ما هو سبب سقوط الأطفال من الشرفات؟

تعتبر حوادث سقوط الأطفال من الشرفات من أكثر الحوادث إيلاماً على الأسرة والمجتمع بصفة عامة، لما تخلفه هذه الكارثة من آثار وخيمه متبوعه بالحسرة وتأنيب الضمير، وتأخذ حيز الإهمال والمعاقبة القانونية بموجب قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات، وعلى الرغم من الحملات التوعوية المتكررة واحتياطات الأمن والسلامة التي تتخذها البلديات إلى أن مازالت هذه الحوادث مستمره.

 

ونستعرض هنا حادثة انكسار عاشتها عائلة حامد طاهر (أبو سلطان) من دولة تشاد عندما فقدت ابنتها عائشة في يوم حزين من عام 2015، عائشة التي لم تبلغ سن الثالثة بعد، كانت مصرة في صباح ذلك اليوم وعلى غير العادة أن تفتح باب الشرفة في منزلهم الكائن في منطقة الخان بإمارة الشارقة، وبعد محاولات متكررة نجحت في الوصول إلى مبتغاها على حين غفلة من والدتها، فكانت تلك نهاية عائشة وبداية أحزان الأسرة، يسرد أبو سلطان الحادثة: "بالصبر والاحتساب تقبلت هذه الصدمة والفقد الكبير الذي حل بأفراد أسرتي، في يوم قاسي لا استطيع محوه من ذاكرتي ولو لدقيقة واحدة، ففي أثناء ما كنت في العمل، تلقيت إتصالاً من زوجتي في تمام الساعة 11 والنصف صباحاً، تخبرني أن طفلتي عائشة سقطت من الشرفة، التي ترتفع حوالي 5 طوابق، وعندها لا أعرف كيف عدت إلى موقع الكارثة قادماً من دبي، فوجدت طفلتي بدمائها متوفاه وكانت حارس البناية قد لملم جثمانها الصغير ووضعها من سريرها لآخر مره، حيث ودعتها بغصة لا استطيع وصفها".

 

لم يتحمل جسد الفتاة الصغير صدمة السقوط من الطابق الخامس، وبحسب والدها الذي أكد أن "عائشة" فارقت الحياة فور سقوطها، ويصف الحادثة: "في ذلك اليوم كانت عائشة تحاول مراراً الذهاب إلى الشرفة، ووالدتها شعرت بأن الطفلة على غير عادتها، فقامت بمنعها لأكثر من مره، وفي أثناء قيام والدتها ببعض الأعمال في المطبخ، انتهزت الطفلة الفرصة، وصعدت على الكرسي المحاذي للشرفة، وحدثت الكارثة". ويؤكد أبوسلطان بعد فقدانه طفلته، حرصة على إغلاق النوافذ والشرفات، التي لا يفتحمها إلا للضرورة وتحت الرقابة المشددة.

 

لم تكن حوادث سقوط الأطفال من الحوادث المؤلمة على الأسر فحسب، ويسرد الصحافي أسامة الرنة وهو شاهد عيان على حادثة سقوط طفل لقي مصرعه في شهر رمضان، ويقول: "منذ حوالي 10 سنوات مازالت صورة ذلك الطفل الذي سقط من نافذة الشقة التي ترتفع حوالي 7 طوابق تشغل مخيلتي ولا أستطيع نسيانها، ففي أثناء مغادرتي للمسجد بعد صلاة التراويح، لمحت طفلاً يسقط من البناية الواقعة في منطقة النعيمية بإمارة عجمان، وإذا بجميع سكان الحي يهرولون في محاولة لإنقاذ الطفل، الذي لقي حتفه الأخير بلمحة البصر، وعندها تجمدت في مكاني دون حركة، حتى أني لم أجرء على الذهاب إلى موقع الكارثة".

في صباح اليوم التالي ذهب أسامة إلى موقع الحادثة الأليم التي تبعد خطوات قليلة عن مقر سكنة، وبحسب أسامة الذي قال بأن الطفل يبلغ من العمر 3 سنوات من الجنسية المصرية، وهو الطفل الوحيد لأفراد أسرته اللذين تركوه وحيداً في المنزل، في حين ذهب الوالدين إلى المسجد لأداء صلاة التراويح. ويقول أسامة بعد هذه الحادثة المؤلمة قرر أن يغير طريقة بعيداً عن البناية التي وقعت بها الكارثة.

