تتحدّث إلينا مؤسسة أحد أنجح نوادي الكتاب في العالم، أسماء صديق المطوّع، عن دور الكتب في المجتمع، وعن أهمية العزيمة بالنسبة لها، وعن الضيافة المثالية والتجمّعات.

 

بدأ شغف أسماء صديق المطوّع بالكتب في سن مبكرة ولم يتضاءل منذ ذلك الحين! أسست نادي الكتاب المحترم المعروف بـ"الملتقى"، وهو ولا يزال أحد أكثر نوادي الكتاب نجاحًا في العالم العربي وهو عضو في نوادي الكتاب في اليونسكو. عندما لا تقرأ أو تتبادل الأفكار أوتستضيف التجمّعات، يمكن العثور على "أسماء" وهي تستمتع بالطبيعة والمناظر الصحراوية الجميلة في الإمارات العربية المتحدة. هي المؤسسة المشاركة لـ Women’s Heritage Walk، وهي رحلة ثقافية سنوية مدتها خمسة أيام من أبو ظبي إلى العين في الإمارات العربية المتحدة توطّد علاقة المرأة بتراث وثقافة الإمارات العربية المتحدة. غالبًا ما يتم الاستشهاد بها كمثالٍ يحتذى به، إلّا أنّ الرائدة الإماراتية لا تزال متواضعة وتركّز على دورها في نشر قوة الكتب. "أشعر بمسؤولية كبيرة وأرفض أن أخذل أي شخص يتطلع إليّ. أعتقد أنّ لكل منا دور يلعبه في هذه الحياة، مهما كان صغيراً؛ إنها مساهمة فردية في رحلتنا على هذا الكوكب".

 

لقد وقعت في حب الكتب في سن مبكرة حيث كان والدي قارئًا نهمًا. اخترت رواية لإطلاق نادي الكتاب. فن السرد يسحرني. يفتح الأبواب للمناقشات وتبادل الأفكار سواء اتفقنا معها أم لا. في البداية، كنت عضواً في أحد نوادي الكتاب، مع مجموعة من النساء من مختلف البلدان ومن مختلف قطاعات الحياة. هنّ فتحنَ عيني على الدور الذي تلعبه نوادي الكتب كمنصات اجتماعية حيث يقيم الناس صداقات جديدة ويتعلمون عن الثقافات الأخرى ويطورون أفكارًا جديدة. في الإمارات، نحن مجتمع عالمي حيث تعيش العديد من الجنسيات معاً بسلام، ويتقبلون اختلافات بعضهم البعض ويحتفلون بالحياة الثقافية الملونة. ينعكس هذا التنوّع بشكل أفضل في صالون الملتقى لمحو الأمية، حيث تبحر مجموعة متنوعة من النساء كل أسبوعين إلى مكان مختلف من خلال كتاب.

ما زلت أذكر بوضوح اجتماعنا الأول. كنا عشرة فقط واخترنا "سلمى" كأول كتاب نقرأه. إنها سيرة ذاتية عن أميرة عمانية تعيش في زنجبار. فرت من بلادها واعتنقت المسيحية لتكون مع الرجل الألماني الذي تحبّه. كان النقاش محتدماً حيث كنّا نتعامل مع قصة حقيقية تتضمن الحبّ والهروب من العائلة المالكة والتحوّل من الإسلام إلى المسيحية. منذ ذلك الاجتماع الأول قبل ٢٠ عامًا، قرأ "صالون الملتقى لمحو الأمية" مئات الكتب، واجتمع وناقش مع الكتّاب والناشرين وصنّاع الأفلام والمترجمين وشارك في العديد من الأحداث البارزة مثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب السنوي.

 

لا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يتخيّل أين نحن اليوم (كدولة) ولكن كان واضحًا من المجموعة التي انبثقت عن الاتحاد أن مستقبلاً عظيماً كان ينتظرنا وتوقعات كبيرة بفضل حكمة وتصميم الشيخ زايد رحمه الله. لقد أكّد على أهمية التعليم عامّة وتعليم المرأة على وجه الخصوص. أتذكّر أنّنا كنّا نتلقى الهدايا والملابس والمال لتشجيعنا على الذهاب إلى المدرسة. جعل توقيت المدرسة مرنًا وسهلاً على النساء حتى يتمكنّ من متابعة تعليمهنّ في المساء بعد الانتهاء من عملهنّ في المنزل مع أطفالهنّ وعائلاتهنّ. كنت واحدة من هؤلاء النساء اللواتي واصلن تعليمهن في المساء. لم يقتصر التعليم على مواضيع معينة، فقد درسنا الموسيقى واللغات والفنون. أعتقد أنّنا حظينا بامتياز كبير بحيث دعمتنا الدولة كثيراً.

