.

 

تمهّلوا بعض الشيء لمشاهدة الفيديو الذي أعدّته فرقة بيروت المعاصرة للباليه بالتعاون مع The Slow Concept Space. أثناء عرضه، تنقل حركات الراقصين الرشيقة المشاهد إلى عالم من الجمال. يشرح محمد وفاء بوطي أن هذا المشروع الإبداعي كان يُنظر إليه على أنه فسحة أمل في بلد ينهار. عندما اكتشف الرقص في المدرسة، أدرك محمد على الفور أن هذا ما يريد القيام به. تم قبوله في المعهد العالي للفنون المسرحية دون خبرة سوى شغفه بالعرض، ثم انضم إلى فرقة سيما للرقص في دار الأوبرا بدمشق. إستمر وواصل تدريباته كالمعتاد بالرغم من كلّ شيء، حتى عندما كان يسمع طلقات نارية في الخارج، وأصبح الرقص ملاذه يهرب إليه في الأوقات العصيبة. انطلقت مسيرته المهنية حقًا في بيروت عندما انضم إلى فرقة إليسار كركلا في ستار أكاديمي، واستمر في تقديم عروض متعددة في كازينو لبنان في دبي وفيديوهات موسيقية. اعتراف عالم الفن بموهبته أظهر لعائلته المحافظة في سوريا أن مسار الرقص كان شرعيًا وأفرادها اليوم متحمسون لمتابعة أحدث مشاريعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يعلّم الراقص، وهو عضو في فرقة باليه بيروت المعاصرة، ويعمل على تأسيس تعليم رقص رسمي في لبنان. بعد أن قاطعها الانفجار في بيروت، مضت الفرقة قدماً في مشروعها الأخير رافضة الاستسلام. كان على أجساد الراقصين وعقولهم أن تتعافى أولاً، لذا قاموا بتغيير خططهم واستخدموا النافذة الزمنية الصغيرة التي تركوها لتصوير سلسلة من تصاميم الرقصات القصيرة لمدة دقيقة واحدة في قرية حمانا، في مكان مظلم مع وميض من الضوء.

 

تمتلئ اللوحات الأولى المباشرة لفرح أتاسي بالمراجع التي تنقلنا عبر تاريخ الفن. ولدت لأبوين سوريين، عشاق للفن، أمضت طفولتها بين بلجيكا وفرنسا وكانت متلألئة بزيارات المتاحف حيث قامت بتخزين الكثير من المراجع والإلهام. في لوحاتها، عادة ما تكون هناك خطوة أولى في المنظور ومن ثم تكون داخل مشهد خيالها؛ تجلس الجواري odalisques الحديثة نصف عاريات، يرتدين ملابس مخططة، ويرمي اللاعبون الكرة ذهابًا وإيابًا في جوّ يشير إلى Baigneuses et Baigneurs لبيكاسو وتبدو الأشياء مهمة، تماماً مثل الناس. في مشاهد المسرح والحفلات الموسيقية والسيرك، تنبثق الآلات والأشكال وسط لوحة مرحة من الأنماط التي تذكرنا بلوحات الطليعيين في أوروبا في أوائل القرن العشرين، موندريان وماليفيتش، أو المطبوعات المخدرة من السبعينيات من قبل مصممي بوتشي وميسوني. بدأت لوحاتها بالبحث والتخطيط الشامل، ثم تركت فرح إبداعاتها تتلاشى وهي ترسم الألوان. سافرت أعمالها في جميع أنحاء العالم إلى المعارض في بروكسل وموسكو ولوس أنجلوس، وأثناء الإغلاق، استعدت الفنانة لعرضها الأخير في معرض Almine Rech في باريس، وللسفر إلى شنغهاي بعد ذلك. تستعد فرح أيضًا لـFiac، وقد نشرت لتوّها كتابًا تستعيد فيه الأحداث مطبوعًا بمواد تسمح للقارئ بمراقبة خصوصيات النقوش والتكثيفات وتأثيرات الطلاء الأخرى التي تستخدمها والتي تعد بوابة أخرى لسينوغرافيتها.

 

جيلها على مفترق طرق, وحياة أسامة مستعدة لتوثيق العبور إلى حقبة جديدة. بين أغلفة مجلات الموضة وإعلانات العلامات التجارية مثل Farfetch وDiesel، تعمل حياة على مشاريع سترافق جيلها، من مهرجانات الموسيقى الإلكترونية إلى خزانات الأزياء والأسواق والصحاري، على مدى السنوات القليلة المقبلة مثل "التغييرات المرعبة والجميلة"، على حدّ وصفها، في بلدها الأم المملكة العربية السعودية والتي تصقل شخصياتهم وتغير أنماط حياتهم. دخلت مجال التصوير الفوتوغرافي في سن ١٨ عندما حصلت على أول فرصة لها والتقطت الكاميرا الرقمية، وبدأت أوّلا في توثيق ملابسها الخاصة. كما تفكّك الصور التي التقطتها حياة؛ تصور صديقاتها أو المارّة أو الفنّانين من جيلها، فهم يرسمون صورة غير متوقعة وأصيلة للشباب في السعودية؛ أزياء ذكية، جريئة، وغير تقليدية. أمضت وقتها خلال أيام كورونا وهي تجري التجارب في المنزل، بالأداة التي كانت في يدها، وضوء مصباح سريرها، المخلص لإحساسها الجريء بالأزياء وإعداد التصوير الفوتوغرافي، لمسلسلها الأخير "أخوات". وفي اللحظة التي تمكنت فيها من الخروج من جديد، عادت حياة لتظهر لنا التناقضات الغنية في محيطها. الطبيعة الخام والأماكن الحضرية؛ واجهات المحلات والوجبات المشتركة السخية والقهوة في شارع جانبي من المدينة، يجتمع مغني الراب وعشاق الموضة والأزياء التقليدية في صورها وفي شوارع مسقط رأسها.

المزيد
back to top button