العمل في غير التخصص واقع يكبح أحلام الشباب

يفرض سوق العمل على الخريجين وظائف لا علاقة لها بمجال التخصص الأكاديمي الذي اختاروه، فالبعض يتقبلها بصدر رحب، والبعض الآخر يرفضها بشدة، وتبقى أحلامهم معلقة بأن تتحقق أمانيهم بالحصول على وظيفة تتناسب مع تخصصهم الجامعي.

 

من هنا نطرح مجموعة من التساؤلات على هذه الفئة: هل حققتم ذاتكم في وظائفكم الحاليه؟ وكيف تمكنتم من تجاوز مشكلة إختلاف التخصص؟ وهل أنتم سعداء بوظائفكم؟ وماهي أحلامكم المستقبليه؟

 

أحمد عبدالستار، تخصص في مجال الترجمة واللغات، لكنه سعيد بعمله الحالي في مجال التصوير الصحفي في إحدى المطبوعات المحليه، استطاع ان يتجاوز مشكلة اختلاف العمل بغير التخصص. لأنه يرى ان هذه الوظيفة حققت ذاته ، فمنذ الصغر كان يهوى التصوير الفوتوغرافي، وكان مهتم بدراسة الأدب الانجليزي، وقال: " لا أجد مشكلة في اختلاف العمل عن التخصص الجامعي، لان دراستي في مجال الأدب الانجليزي كانت مجرد هواية للإطلاع واكتساب المعرفة والمعلومات لأني كنت مهتم بجمع المعلومات عن الأدب العالمي، وبنفس الوقت كنت أهوى ممارس التصوير الفوتوغرافي، وبالتالي استطعت ان أجمع بين هوايتي (التصوير) وبين ميولي العلمية ( الأدب الانجليزي)".

 

ما كُل مايتمنى المرء يدركه

لعل أحمد واحد من بين مئات الشباب الذين استطاعوا تجاوز مشكلة العمل بغير التخصص، لتأتي مجد أحمد التي درست في كلية الإعلام وتخصصت في مجال الإتصال والترجمة، وكانت تطمح في ان تصبح اعلامية لامعة في المجتمع، تناقش وتجمع المعلومات لتظهر في مختلف وسائل الإعلام في المنطقة، لكن " ما كُل مايتمنى المرء يدركه" لأن التيار الوظيفي الحالي، عصف بها وجعل تأخذ مكانه لتعمل في المجال المصرفي بأحدى البنوك. وقالت " شخصيتي الإجتماعية تفرض علي العمل في مجال الإعلام الذي حلمت به منذ الطفولة، لكن واقع السوق الوظيفي الحالي يقيدنا ويجبرنا على العمل بالشواغر الخاليه، ونصيبي حتم علي العمل في القطاع المصرفي الذي لم أكنت أتوقع بأن أصبح في يوم موظفة بنك، لأني لاأحب العمل الإداري المقيد، على عكس العمل الإعلامي الحر المبني على إقامة العلاقات والتعرف على الشخصيات اللامعة في المجتمع سواء أكانت شخصيات اجتماعية أو سياسية أو فنية".

 

على الرغم من هذا، لم تيأس مجد في البحث عن وظيفة تلائم تطلعاتها وأحلامها التي تسعى جاهده في تحقيقها.

 

حلم صعب المنال

حازم ابراهيم، مهندس إلكترونيات، يعمل في مجال المحاسبة، يرى ان العمل في غير التخصص كارثة يصعب التوافق معها، لذلك يسعى حازم إلى البحث عن عمل يلائم تخصصة الجامعي الذي بات يبحث عنه طويلاً منذ ان تخرجة من الجامعة عام 2007، ويرى ان الحصول على عمل يتناسب مع تخصصة أصبح حلم صعب المنال. ويقول حازم، " منذ ان تخرجت من الجامعة وأنا أبحث عن عمل بنفس تخصصي، لكن للأسف لم أحصل على عمل يناسبني، ولم أكن أتوقع أن أعمل في مجال المحاسبه، حيث أن العمل لاعلاقة له بتخصصي الجامعي، لكن بعد رحلة البحث الطويلة، أصابني نوع من اليأس، فقررت الإلتحاق بأول وظيفة أمامي، وجاءت الصدفة لأعمل في وظيفة محاسب، لدى أحدى الشركات التي يملكها والد صديقي، وعندما عرض علي العمل، وافقت بدون تردد، لاني بحاجة إلى عمل حتى أحقق ذاتي وابني مستقبلي من خلاله، لعل في المستقبل أجد عمل يتناسب مع تخصصي".

 

على الرغم من حالة الإحباط التي يعاني منها حازم، إلا أنه يعمل في مجال الهندسة، عن طريق المرسلة، حيث يراسل بعض الشركات، ويشترك في بعض المشاريع الهندسية المتعلقة في أجهزة المراقبة والحماية، ويرى ان هذا العمل يعطية نوع من التشجيع والتفاؤل، تأملاً في الحصول على وظيفة ترضى تطلعاته.