 

تجريم الإهمال

يعتبر المحامي يوسف البحر، أن هذه الحوادث هي الأكثر إيلاماً على الوالدين لما لها من جوانب إنسانية كبيرة، مشيراً إلى أن حائط الصد الأول يبدأ من التوعوية والرقابة العائلية، تليها الإجراءات الأخرى المتعلقة بمواصفات المباني والاشتراطات ذات الصلة إلى جانب القوانين والتشريعات.

 

ويقول: "تندرج حوادث سقوط الأطفال في القانون ضمن "مفهوم الإهمال"، لذلك أولى المُشرع الإماراتي حماية الأطفال وعدم تعريض حياتهم للخطر عناية خاصة، ووضع تعريفاً دقيقاً لمعنى الإهمال للأطفال وذلك في القانون رقم 3 لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفل "وديمة"، وعرف قانون الطفل وديمة "إهمال الأطفال" في مادته الأولى على أنه: "عدم قيام الوالدين أو القائم على رعاية الطفل باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على حياته وسلامته البدنية والنفسية والعقلية والأخلاقية من الخطر، وحماية حقوقه المختلفة". وفي هذا السياق خص قانون الطفل وديمة بند "حق الطفل في الحياة" وحمايته من كافة المظاهر التي قد تسلب هذا الحق منه".

 

ويشير البحر أن في قضايا سقوط الأطفال من الشرفات والنوافذ يعود الأمر في تكييفها إلى النيابة العامة وذلك حسب الوقائع والمعطيات، وهي في هذه الحالة تراعي الظروف الصعبة للوالدين اللذان هم أيضاً متضريين بشكل كبير، ويبقى القرار لديها إما بالتحفظ على القضية أو إحالتها للمحكمة وذلك وفقاً لظروف الحادثة.

 

وبشكل عام وفر قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 الحماية للأطفال من أجل الحفاظ على حياتهم ونص في مادته رقم 349 على عقوبة لكل من يعرض حياة الأطفال للخطر خاصة في حال تركه في مكان خالٍ دون رعاية وتعرضه جراء هذا "الترك" لحادث يؤدي لوفاته.

وجاء في نص هذه المادة على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين من عرض للخطر سواء بنفسه أو بوساطة غيره حدثاً لم يتم خمس عشرة سنة أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو العقلية أو النفسية، وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريق ترك الحدث أو العاجز في مكان خال من الناس أو وقعت من قبل أحد من أصول المجني عليه أو من هو مكلف بحفظه أو رعايته، فإذا نشأ عن ذلك عاهة مستديمة بالمجني عليه أو موته دون أن يكون الجاني قاصداً ذلك عوقب بالعقوبة المقررة لجريمة الاعتداء المفضي إلى عاهه مستديمة أو بعقوبة الإعتداء المفضي إلى الموت بحسب الأحوال".

وتنص المادة 350 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه: "يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تزيد على عشرة آلاف درهم من عرض للخطر طفلاً لم يتم سبع سنوات وكان ذلك في مكان معمور بالناس سواء أكان ذلك بنفسه أم بوساطة غيره".

 

الحسرة والألم

شعور الألم والحسرة والمشاعر السلبية هي ردت فعل طبيعية لكل من يعيش هذه الحادثة، ويؤكد الطبيب النفسي، الدكتور علي الحرجان، أن شعور الصدمة هي حالة طبيعية، ولكن على الأهل تجاوز وقع هذه الصدمة مع مرور الوقت، ويقول: "غالباً ما يعاني ذوي هذه الحوادث من اضطرابات نفسية ومشاعر سلبية ممزوجة بتأنيب الضمير والحسرة، ولكن عليهم أن يتجاوزا هذه الإضطرابات بالصبر وقوة الإيمان، حتى لا تنعكس سلباً على مسيرة حياتهم، خاصة في ظل وجود أطفال آخرين، التي من الممكن أن تنعكس على تربيتهم سلباً، وعليهم أن يأخذوا العبرة والدرس من أخطائهم لا أن يشغلوا أنفسهم بأخطاء الماضي".

 

تحقيق رنا إبراهيم

المزيد
back to top button