تعرفي على المخرجة فرح النابلسي

من المقرّر أن تجذب أحدث تحفة سينمائية للمخرجة فرح النابلسي، الحائزة على العديد من الجوائز والمرشّحة لجائزة الأوسكار، الجماهير في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي هذا الشهر. يتتبّع فيلم "الأستاذ" رحلة المعلم الفلسطيني "باسم" وهو يتنقّل بين مأساة شخصية، وعلاقات غير متوقّعة، وتعقيدات المقاومة السياسية. تشارك فرح النابلسي رؤاها مع ELLE Arabia حول مصدر إلهامها، واستكشاف الفيلم للتجارب الحياتية، وتحدّيات تصوير الواقع القاسي في فلسطين المحتلة.

 

على الرغم من أنّني ولدت ونشأت وتعلّمت في المملكة المتحدة، فإنّ إرثي من كلا والديّ هو فلسطيني...

إحدى القصص التي مررت بها خلال رحلاتي إلى فلسطين هي قصة جلعاد شاليط. وهو جندي احتلال إسرائيلي أسرته المقاومة الفلسطينية عام ٢٠٠٦، ثمّ أطلق سراحه عام ٢٠١١ مقابل إطلاق سراح أكثر من ١٠٠٠ أسير سياسي فلسطيني، المئات منهم من النساء والأطفال. وأذكر أنّني كنت أفكّر في ذلك الوقت: "رائع! ـ شخصٌ واحد مقابل ١٠٠٠ آخرين! يا له من اختلال مجنون في قيمة الحياة البشرية". من ناحية أخرى، التقيت على مرّ السنين وأجريت العديد من المحادثات مع الفلسطينيين الذين عايشوا بشكلٍ مباشر العديد من الأشياء العبثيّة والقاسية التي ألهمت أيضاً السيناريو وأحداث الفيلم، والتي شهدت بعضها بنفسي. مثل هدم المنازل، والسجناء الأطفال في السجون العسكرية الإسرائيلية، والتخريب والعنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون غير القانونيين. إذن هذا هو المكان الذي ولد فيه هذا الفيلم. من ذلك التراكم لأحداث الحياة الواقعية المختلفة مقروناً بخيالي البصري واللفظي كمخرجة.

 

كان هدفي من "الأستاذ"...

دائماً هو أخذ الجمهور في رحلة عاطفية مكثّفة إلى حياة الشخصيات وتجاربها، وآمل أن أتركهم يتأمّلون الخيارات والقرارات التي تتخذها الشخصيات والواقع القاسي الذي يضطرون فيه إلى ذلك. أعتقد أنّه مع الدمار الحالي في غزة، آمل الآن أن يقدّم الفيلم أيضاً سياقاً أعمق وأكثر شخصية لجماهير هذا المشهد الاجتماعي والسياسي؛ سياق أكثر إنسانية وهو غالباً ما يكون مفقوداً من الخطاب.

 

الأساس بالنسبة لي هو دائماً سرد القصص الشخصية...

التركيز على ما هو شخصي وعلى الشخصيات نفسها وعلى تجاربها ومراحل رحلتها. في "الأستاذ"، رغم أنّ الجانب الاجتماعي والسياسي حاضر بالتأكيد وجزء لا يتجزّأ من القصة، إلا أنّ تركيزي ينصبّ على الجانب الشخصي. أحبّ أن أحدّد الشخصيّات وأن أكون قريبة جدّاً منها. هذا ما أقوم باستكشافه وأحبّ استكشافه... الديناميكيات البشرية والعواطف، والظروف، والتجارب، والعلاقات بين الشخصيات. هذا هو ما سيرتبط به الناس ويتواصلون معه، وهكذا سيكون له صدى. من المهم أن تحافظي على دقّة سرد القصص لديك بما يكفي لتكون جذّابة فكريّاً أيضاً. لكن فيما يتعلّق بالمواضيع التي أطرحها، فأنا شخصياً لست مهتمة بالدقة المبالغ فيها التي تجعل الجمهور في حيرةٍ من أمره. وآمل أن أترك أسئلة وتأملات مع نهاية أفلامي، وليس الحيرة أو الاستنتاجات غير المرضية على الإطلاق.

 

أعتقد أنّ التصوير في الضفة الغربية...

في فلسطين أضفى مشاهد ومناظر مذهلة على الفيلم لم أكن لأتمكّن من تحقيقها في أي مكان آخر. كما أنّها قدّمت طاقة قوية وملهمة للنضال الحقيقي الذي انعكس في الفيلم نفسه، الأمر الذي دفعنا فعلاً أنا وكلّ من عمل في الفيلم إلى الأمام معي. إنّ القدرة على التصوير في نفس المكان الذي تدور فيه أحداث القصة والذي يتمتّع بمناظر طبيعية فريدة، جميلة وقبيحة على حدّ سواء، وأعني جسدياً ومجازياً، أعطت الفيلم أصالة لا تقدّر بثمن. من المساحات الخضراء المذهلة، والتلال المتموّجة، وأشجار الزيتون المورقة وصولاً إلى الجدران الخرسانية، وأبراج المراقبة، والبنية التحتية للاستعمار والاحتلال العسكري. بالنسبة لي، فلسطين نفسها تكاد تكون إحدى شخصيات الفيلم. وما كان ليحصل ذلك لو لم يتمّ التصوير هناك.

