تربية الأبناء دون أب.. حمل ومسؤولية

غياب الأب لسبب الطلاق، الموت، السفر، أو لأي سبب كان، هي جميعها أقدار قد تتعرض لها أي أسرة، لتكون بذلك الأم هي المحرك الأساسي والمسؤول الأول عن الأبناء وعن كافة شؤون المنزل، لتقع على عاتقها المسؤولية الكاملة في تربية الأبناء وأحياناً تأمين مصروفهم ورعايتهم الكاملة... فكيف تستطيع أن تتولى الأم مسؤوليتها التي فطرت عليها بجانب دور الأب؟

 

مما لاشم فيه أن غياب الأب يخلق تأثيرات سلبية في حياة الأبناء سواء على المستوى الانفعالي والصحة النفسية والعقلية أو على مستوى التكيف الاجتماعي والتحصيل الدراسي، أو غيره، ويقع الدور الأكبر على عاتق الأم في تحمل المسؤولية، ويقول الدكتور أحمد الزعبي، أستاذ مشارك في علم النفس: " لا بد للطفل من أن يتكيف مع ظرفه، وهذا التكيف لا يأتي بشكل تلقائي من الطفل نفسه في البداية، إنما يلقى الدور الأكبر على المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا الطفل، سواء من الأم التي أيضا يجب أن تتماسك وتعيد تخطيط حياتها بما ينسجم مع الظرف الجديد، ولا تسرف في العطف والحنان مثلما لا تكون فقيره فيهما، هذا بالإضافة إلى أهل الزوج والزوجة الذين ينبغي أن يكون لهما الدور التعويضي لمتابعة شؤون الأطفال بالتنسيق مع الوالدة، بشرط ألا يحدث التضارب الذي قد يقع الأطفال ضحية له، فالكل ينبغي يدعم الأم في مهمتها ويعززها على ذلك، بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات لدى الأطفال، فحينما نرى أن ابننا لديه رغبات أو احتياجات معينة يجب أن نتذكر بأن ذلك الطفل لديه رغبات واحتياجات مماثلة فنبادر بتلبيتها دون أن يطلبها منا، كما يمكن التغلب على التبعات النفسية من خلال تقديم العطف والحنان لهم، و الجلوس معهم خلال أوقات محددة بالأسبوع، وقيام الأقرباء بزيارات دورية للأطفال، واستدعائهم بحيث تزداد الروابط أكثر مما لو أن والدهم موجود، هذا بالإضافة إلى متابعتهم في المدارس وتحفيزهم نحو الإنجاز وزرع الثقة بأنفسهم وتوجيههم بأسلوب غير مؤذ، وإشراكهم في أندية وأنشطة مجتمعية مختلفة يستطيعون من خلالها تنمية قدراتهم المختلفة، وإذا تم التعامل مع الطفل الذي فقد والده بهذه الطريقة فإن الاحتمالات الأرجح لهذا الطفل أن يتغلب على المصاعب التي واجهته نتيجة لفقدان والده، بل من الممكن أن تنمي لديه قبولا بالتحدي وإثبات وجوده بأن يصتع لنفسه مستقبلا زاهرا".

 

 

 

الإحباط أو الفشل

أكد الدكتور علي الحرجان استشاري الطب النفسي، أن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع ككل، ويقول: "يجب عدم التعامل مع الطفل على اساس انه فاقد لشئ معين، بحيث لا نعزز لديه فكرة خسارة شخص عزيز عليه، ويعتبر الأمر بأكمله من المقدرات الإلهية فكل واحد منا معرض أن يفقد أمه أو أبنه أو حتى اخاه بل على العكس يجب ان نخلق لديه العزيمة والقوة في تخطي هذا الظرف وإن كان صعباً لأنه مصير كل واحد ٍ فينا وعلى هذا الطفل أن يكون هدفه منذ الصغر ومروراً بالمراهقة وحتى أن يصبح شاباً الإهتمام بنفسه ودراسته وتنمية عقله والتطوير من قدراته والإعتماد على الذات لا لأجل الآخرين يدمر نفسه".

 

ويضيف الحرجان:" مما لا شك فيه أن تعرض الطفل إلى صدمات في صغره، تؤثر سلباً في الحالة النفسية والنمو الجسدي والذهني له، إضافة إلى تشويه نظرته إلى المجتمع ككل ، لاسيما إذا لم يتم التعامل مع الطفل بطريقة علمية وعلى أسس نفسية صحيحة، ومن أبرز السلوكيات الإجتماعية الملحوظه على الطفل الذي يفقد اباه على ضوء ما سبق هي تولد العنف والخوف والإنعزال عن المجتمع لأن لكل فعل ردة فعل لدى الطفل فإن شعوره بالنقص بسبب خسارة والده لاسيما أمام اصدقاءه بالمدرسة أو أفراد عائلته تعرضه للإكتئاب والقلق اما البعض الآخر ينشا لديه كراهيه للمجتمع وحقد لان الجميع يمتلك أب ما عداه فيقوم بإفتعال المشاكل والمشاجرات والشغب وهناك فئة اخرى تريد لفت انتباه الاخرين حتى يحصل على العطف والحنان من خلال التقصير في دروسه والشكوى من أمراض وهمية لانه بهذه التصرفات يمنحه من حوله الاهتمام المادي والمعنوي زيادة عن اللزوم فيصبح كلما زاد في حالة التمارض زادت الرعاية بشكل مبالغ مما يسبب له سلوك هستيري ،ويمكننا مساعدة الطفل على تجاوز هذه التبعات التي نتجت عن موت الأب من خلال دعمه في تقبل هذه الحقيقه بحيث يدرك أن البكاء والخوف والحزن لن يغير شيئ في حياته ولن يتقدم به للمستقبل ولن ترجع الشخص المفتقد أو تحل أي مشكلات بل ستزيد من الازمه ، فعلينا تهيأت الطفل بتقبل واقعه شيئا فشيئا حتى يقتنع بحالته دون إعتراض أو تذمر ففي محصلة الأمر هو ليس أول من يتوفى والدة وليس الأخير بهذه الطريقة ستقبل ذاته ويستطيع ان يعيش حياة كريمة وسوية ".

 

ويردف د. علي الحرجان عن كيفية تحقيق من يفقد والده النجاحات في حياته بحيث لا تؤثر سلبا عليه :" عندما تزيد ثقة الفرد بنفسه ويتأقلم مع وضعه يصبح اكثر اعتماداً على نفسه بل يبحث عن المكنونات الجميلة التي بداخلة لأن كل فردٍ فينا وضع الخالق سبحانه وتعالى بداخله قدرات وطاقات كبيرة يجب العثور عليها واستثمارها وفي نهاية المطاف من يفقد والده هو إنسان طبيعي بين أفراد المجتمع وعليه أن يدرك أن هناك اناس طيبين واناس اشرار وهناك بعض المحيطين ينقصهم الفهم والثقافة يجب البعد عنهم والتعامل معهم بحذر واتخاذ الاشخاص الايجابيين والمتفائلين قدوةً في حياتهم".

 

 

تحقيق رنا إبراهيم

المزيد
back to top button