كيف اخلص طفلي من عادة "الخربشة" على الجدران؟‎

يهوى أغلب الأطفال "الخربشة على الجدران" وتلوينها بأقلام وألوان تروي عالمهم العجيب الملئ برسائل الحب والبراءة، أو ربما تعكس مشكلاتهم النفسية ورسائل التعبير عن أنفسهم، واياً كانت تلك الأسباب إلا أن لهذه العادة التي يعتبرها بعض الأباء والأمهات مرفوضة واقع مفيد وايجابي على نفسية الطفل.

 

تروي الكاتبة والمستشارة التربوية همسة يونس، صاحبة كتاب "سنة أولى ماما" تجربتها مع طفلها، وتقول: أشعر أحياناً وكأن جدران المنزل محرمة دولياً من قبل الأمهات، وأن من " يشخبط " عليها من الأطفال يتعرض لعقوبات صارمة قد تصل إلى فرض " حصار اقتصادي " شديد اللهجة !

 

الدافعية لدى الأطفال " للشخبطة " على الجدران تبدأ منذ السنة الأولى حين يصبح قادراً على الإمساك بالأقلام ويدرك تلك المتعة الطفولية التي يجنيها وهو يرى خطوطه العشوائية تتمثل أمامه على الجدار لتمنحه شعوراً لذيذاً وكأنه رسم " الموناليزا" ولكن من منا فكر بالتعامل مع الموضوع على أنه " إبداع " ؟ نعم .. هل صفقت لطفلك حين اكتشفت لوحته العظيمة على الجدار ؟ أنا فعلت ذلك حقيقةً .. ومنذ تلك اللحظة صار طفلي " عمر " يناديني ويسحبني بيده الصغيرة وهو يقول لي " " ماما شوفي " ..

 

هو لم يخفِ عني جريمته الصغيرة – من وجهة نظر الكبار هي جريمة – لأنني تعاملت مع خربشاته على أنها إبداع ، فصار كلما رسم على أحد الجدران يسارع ليشاركني سعادته بإنجازه الطفولي العظيم .

 

في المقابل حرصت على تذكيره بين الحين والحين بأن هناك بدائل أخرى للخربشة والرسم، فكنت أضع الأوراق والسبورة في مكان واضح له يمكنه من استخدامها بدلاً من الخربشة على الجدران .. إلا أن للجدران سحراً لا يدركه إلا الأطفال .. فمن وجهة نظري أرى أن الطفل يجد في الجدران موقعاً مميزاً ليقول للآخرين من حوله " أنا هنا .. انتبهوا إلي " ، لذلك ربما لا تستهويه الورقة التي لن تكون على مرآى من الجميع كما هو الحال مع الجدار !

 

احتواء وتدريب

من المهم احتواء الطفل تدريجياً وتعويده بهدوء على الكتابة بعيداً عن الجدران، دون تعنيف ودون استخدام القوة أو الترهيب لمنعه من ذلك، نحن نحتاج لاستخدام سياسة التفريغ المقنن والنمذجة. بحيث يتم تقنين تفريغ الطفل لرغبته بممارسة فعل الخربشة على الجدران من خلال عدم مهاجمته وتأنيبه بل بتحفيزه للإبداع ومن ثم توجيه انتباهه لاستخدام البدائل المنطقية المتعارف عليها للكتابة، وذلك يتحقق من خلال ملاحظته لمن حوله من أفراد الاسرة والأهل والأقارب والأصدقاء لتتكون لديه مدركات واضحة تجاه هذا السلوك تجعله يتوقف عن ممارسته تلقائياً مع الوقت دون الحاجة للتصادم معه والتعامل مع سلوكه الطفولي على أنه جريمة شنعاء.

 

ذكريات الطفولة

كانت أمي كأغلبية الأمهات، تمنعنا من الكتابة على الجدران، أو حتى وضع الملصقات وصور الكرتون أو النجوم اللامعة وغيرها من ملصقات الأطفال. وحين صرت أماً، منحت أطفالي حرية التصرف بجدران غرفتهم، بداية بحرية الـ "شخبطة "، وانتهاء بوضع ما لذ لهم وطاب من ملصقاتهم الطفولية ذات الألوان الزاهية .

 

بعد سنتين من ممارسة طفلي "عمر" للإبداع الطفولي على جدران المنزل مع التحفيز غير المباشر لاستخدام البدائل، لم أقم بتنظيف جدران المنزل من خربشاته مطلقاً ، لم أقم بمسح " لوحات " عمر الإبداعية ، بل إنني كنت أتحدث عن لوحاته الجميلة أمام الضيوف لأنني فعلاً كنت أراها كذلك. هذا التعامل الراقي مع سلوك الخربشة الطفولي منح طفلي قناعةً أكيدة بأنني لست مهووسة بنظافة الجدران بقدر ما أنا فخورة بإبداعاته الصغيرة .. لذلك لم أواجه معه عناداً طفولياً ليختبئ ويخربش على الجدران دون علمي كنوع من التحدي .

 

مع الوقت لم يعد هناك أي فراغ للخربشة على الجدران، فقد امتلأت بلوحات "عمر" الصغير، الذي لم يشعر للحظة بأنني أُجَرّم سلوكه الطفولي اللذيذ ، ومع تدرج نموه العقلي والمعرفي أصبح قادراً على تمييز السلوك الصحيح فيما يخص الكتابة ، وأن الجدران كانت محطة وقتية لا أكثر .

 

متعة الخربشة

الأطفال ما بين سن الثانية والخامسة يجدون متعة كبيرة في الكتابة على الجدران ، لذلك أنادي وبقوة أن تقوم مدارس رياض الأطفال بتخصيص مكان في المدرسة يسمح فيه للأطفال بالـ " شخبطة " على جدرانه ، ولكن بتوجيههم نحو استثمار خيالهم في الرسم الجميل . أعتقد أننا بذلك سنحتوي أطفالنا ، كما أننا قد نكتشف مواهب مختبئة.

 

حين نحترم طفولة صغارنا دون قمع لسلوكياتهم الطفولية بل بتوجيهها اللطيف غير المباشر، فإن هذا التعامل المقنن مع الطفل يساعده على تجاوز سلوك الكتابة على الجدران بسلاسة لينتقل من هذه المرحلة وقد أشبع حاجته الطفولية للخربشة على الجدران فتنتهي بشكل طبيعي مع بداية دخوله للمدرسة وانخراطه في عالم الكتب والأوراق ودفاتر الرسم. بينما إن تم قمعها بشكل قسري ، قد ترافقه هذه الحاجة إلى ما بعد سن الخامسة لتظهر في سلوكيات تسبب تشويه جدران الأماكن التي يتواجد فيها ليستخدمها كوسيلة لتفريغ مشاعره وخاصة السلبية منها .

 

لا نحتاج لتجريم سلوكيات أطفالنا البريئة، بل نحتاج للغوص في عالمهم العجيب لنكتشف الأسباب النفسية التي تدفع أطفالنا إلى تلك السلوكيات وبالتالي نتمكن من التعامل معها بشكل إيجابي يساعدهم على بناء شخصية متزنة لديها نسبة كبيرة من التوافق النفسي.

 

تقرير رنا إبراهيم

المزيد
back to top button