 

كان التحدي الرئيسي في ذلك الوقت هو اختيار الأدب والروايات كموضوع رئيسي لنادي الكتاب بحيث لم تكن مجموعات الدراسة معنية بشكل أساسي إلّا بدراسات الشعر والدين، بينما اعتبرت الروايات مضيعة للوقت. أذكر كذلك التحديات للحصول على روايات مترجمة. تمّت معظم أعمال الترجمة في القاهرة وكان عليّ أن أطلبها وانتظر وصول الشحنة.

 

إنّ الاعتراف بجهودي وبأنشطة "الملتقى" على المستوى الوطني والإقليمي والدولي مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي. تشرّفت باستلام جائزة الشيخ محمد بن راشد لأوائل الإمارات، وجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز من الجنادرية، وجائزة المرأة العربية. الملتقى معترف به أيضًا من قبل اليونسكو وهو أحد نوادي الكتاب الرائدة في المنطقة. أنا ممتنة لهذا التقدير الرفيع المستوى. أستقبله بكثير من الترحيب والالتزام لمواصلة الرحلة وللتحسّن مع تقدّمنا وانتشارنا.

 

أنا اليوم في مرحلة من حياتي أشعر فيها بمزيد من المسؤولية تجاه ما حقّقه الملتقى. عندما بدأت قبل أكثر من عشرين عامًا، كنت مصممة على الاستمرار لأنّ هذا ما أحبّ القيام به. أنا أؤمن بما قاله عباس العقاد عن الكتب: "أنا أقرأ لأن حياة واحدة فقط لا تكفيني". تمنحني القراءة والمناقشة والتأمل في الأدب الكثير من الحياتات لأحياها. اليوم، أنا حيث أردت أن أكون، ومع ذلك، لا يزال هناك طريق طويل لأقطعه وأنا متحمسة لما هو قادم.

 

أفضل درس تعلمته من هذه الرحلة هو عدم الإستخفاف بالبدايات المتواضعة، لأنه مع التصميم والالتزام يمكن للأفكار الصغيرة أن تنمو وتكبر وتحدث فرقاً حقيقيا. أنصح الجميع بأن يثقوا ويؤمنوا بأنفسهم، وبقدرتهم على تحقيق أهدافهم، ولكن عليهم التحلي بالصبر لأنّ طريق النجاح طويل. من المهم أيضًا الحفاظ على تراثنا وثقافتنا من خلال الحفاظ على اللغة العربية كلغة أساسية في أنشطتنا الثقافية. سمو الشيخ زايد قال ذات مرة "أولئك الذين ليس لديهم تاريخ يعتزون به، ليس لديهم حاضر". اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، فهي تعكس جميع جوانب الثقافة في المجتمع وسأدافع بقوة عن اللغة العربية فيما أتعلّم اللغات والثقافات الأخرى أيضًا.

 

كان والدي شخصية ملهمة في حياتي. لقد تمحورت حياته حول الكتب، لقد كان قارئًا شغوفًا، كنت أتطلع إليه وأريد موافقته طوال الوقت، وأعتقد أن قراءة الكتب في سن مبكرة كانت طريقتي للفت انتباهه والحصول على دعمه وموافقته على كلّ ما أفعل.

