حكايات من الزمن الغابر على لسان كبار السن

حيث الراحة والهدوء والصفاء والسكينة يجتمع كبار السن في محطة القطار الأخيرة، التي منها ربما يودعون بعضهم أو يذهبون فجأة دون وداع، تاركين هموم الدنيا وأثقالها خلف ظهورهم، لا يحملون معهم سوى بسمة تفاؤل ووسام فخر، متفائلين بالأيام القادمة، متفاخرين بماضيهم المشرف، نسرد هنا أبرز حكاياتهم من الزمن الجميل.

 

أمجاد الماضي وحلاوة الحاضر

كان يجلس بزاوية منعزلة حاملاً هموم الدنيا على كتفيه، و ينظر إلى من حوله ببؤس وتشاؤم، كان لا يريد الكلام أو الدخول في حديث أو حوار صريح، حدثنا الشايب ( س، غ) البالغ من العمر 68 سنة، ببعض العبارات وقال: " حياتي مقسمة بين الأصدقاء وتلقي العلاج، ويومي في المركز كأي يوم عادي، لا أعاني الضيق أو الملل لدي أصدقاء يعوضوني عن الدنيا وما فيها، و أحمل ذكريات أفتخر بها، لقد كنت أعمل نجار في الجيش، كما كنت راعي بحر ونجار سفن، وعملت في سلطنة عُمان في الماضي، ولدي أسرة جميلة وأحفاد أيضاً وأذكرهم جميعاً".

 

 

خارطة المكان

أخذ خلفان - 84 سنة، وهو صديق للمسنين، يسترجع شريط ذكرياته، وقال: " حياتي ارتبطت ما بين البحر والبر، حيث أتقنت الغوص عندما كنت في الخامسة من العمر، وأذكر أن هذه المنطقة ( يقصد بها دار رعاية المسنين) كانت عبارة عن بحر، كنت أمضي معظم وقتي فيها، وأيضاً كنت نوخذة إلى أن أصبح لدي مصنع لصناعة السفن. في الصيف أقنت البحر، أما في موسم الشتاء أعد رحالي وأنتقل إلى البر حيث الصفاء والهدوء".

 

يكمل خلفان ذكرياته: سافرت لدولة الكويت لمدة 6 أشهر وكنت آنذاك عامل بناء، وبعدها سافرت إلى الدمام وعملت في شركة بترول، ورجعت بعدها إلى وطني الإمارات، حياتنا كانت متنقلة ولا يوجد استقرار، عانينا كثيراً من أجل لقمة العيش ، حيث كانت معظم أسفاري بحراً، وأتذكر قبل قيام الإتحاد كان جواز السفر الإماراتي عبارة عن ورقة، وبعدها حصلت على جواز السفر الأحمر، وهو الخاص بمواطني إمارة عجمان". يوضح خلفان تفاصيل خريطة إمارة عجمان قبل الإتحاد، ويقول: "كان في إمارة عجمان ثلاث مساجد فقط، أما الآن ما شاء الله، لا استطيع حصرهم، أما ديوان الحاكم حالياً كان عبارة عن خور يباع فيه السمك، وكان بيتي عبارة عن سعف النخيل وبجانب متحف عجمان، والإمارة تغيرت تماماً عن السابق".

 

لم يتمكن خلفان من تكون أسرة، فحكم عليه الزمن أن يكمل حياته وحيداً، حيث توفيت زوجته أثناء الولادة، وبعدها تزوج بامرأة أخرى لم يكمل معها 24 ساعة، على حد تعبيره، وكان عمرة آنذاك 35 سنة، وقرر بعدها عدم التفكير مجدداً بالارتباط.

يصف خلفان يومه ويقول: " أقضي ساعات اليوم بشكل طبيعي وكأنني شاب، فبجانب الخدمات التي يقدمها المركز من رياضة وعلاج طبيعي، أمارس يومياً رياضة المشي، وأضع على رأسي الملح تحسباً للحمى، وأذهب إلى سوق السمك يومياً مع سائقي الخاص".

 

 

الزواج والمهور

ذكريات ومغامرات من نوع آخر للمسن سالم سعيد وهو صديق للمسنين، الذي بدء حديثه بمقارنة التطورات التي حدثت ما بين الماضي والحاضر، وبابتسامة متفائلة يصفها، قائلاً: " في الماضي لم يكن لدينا أطباء، كنا نسير راكبين الجمال والبعير، نسير لمسافات طويلة لا نكل ولا نمل، كنا نكافح من أجل لقمة العيش، وعلى الرغم من بساطة الحياة وصعوبتها إلا أنها كانت أجمل من الحالي، لأننا كنا نشعر بقيمة ما لدينا فأنا بدوي من أهل البر، لا أشعر بالسعادة والهناء إلا في الصحاري الرملية والتأمل بالسماء".

 

تزوج المسن من أربعة نسوه، توفي منهن ثلاثة، ولديه خمسة أبناء، وعدد من الأحفاد، حول نظرته في تعدد الزوجات، قال: " كنت تعدد الزوجات، المهم العدل بينهن، وجميع نسائي كن من نفس الإمارة ويقمن في نفس البيت ولكل واحده منهن غرفتها المستقلة، وكنت أحرص على العدل بينهن، لكن الآن الوضع في السابق كان مهر العروسة 100 درهم أما الآن تضاعف الرقم مئة مره، لذلك اكتفيت ولا أريد الارتباط مجدداً، أريد أن أهتم بأولادي وأحفادي فقط". يهتم سالم بالزيارات الاجتماعية وصلة الأرحام، ومازال يتردد على البر، كما يهوى الرحلات الجماعية والتجول في مراكز التسوق، ويتردد على دار رعاية المسنين 3 مرات في الأسبوع منذ العام 2008.

 

 

الكلمات المتقاطعة

عبدالله- 71 سنة، صديق للمسنين، شخصية اجتماعية ومثقفة لأبعد الحدود، يهتم بالقراءة ومتابعة الأخبار بشكل يومي، محترف في لعبة الشطرنج، يقضي يومه في الترجمة، ويعتبرها مصدر دخله، يحدثنا قائلاً: " في السابق التحقت بعدت وظائف منها معلم ومحاسب ومدير شركة، وحتى الآن لازلت أعمل مراسلاً في مجال الترجمة، أحب القراءة في مختلف المواضيع، وأتحدى نفسي في مسابقات الكلمات المتقاطعة، لأنها تحافظ على ذاكرتي وما تحتويها من معلومات، وأتردد على نادي الشارقة للشطرنج، من أجل قضاء وقت الفراغ بعيداً عن الخوض في البطولات".

 

لدى عبدالله مشكلة غريبة مع الارتباط، يوضحها: " كل ما أحب فتاه وأفكر بالارتباط بها تتوفى، لا أعرف ما السبب؟ منذ حوالي 36 سنة قررت الارتباط بفتاه وقبل موعد الزفاف بأسبوعين توفيت، ووصل عدد النساء اللاتي قررت الارتباط بهن 5، ومازلت أذكرهن جميعاً وأترحم عليهن دائماً، من هنا عزفت عن فكرة الزواج نهائياً".

 

حقيق رنا إبراهيم

المزيد
back to top button