شكل حذائكِ يكشف خفايا شخصيتكِ

قولي لي ماذا تنتعلين أقل لك من أنت... ولأيّ حقبة تنتمين. إنّ الأحذية، تماماً كالملابس، تعبّر كثيراً عن حياة الناس وثقافتهم وتاريخهم.

مرّ أكثر من ثلاث ألفيّات على وجود الحذاء، هذا الغرض المنتمي إلى الحياة العاديّة، والذي لطالما قامت مهمّته على حماية أخمص القدم. بفضله، يتميّز الأغنياء عن الفقراء، وسكّان المدن عن سكّان الريف، والكبار عن الصغار. وعندما نتذكّر قصّة الأحذية نتوصّل إلى طريقة فهم حضارة ما أو حقبة ما بفضل هذا الغرض المتنقّل الذي يحمل تسميات عديدة: حذاء، صبّاط، صندل، جزمة، باليرينا، سكربينة، موكسان، قبقاب، خفّ، شحّاطة، إسبادرين، بابوج، صرماية، مداس، تليك، حذوة، زنوبة... مصطلحات متنوّعة تشهد على أهمّية هذا الأكسسوار الذي صار إحدى الركائز المهمّة في عالم الموضة.

 

إنّ عالم الحذاء غنيّ مليء بالأسرار فعلى غرار ما يقول المثل الكريولي: "لا يعرف ثقب الجورب إلاّ الحذاء"! في خدمة الحذاء مهن مختلفة وأشخاص متعدّدون من بينهم الحرفيّون والإسكافيّون والعمّال والدبّاغون والمصمّمون والمتخصّصون في مجال الإعلانات ومجال التسويق وملمّعو الأحذية والنجّارون أو حتّى الأطبّاء والصحافيّون والكتّاب. ولا تقتصر مهمّة الحذاء على حماية القدم وحسب بل إنّه مرادف للمرتبة الاجتماعيّة وللانتماء. وقد قال ابن سينا: "امشِ في الصنادل حتّى تمنحك الحكمة حذاءً"، لكن حذار!ِ في مصر القديمة وحدهم الفراعنة كانوا يملكون الحقّ بانتعال صنادل من ورق الذهب أو الفضّة، فيما عامّة الشعب كانت تتنقّل حافية الأقدام. لننتعل الأحذية إذاً وننطلق في رحلة استكشاف المراحل التي مرّ بها الحذاء. تاريخٌ يشهد عليه رسّامو الكهوف في إسبانيا وفي جنوب فرنسا، يكشف لنا أنّ بدأت في العام 10 آلاف قبل الميلاد.

إكتشفي شخصيتك من لون فستانك!

في بلاد ما بين النهرين وفي البلاد الفينيقيّة

قبل 4000 قبل الميلاد، توسّعت أولى الحضارات الكبرى في بلاد ما بين النهرين وعلى الضفاف الشرقيّة للبحر الأبيض المتوسّط. وهنا بالتحديد تشكّلت الأنواع الثلاثة الأساسيّة من الأحذية: الحذاء، الجزمة والصندل. في عام 1938، اكتشفت بعثة أثريّة في سوريا حذاءً من الطين رأسه الأمامي مرتفع يعود إلى أكثر من 3000 سنة قبل حقبتنا، يدلّ على النقاط المشتركة بين المدينة التي وجد فيها، أكاد، وحضارة أور في بلاد ما بين النهرين. وانتشر هذا النوع من الأحذية المستوردة من العراق الحالي في بلاد الفينيقيّين قبل أن يصل إلى آسيا الصغرى حيث جعله الحثيّون جزءاً من اللباس الوطني. وقد أسهم الفينيقيّون، ملوك البحار، بنشر الحذاء المستدقّ الرأس في قبرص وميسينا وكريت ومصر.