 

أما على صعيد توقيت صدور الفيلم...

فهو على المستوى الشخصي مزيج من الفخر والألم. خلال الأشهر القليلة الماضية، وجدت نفسي ممزّقة ومنقسمة إلى قسمين. إنّ نصفي غارق في الحزن بسبب المعاناة الفلسطينية المدمّرة المستمرّة على الأرض، بالإضافة إلى شعور الناجين بالذنب والعار لعدم قدرتهم على فعل المزيد للمساعدة. قد يبدو الأمر سخيفاً أن يتمّ إصدار فيلم خيالي (على الرغم من أنّه مستوحى من أحداث حقيقية)، في حين أنّ المذبحة المؤلمة والقاسية والأزمة الإنسانية المتعمدة تظهر على شاشاتنا في الواقع والحقيقة. ومن ناحية أخرى، فإنّ النصف الآخر منّي لم يكن أبداً أكثر فخراً بكوني فلسطينية، ويرى أنّ هذه اللحظة مناسبة لاستقبال الفيلم عالمياً وأنّ هذه هي مساهمتي الفعّالة، ومقاومتي والتزامي النشط وتضامني مع الشعب الفلسطيني. كما هي الحال في مثل هذا الوقت الظالم والمؤلم.

 

"الأستاذ" هي قصة إنسانية عميقة...

تأتي في مرحلة حاسمة في السياق. وأنا في الواقع ممتنة لذلك. لأنّه على الرغم من أنّها خيالية وتتمحور حول شخصيات محدّدة، إلا أنّها في هذه اللحظة بالذات، يتردّد صداها كقصة تمثيلية لمجتمع مهمّش ومجرّد جدّاً من الإنسانية، مما يسلّط الضوء على أصوات غالباً ما يتمّ إسكاتها أو تهميشها ونضالات هذه الفئات التي تمّ تحريفها. إنّه غالباً ما يضفي السياق الغائب الذي ذكرته سابقاً وهو أمر مهم للغاية وأشعر بالفخر والامتياز لأنّني أستطعت تقديم تعبيري الفني تجاه ذلك.

 

بذل الإنتاج جهداً كبيراً لجمع عناصر فريق العمل معاً لتناول بعض الوجبات اللذيذة والحيوية في الليل، حتى يتمكّن الجميع من الاسترخاء قليلاً...

بالنسبة للممثّلين، بعد العمل الكثيف في موقع التصوير، كان هناك غرفة خضراء خاصة وهادئة للحصول على بعض الهدوء وإعادة شحن طاقتهم إذا لزم الأمر، وأنا شخصياً كنت أذهب أحياناً للانضمام إلى بعض أعضاء طاقم الكاميرا والكهرباء للرقص والغناء في الجزء الخلفي من شاحنات المعدات أثناء الغداء. في كلّ يوم، كانت تلك المجموعة تلصق قطعة من الورق على جانب الشاحنة تحتوي على نوع الموسيقى الذي خطّطوا لتشغيله في وقت الغداء. لا شيء يضاهي غناء الرابسودي البوهيمي بأعلى صوتك من مؤخرة شاحنة مع ١٠ آخرين على قمّة تل في فلسطين للتنفيس عن بعض التوتّر. لقد أصبح في الواقع نوعاً من الطقوس والإنفراج بالنسبة لي شخصياً.

 

لأكون صادقة تماماً، أنا فخورة بأنّنا تمكّنا من إنتاج هذا الفيلم!

أقول هذا ككاتبة، ومخرجة، وإحدى منتجي الفيلم. السينما المستقلة ليست سهلة على الإطلاق، ويمكن للتمويل وحده أن يكون السبب وراء عدم إنتاج العديد من السيناريوهات الرائعة. ثمّ هناك المشاكل العديدة التي لا تنتهي على طول الطريق إذا نجح الفيلم في الحصول على التمويل، ولهذا السبب غالباً ما تكون هناك مقبرة للأفلام التي لا تصل أبداً إلى خط النهاية، أو تستغرق وقتاً طويلاً لتبلغه. هناك الكثير من الأجزاء المتحركة والأشخاص المشاركين، في وقتٍ محدودٍ للغاية. الآن ضعي في اعتبارك أنّنا كنّا نقوم بالتصوير في منطقة محتلة عسكرياً وأنّك تزيدين من احتمالات العداوة ضدك أكثر بكثير. مكان يمكن أن تشتعل فيه التوتّرات والعنف أكثر من المعتاد في أي لحظة، كما حصل معنا عدّة مرّات، فكان علينا التفكير في إيقاف التصوير. لكنّنا تمكّنا من المضي قدماً وأنا فخورة حقاً لأنّنا تمكّنا من سرد القصة التي أردت أن أرويها. أنا ممتنّة جدّاً لذلك.

 
المزيد
back to top button