 

إدارة الأعمال بوابة لجميع الوظائف

تخصصت رغده هلال في مجال إدارة أعمال، وهي تعمل حالياً في مجال التسويق والعلاقات العامة، وهي سعيدة جداً بعملها الحالي، وعلى الرغم من إختلاف التخصص الجامعي عن العمل، إلا أنها ترى ان دراستها الجامعية (إدارة الأعمال) ، دراسة مفيدة لجميع المهن. على سبيل المثال، هناك العديد من الأطباء والمهندسين والمختصيين في مجالات أخرى الذين يدرسون إدارة الأعمال بعد إنهاء دراستهم الجامعية لأنها تفيدهم في حياتهم العملية.

 

وتتحدث رغدة عن عملها وتقول: " عندما قررت الإلتحاق بسوق العمل، أتيحت أمامي فرص العمل في مجال التسويق، واستمريت في هذا المجال لأنني إكتسبت الخبرة وأعتدت على طبيعة العمل، لكني أطمح في المستقبل القريب أن أملك شركة خاصة وأديرها بنفسي".

 

الحل ثلاثي الأبعاد

إجبار الطلبة على تخصصاتٍ لايحبونها قرارٌ كارثي يرقى لمستوى الجريمة .. والحل ثلاثي الأبعاد، حيث يعمل الكثير من الأشخاص الجامعيين في أعمالٍ لاتناسب تخصصاتهم الجامعية مطلقاً، وحتى نعرف أكثر عن هذا الموضوع يجب أن نعلم كيف يختار الطلبة المقبلون على الجامعة تخصصاتهم هنا في الوطن العربي الكبير. وحول هذا الموضوع، يوضح سعد الهاشمي، الإعلامي والمستشار في التنمية البشرية والإجتماعية. ويقول: " من خلال عملي التدريبي والاستشاري واجهت المئات من الحالات المحزنة والتي تسبّب في معظمها عائلة الطالب أوالطالبة، فمن الموروثات الفكرية الكارثية أن الأهل يعرفون "مصلحة أبنائهم" أكثر .. لذا يجبرون أبنائهم على تخصصاتٍ يحبونها كالطب والهندسة لما لها من مستقبلٍ باهرٍ حسب تصوّرهم، ويستبعدون تماماً كل التخصصات الأخرى بل ويشكّكون في قيمتها العلمية والمهنية والأهم من ذلك القيمة المادية. وهنا يبدأ الطالب أو الطالبة تخصّصه الجامعي على مضض وفي مئات الحالات لاينهي دراسته، فبعضهم يتفشى فيه الإحباط ويترك الجامعة نهائياً لعدم انسجامه مع التخصص المفروض عليه، والبعض الآخر ينجح بعد عناءٍ في إقناع أهله بتغيير تخصصه الجامعي، بعد ضياع سنين من عمره وجهدٍ ومالٍ أيضاً.."

 

المشكلة لها عمقٌ آخر .. وهو العمق التعليمي التربوي، فخلال سنوات المرحلة الثانوية لا يوجد أية برامج إرشادٍ أكاديمي تحضيراً لاختيار التخصص الجامعي. وإن وجدت فهي ضعيفة ولاتفي بالغرض. ويرى الهاشمي ان الحل يكمن في تكاتف العائلة والمدرسة الثانوية مع الجامعة لتكوين منظومة علمية ثلاثية تفهم مساحات الإبداع لدى الطلبة وتقترح عليهم التخصص المناسب على ضوئها، وهذا غير كافٍ أيضاً، ويضيف: " من خلال ساعاتي التدريبية لمستُ نتيجة ممتازة من خلال "جلسات التخيّل" التي تدخل الطالب في سيناريو مقترح وهو يعمل مهندساً أو طبيباً أو محامياً إلى آخر التخصصات. بعض الطلبة بدّلوا آرائهم في التخصص لأنها كانت مبنيّة على السمعة فقط، فمثلاً البعض اختار الهندسة لأنه يحب لقب المهندس وسمعته، لكنه من خلال "جلسات التخيّل" لم يتحمّل طبيعة المهمّات الهندسية، لذا رفض الفكرة".

 

لذلك ينصح الهاشمي الطلاب ان يعرفو كل شئ عن جميع التخصصات ..وأن يساعدهم مختصون في فهمها وتخيّلها ومناقشتها بكل تفاصيلها ليكون قرارهم صائباً ومستقلاً عن رغبات الأهل والأقارب، هذا حقٌ واجبٌ على الجميع وعدم تحقيقه يرقى لمستوى الجريمة بحق الطلبة، فهدر السنين والجهد والمال والاستعداد التعليمي جريمة فعلاً توجب العقاب على مقترفيها.

 

 

تحقيق رنا إبراهيم
 

المزيد
back to top button