 

خلال هذه الأوقات غير المسبوقة لوباء Covid-19، كان الانتقال من الاجتماعات والتجمعات المادية إلى Zoom طريقة جديدة للعمل بالنسبة لي. عندما تمّ إعلان الإغلاق، بدأت أفكّر فيما يمكننا القيام به خلال هذا الوقت المربك. شعرت أنّ الملتقى يجب أن يساهم ويلعب دورًا مثل أي شخص آخر. عندما قررت مواصلة أنشطتنا إفتراضياً عبر الانترنت، كان الدعم الذي تلقيته من الأصدقاء والكتّاب ووكالات النشر والمؤسسات الثقافية المختلفة ساحقًا. أصبحت أمسيات الثلاثاء موعدًا ثابتًا في روزنامة المشاركين. أصدقاء وأعضاء الملتقى الذين لم يتمكنوا من التواجد معنا بسبب السفر خارج الإمارات العربية المتحدة يمكنهم الآن الانضمام إلينا مرة أخرى من كندا ومصر وتونس والولايات المتحدة الأمريكية ونيجيريا. يبذل الناشرون جهدًا إضافيًا ويشاركون معنا بتقديم نسخة PDF من الكتب التي لم نتمكن من الحصول عليها بسبب الإغلاق. جعلتني هذه التجربة أفكر في الخطوة التالية. تتمثل الخطة الحالية في إجراء ٥٠ جلسة من المناقشات والنقاشات حول الكتب لتتناسب مع ٥٠ عامًا من الاتحاد الإماراتي. مشروعي القادم هو التحضير للدورة رقم ٥٠ بطريقة استثنائية تكريماً لبلدي.

 

نصائح "أسماء" لضيافة مثالية

أخبرني طائر صغير أنّك مضيفة رائعة. ها نحن نقترب من اعياد نهاية العام، فكيف تحبّين أن تحتفلي؟

هل هذا صحيح؟ عليك أن تخبرني من هو طائرك الصغير. أعتقد أنّ كل شخص لديه أشياءه الصغيرة التي تجعله سعيدًا. بالنسبة لي، فإنّ الترحيب بالضيوف واستقبالهم في منزلي حول طاولة أضعها بنفسي هو سعادتي. الطعام بالنسبة لي شيء خاص جداً. إنّها طريقتنا لنتشارك اللحظات والضحك والذكريات معًا. يرتبط الطعام بالنسبة لي أيضًا بالروايات والأدب. أنا حريصة على تناول الطعام والأطباق الشهيرة في البلد الذي ينتمي إليه الكاتب أو التي تدور فيه القصة.

أنا أحب المفاجآت أيضًا! إنها مكافأة لي أن أرى البهجة في عيون أصدقائي عندما أقدّم تنسيقاً أوتصميماً جديداً للطاولة. مع اقتراب نهاية هذا العام، سأفعل مرة أخرى أكثر ما أحبّه: سأدعو أصدقائي لقراءة كتاب ومشاركة وجبة حول المائدة. الكتب والطعام متصلان ومترابطان وشخصيان للغاية بالنسبة لي. أعتقد أنّ الفرق هذا العام سيكون التباعد الجسدي وعدم وجود عناق أثناء تمنياتنا لعام جديد سعيد!

 

أهم نصائحك لتجمّع ناجح؟

يتطلب التجمّع الناجح مجموعة من الأشخاص ذوي التفكير المماثل، ليس من الضروري أن يكونوا أصدقاء بل أن يكون لديهم الكثير من القواسم المشتركة. عندما أقوم بتنظيم لقاء، أختار البساطة في تنسيق الأطباق وتصميم الطاولة. أحبّ تحديد موضوع لكل تجمّع؛ مثل موضوع الشرق الأوسط، أو الشرق الأقصى وما إلى ذلك. لقاء ناجح بالنسبة لي مرتبط بالمناسبة. يمكن أن يكون اجتماع نادي الكتاب جدّياً للغاية عندما نناقش كتاباً، ولكنه يصبح تجمعًا اجتماعيًا رائعًا بمجرد الانتهاء من المناقشة.

 

أجوبة سريعة

أنا أستمع إلى... الأوبرا وأم كلثوم.

أنا أقرأ الآن... أمين معلوف.

أغلى ما لدي هو... التزامي.

وضعت عيني على... أولادي.

من أعزّ ذكريات طفولتي... ذكرى أبي يقرأ القرآن.

أستلهم من مدينتي... تنوّع الثقافات والأشخاص.

يبدأ يوم إجازتي... مع زوجي يقول لي "صباح الخير يا أسماء”.

للاسترخاء والانتعاش... أحبّ التوجّه إلى البحر.

أحبّ أن أنهي يومي... بقراءة كتاب.

بالنسبة لي السعادة الكاملة هي... عندما يعبّر أعضاء صالون الملتقى عن فرحتهم بعد قراءة كتاب اخترته أنا!

المزيد
back to top button