في أعالي أناكابري الهادئة، نستكشف أجنحة المنتجع الجديدة المفعمة بالروح، بقيادة فنّانين ومهندسين معماريين، وعلى إيقاعات الجزيرة الخاصة. هناك فنادق تحتضن الفنّ، وهناك أماكن مثل جميرا كابري بالاس ـ حيث الهندسة المعمارية بحدّ ذاتها لمسة فنّية، والأجنحة أشبه بمعارض فنّية مختارة بعناية، والضيوف مدعوون للتجوّل فيها وكأنّهم جزء حي من هذا العمل الفنّي. وصلتُ إلى الجزيرة ليس فقط لزيارة المكان، بل لأشهد على تحوّل هام: الكشف عن تصميم Patricia Urquiola الجديد للأجنحة والمسبح. وما تبيّن من هذه الزيارة كان أكثر تعقيداً: تجربة عاطفية، وإبداعية، وحسّية، بحيث كانت جزيرة كابري بمثابة خلفية رائعة وملهمة نادرة.
تصميمٌ شاعري
يُعتبر دخول الأجنحة الجديدة التي صمّمتها Patricia Urquiola لفندق جميرا كابري بالاس بمثابة رسالة حبّ لـ"كابري". تبدو كلّ مساحة ـ وهي خمس مساحات إجمالاً ـ وكأنّها حوار بين السماء والبحر، والضوء والملمس. يتردّد صدى ألوان الطين الترابي، والأبيض، والأزرق المحيطي في منحنيات الأثاث المصمّم خصّيصاً، وفي تموّجات الجدران الجصية التي تُحاكي تيارات المدّ والجزر الهادئة في تيرانيا. اصطحبنا شريكها، Alberto Zontone، في هذه المساحات، حيث أخبرنا أنّ نية Urquiola لم تكن فقط تصميم صالة أو غرفة، بل تكريم روح الجزيرة. قال: "لم نكن نريد فرض أنفسنا على كابري، بل أردنا أن ندعها تتكلّم". و هذا ما يحدث فعلاً من خلال التوهّج اللطيف على بلاط السيراميك، وأرضيات البالاديان الممتدّة إلى الحديقة، والأشكال العضوية التي تعكس الساحل من نافذتك. تكتب Urquiola: "تمّ تصميم كلّ جناح على أنّه عالم مصغّر هادئ، حيث تستحضر المواد الجميلة الملمس، والضوء الطبيعي، والأشكال الانسيابية الراحة والرقي المتوسطي".
جزيرة للفنّانين
أكثر ما أدهشني هو أنّ التصميم لم يكن عرضاً منفرداً، بل جزءاً من روح تنظيمية أوسع نطاقاً في الفندق. فالفنّ هنا ليس مجرّد لوحة فنّية، بل هو جزء لا يتجزّأ من كلّ ممرّ، وكلّ ركن من أركان Bar degli Artisti، وكلّ جناح يحمل اسم فنان. أما المتحف الأبيض، المعرض الحي في فندق جميرا كابري بالاس، فقد جسّده لنا Arnaud Morand، المستشار الفنّي للفندق، الذي يتنقل بين أرجاء المكان كقائد أوركسترا هادئ، ينسج قصصاً بين لوحة Ettore e Andromaca للفنّان De Chirico، ولوحة Plessi التي تُحيي ذكرى "الكهف الأزرق"، وشراع الفسيفساء من تصميم Velasco Vitali المتلألئ تحت سطح المسبح. يضمّ البهو فسيفساء فوتوغرافية لـ Maurizio Galimberti، الذي انضمّ إلينا في جزء من الرحلة وتحدّث بحماس وكثافة عن أسلوبه في تقنية "التجمّع" الشهيرة. وأخبرنا أنّ كابري تُعدّ إحدى "ملهماته الأبدية". ويمكنك أن تشعري بذلك في كلّ صورة يلتقطها مجزّأة كانت أو مُعاد ترتيبها، فتكاد تكون حلماً.
لوحةٌ فنّية
فنّ كابري ليس مجرّد فنّ بصري، بل هو فنٌّ آسرٌ وعاطفي. قضينا إحدى أكثر الأمسيات التي لا تُنسى في مطعم a-Ma-Re Capri، حيث لم يكتفِ صانع البيتزا الشهير Franco Pepe بتقديم Margherita Sbagliata الأسطورية، بل استضافنا لحضور جلسةٍ حميمة لصنع البيتزا. كانت مشاهدة يديه وهما تعملان في العجين أشبه بمشاهدة نحّات يُشكّل الطين. مع غروب الشمس فوق الجرف بجانب "الكهف الأزرق"، تذوّقنا شيئاً أصيلاً كالجزيرة نفسها. فقد كان تناول العشاء في مطعم ونادي الشاطئ Il Riccio، في اليوم السابق، مقدّساً بنفس القدر. فالمطعم مبني داخل المنحدرات، ويوفّر إطلالةً سينمائيةً تكاد لا تبدو حقيقية. تتميّز التصميمات الداخلية باللون الأزرق البحري والأبيض السحابي، لكن العيون كلّها تتجه نحو الأفق.
عافيةٌ لها روح
حتى العافية هنا تروي قصة. يضمّ منتجع كابري الطبي، الواقع في الجزء الأكثر هدوءاً من المنتجع، Leg School الشهيرة، وهي الأولى من نوعها في أوروبا. مستوحى من تركيبات غالينوس القديمة، يجمع بين العلم والتجربة الحسّية. صحيح أنّ علاجات التبريد، واللفائف العشبية، والتدليك المتدفّق تستهدف النصف السفلي من الجسم، لكن تأثيرها هو صفاءٌ يغمر الجسم بأكمله. بعد أيامٍ حافلةٍ بالفنّ والعمارة، حانت لحظة التوقّف، والتواصل مع شيءٍ أكثر هدوءاً.
كابري معاد تصوّرها
ما قدّمته Patricia Urquiola ليس مجرّد تصميم، بل ترجمة. لقد جسّدت أجواء أناكابري ـ النسيم، والملح، وحرارة النهار البيضاء، وسكون الغسق المحمرّ ـ وحوّلتها إلى مساحات تُمكّنك من الراحة، والتفكير، والشعور. وما يواصل فندق جميرا كابري بالاس تقديمه، من خلال متحفه الأبيض، وتعاونه الفنّي، واحتضانه الروحي للثقافة، هو تقديم أكثر من مجرّد رفاهية لضيوفه. إنّه يمنحهم معنىً خاصاً. مكان للإقامة، ولكنّه أيضاً مكان للشعور بالحياة، والإلهام، والظهور.