 

في مصر

كان الميت يأخذ معه أغراضه إلى القبر فضلاً عن الأثاث، لكي يتمكّن من الاستفادة منها في الآخرة. ومن بين الأغراض التي عُثر عليها في مقابر مصر القديمة، إلى جانب الأقمشة الفاخرة والحليّ الثمينة، بعض الأحذية التي تنمّ عن عمل حرفيّ متقن ومتقدّم كما توفّر دلالات إضافيّة على المعرفة وفنّ العمل على العديد من الموادّ ومنها الألياف النباتيّة والخشب والجلد. كذلك، هي تشير إلى الطبقة الاجتماعيّة التي ينتمي إليها الميت. في الواقع، في مصر القديمة، يدلّ الحذاء على المستوى الاجتماعي. كثيرون رحلوا حفاةً، وعلى سبيل المثال كان حامل الصنادل التابع للملك يتحلّى بمنصبٍ مهمّ في بلاط الفرعون. على طول الفترة الممتدّة من مصر الفرعونية (من 2700 إلى 30 قبل الميلاد) إلى الحقبة العربيّة (ابتداءً من عام 641 بعد الميلاد)، مروراً بمصر الرومانيّة (من 30 قبل الميلاد إلى 395 بعد الميلاد) ومصر القبطيّة (من 395 إلى 641 بعد الميلاد)، هناك مجموعة كبيرة من الأحذية:

  • الصنادل، حين لا يلتقط النعل إلاّ الفلنجات.
  • الجزمة القصيرة التي تخبّئ الكاحل.
  • الجزمات التي تغطّي ربلة الساق.
  • الأحذية التي تغطّي الأصابع وجزءاً من أعلى القدم.

القرون الوسطى

كانت مكانة المرء ومستواه يقاسان حسب لون ملابسه وأسلوبها، علماً بأنّ الطبقة المخملية تملك الإمكانيات اللازمة لشراء القطع المستوردة. وتطوّر الجزء الأمامي من الحذاء من كونه مسطّحاً ليصير دائرياً ومن ثمّ مستدقّ الرأس. في القرن الثالث عشر، كانت تلك الدائرية والمستدقّة هي الأكثر رواجاً. وكان الحذاء يُحشى بالرغوة لجعله متيناً.

 

عصر النهضة

بفضل التغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة تبدّلت الموضة أيضاً آخذةً في الاعتبار القدرة الجديدة للطبقة البورجوازيّة. فاستُبدل الطرف المستدقّ الرأس بالطرف العريض، وهو عمليّ أكثر. وقد لاحظنا ظهور الكعوب العالية في أوروبا حين جلبتها كاترين دي ميديسي في عام 1533 من فلورنسا إلى باريس بمناسبة زواجها بدوق أورليان. وسرعان ما تبنّى البلاط كلّه هذا الأسلوب.

القرن السابع عشر

ترنّحت النساء الأوروبيّات بكعوب عالية طولها حوالى 12،5 سنتمتراً وكنّ يستعين بعصا يستندنَ إليها تفادياً للوقوع! وبما أنّ الطبقة العاملة لم تكن قادرة على انتعال تلك الأحذية التي لم تكن عملية، كانت الكعوب تجسّد الترف والغنى. في عام 1660، انتعل لويس الرابع عشر أحذية بكعوب حمراء وقد جسّد هذا الأسلوب لفترة طويلة طبقة الأثرياء على مدار القرنين السابع عشر والثامن عشر.

 

القرن الثامن عشر

في القرن الثامن عشر، كانت أحذية النساء تُنسَّق مع أسلوب الملابس وتتزيّن بالمطرّزات والدانتيل. وكان طرف الحذاء الأمامي مستدقّ الرأس مع أشرطة وحلقات، أمّا الكعوب فشكلها ملتوٍ للنساء والرجال من الطبقة الراقية. في أواخر سنوات 1760، راحت الكعوب تتقلّص حتى صارت في نهاية القرن الثامن عشر قصيرة جداً ثمّ اتّجهت نحو الاختفاء. وقد طبع هذا التحوّل مرحلة المساواة بين الطبقة المخملية والبورجوازية. وكانت الأحذية الرائجة حينئذٍ عبارة عن خفّ من الساتان أو الحرير أو الجلد أيضاً.

 

القرن التاسع عشر

في عام 1830، كان الطرف الأمامي للحذاء مربّعاً وشاع انتعال الجزمة مع التنانير المزوّدة بأسلاك من الحديد. وبفضل التكنولوجيا الحديثة وخاصّة بفضل ابتكار آلة الخياطة، صارت الأحذية متوفّرة بألوان مختلفة وصار تصنيعها أكثر سهولةً. وعادت الكعوب العالية لتحتلّ ساحات الموضة.

