"فاطمة": البحث عن هويّة الرقص المعاصر "المحلّي"

مِن الواقع المحلّي وإليه. بتقشّف عما نعرفه واعتدنا عليه من عروض . بمعزل عما تبتغيه الإحترافيّة في الرقص وقواعده. بمنأى عن الزخرفة المسرحيّة التي قد توزّع الإنتباه على عدّة مستويات في آن، ابتكر الراقص والكوريغرافي عرضه الأوّل "". هنا، حديثنا معه عن إشكاليّة الرقص، المرأة والمجتمع.

كلّ ما لزم علي شحرور (1989) لكي يقولب عرضه في الرقص المعاصر هو سؤال بحثيّ مباشر: ما هو الرقص المعاصر العربيّ؟
نسأل هل أن صفة "العربيّ" كافية لتوصيف الرقص المعاصر هنا في منطقتنا؟ ألا يلتبس المعنى مع الرقص الشرقي؟
يفكّر عليّ. ونتّفق على أن نوصّفه ب"المحلّي". فالبيئة المحلّية المشحونة بنماذج التعبير عن حالات اجتماعيّة، هي الوحي الأول والأخير الذي استقى منه ليسقِط على "فاطمة" هويّتها "الحركيّة"، أي الحركة التي، وبحسب شحرور، "يحرّكها الشعور هنا في العرض وليس التقنيّة كما قد يقوم به الراقص المحترف المقيّد بالقواعد، والنمطيّة الأكاديميّة، وهمّ الإستعراض، والتأكيد الشخصي على المهارة والموهبة."

وبالفعل، اختار علي شحرور "راقصتين" غير محترفتين (رانيا الرافعي وأمامة حميدو) بخلفيّة في السينما والمسرح عن قصد وسابق تصوّر وتصميم، حفظاً للعفويّة التي يؤْمن بأنها "الكفيلة بإيجاد أجوبة مباشرة على السؤال البحث الذي انطلق منه العرض أوّلاً."
وكيف ذلك؟ يفسّر عليّ: "العمل مع رانيا وأمامة كانت انطلاقتي من العفويّة ومن الإحساس السابق للحركة وليس العكس كما هي الحال مع الراقصين المحترفين. فلا تجريد هنا للحركة عن الإحساس. كان على الراقصتين أن يسبرا في مخزونهما الشخصي ويدفعانه إلى الخارج، وزيادة العاطفة وإعطائها البعد الدراماتيكي عبر أغاني أم كلثوم وإيقاعات نزار المصري. فالإيقاع هو الذي يحركهما كي تدخلان في تكرار الحركة وتتطوّر إلى حالة من الترانس."
ويكمل: "وهنا توصّلنا حقّاً من خلال التمارين إلى اكتشاف تقنيّات جديدة، كحركة اللطم مثلاً، سمحت للراقصتين أن تستمرّا في اللطم على إيقاع الموسيقى لمدّة 50 دقيقة دون توقّف، ودون أذيّة نفسيهما."

"فاطمة" إيحاءٌ إلى ثلاث "فاطمات" تجمع بينهنّ حالة الحزن الناتجة عن تكرار الموت، العزاء والفاجعة المستدامة. وبيت الأحزان خاصّتها الذي شيّد لها لكي ترثي والدها النبيّ محمّد. في نهاية العرض، تنشد أمامة بصوت شجيّ شعر فاطمة الزهراء على قبر والدها. ، () التي تنشد الشجن والضنى بأجمل ما أوتيت به من طرب والتي رافقت أغنياتها العرض (، ..).

يعقّب علي: "إن حالة الحزن المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع المرأة وهويّتها في عالمنا هنا، يشذّ عن حالته الأصليّة ويصبح منفذاً للمرأة لأن تتحرّر من القيود الموضوعة عليها. فيحقّ للمرأة الثكلى أن تسفر رأسها في حالة الرثاء، وأن تلطم صدرها ووجهها. باسم الحزن، يدخل الشخصي مضمار العام، وتتبلور حالة انفلات عن كافة القيود الدينيّة والإجتماعيّة، وتصبح مسموحة. وهنا، يحضر الجسد!".

أما ثالثتهما، فهي فاطمة والدة علي شحرور والتي لا تزال متوشّحة بالسواد حداداً على زوجها (والد علي) الراحل.
عبر فصول أربعة (الضنى، الباطن، الحبيب، الفاتحة) حدّدت إيقاع العرض، شهدنا امرأتين متوشّحتين بسواد، يتحوّل من فستان إلى حجاب إلى وشاح، إلى حجاب، فإلى أجنحة طيور لا تقوى على الإقلاع من مكانها. امرأتان تلطمان نفسهما بدون توقّف، وفي ترقّب للحظةٍ، مهما تكن احتفاليّة، قادرة على أن تتحوّل فجأة إلى فاجعة يعود اللطم ليحدّد إطارها فتصبح طقساً مكوّناً ومتداخلاً أبداً في العرض، كما في بحث عليّ في الرقص المعاصر "المحلّي".

الراقص الشاب ومصمّم الرقص يهدف حاليّاً إلى نقل عرضه إلى مسارح أوروبيّة. كما أنه في صدد التحضير لعرض آخر، قوامه أيضاً المرأة وإشكاليّتها في الواقع المحلّي، وتعبيرها عن ذلك بلغة الرقص الخاصّة بها.

 
المزيد
back to top button