القرن الماضي

ارتكزت الموضة الرجاليّة على حذاء أكسفورد وديربي. ومع الحرب العالميّة الأولى، احتاجت النساء إلى ملابس عمليّة ومريحة لأنّ ارتداء الأزياء الراقية والرسميّة كان دليلاً على غياب الحسّ بالوطنيّة تماماً مثل الكعوب التي فقدت بضعة سنتمترات من طولها. وخلافاً للعشرينيّات حيث كُشفت السيقان والأقدام شهدت الثلاثينيّات ومن ثمّ الأربعينيّات على نشأة أحذية عمليّة أكثر للجنود والنساء. وفي الخمسينيّات، عادت الكعوب العالية لتظهر من جديد وانطبعت ببصمة الإثارة. بعدئذٍ، راحت السيقان تظهر أكثر مع دخول نزعة التنّورة القصيرة جداً وصارت الجزمات على الموضة. في منتصف السبعينيّات، ارتدت النساء، والرجال أيضاً، ملابس متكلّفة وهيمنت الأحذية البرّاقة والمتلوّنة على عالم الموضة فيما شهدت الثمانينيّات والتسعينيّات انتشار موجة الأحذية الرياضيّة المريحة مع الميل إلى الرياضات ووسائل التسلية.

كما سبق أن لاحظنا، مرّت الأحذية بمراحل عديدة، فما ستكون حالها في منتصف القرن الحالي الذي نعيش فيه؟ هل سيبصر النور الحذاء الوهمي؟ لمَ لا؟ وهل نرجع إلى الأقدام الحافية؟ ممكن! كانت غابرييل شانيل تقول: "أمضي معظم أوقاتي منتعلةً أحذية غير مريحة، لذا إمّا أن أختار الحذاء الرياضي أو لا شيء". ها نحن اليوم في حقبة الأحذية الرياضيّة، فهل من الممكن أن نصل إلى حقبة الـ"لا شيء" التي تكلّمت عنها شانيل؟

 

الكعوب

ظهرت الأحذية بالكعوب العالية في العالم منذ سنوات طويلة. طويلة لدرجة لا يمكننا العودة بتلك الأكسسوارات إلى مرحلة نشأتها. وجدت الكعوب بدايةً في مصر القديمة حيث كان اللحّامون ينتعلون أحذية بنعل عالٍ تفادياً لوصول الدم إلى أقدامهم. وكان فرسان منغوليا ينتعلون أحذية شبيهة بتلك التي نراها اليوم لأنّها تسمح لهم بالصعود على ظهر الحصان بشكل أفضل. بدايةً كانت تلك الأحذية خاصّة ببعض الحقبات ولم تكن منتشرة لكنّها صارت موضة متميّزة في البندقية ابتداءً من القرن الخامس عشر وصولاً إلى زمن حكم كاترين دي ميديتسي. استوردت تلك الأحذية من الشرق وكانت مخصّصة للنساء وتشبه الخفّ أو الصندل لكن مع نعل عالٍ.

أمّا الغاية الأساسية منها فكانت المحافظة على نظافة فساتين الجواري من خلال منعها من ملامسة الأرض.

 

الكعوب الرفيعة

في حقبة ما بعد الحرب صارت للأحذية كعوباً رفيعة، ولا سيّما أنّ المرأة لم تعد تعمل وصار المجتمع يقلق على مظهره من جديد فشاعت تلك الأحذية الجديدة المزوّدة بكعوب من الفولاذ تسلّط الضوء على دوائر الجسم. وقد استرجع روجيه فيفييه، وهو صانع أحذية عمل خاصّةً لدى المصمّم كريستيان ديور، مبدأ التصنيع بالخشب لكن أدخل إليه جذعاً من المعدن في وسطه كي يصبح الكعب أمتن ولكن أخفّ من تلك المصنوعة من الفولاذ. وقد قال هذا المبدع الذي ابتكر في وقت لاحق أحذية أشكالها متنوّعة إنّ تلك الأحذية "تنهي الإطلالة بضربة قلم".

منذ الخمسينيّات مرّت الكعوب بكلّ الأشكال وكلّ أنواع التكلّف وبقيت عنصراً خياليّاً للناس ولكن أيضاً مصدر إلهام لا يشحّ للمبدعين والفنّانين!

 

بِقلم أنطوان ضاهر

طريقة حملك للحقيبة تكشف خفايا شخصيتك!

المزيد
back to top button