أبناء يعلنون الحرب على آبائهم!

هم آباء وأمهات يتدخلون ويُصّرون على تحديد شخصية أبنائهم ورسم مستقبلهم العلمي والمهني من خلال فرض قراراتهم عليهم من دون أن يتركوا لهم حرية اتخاذ القرار بما ينسجم مع قدراتهم ورغباتهم، في المقابل نجد معظم الأبناء ينصاعون لرغبة آبائهم ويدفعون الثمن مستقبلاً، نتيجة اختيارهم لتخصصات علمية لم تكن في يوم متطابقة مع ميولهم واهتماماتهم. بين رفض الأهل لتخصصات الأبناء الأكاديمية وما يقابلها من رغبات الأبناء في تحقيق أحلامهم المستقبيلة..

 

ماذا يختار الأبناء؟

هيا سامح خريجة كلية تربية، كانت تحلم بأن تصبح خبيرة تجميل، ولكن بحكم الظروف ورفض الأهل لرغباتها اضطرت لتغيير تخصصها، تقول: " انتمي إلى عائلة محافظة نوعاً ما، وكانوا ينظرون إلى هوايتي وشغفي بالماكياج والتجميل أنها مجرد شغف مؤقت وسوف ينتهي، وعندما انتهيت من الثانوية العامة، كنت أخطط قدماً نحو الالتحاق في أكاديمية التجميل، ولكن للأسف قوبلت فكرتي بالرفض، لذلك اضطررت للالتحاق بكلية التربية فقط من أجل ارضاء أهلي، وبعد أن تخرجت من الجامعة بدأت العمل في نفس مجال تخصصي، ولكن لم أجد المتعة في ذلك". لم تتخلى هيا عن أحلامها، حيث أنها تعلمت فنون التجميل في إحدى الأكاديميات، وبدأت تمارس مهنتها المفضلة لديها، على صديقاتها وزميلاتها في العمل، تقول: " رغم رفض أهلي وعدم وجود ثمة مشجع لي من وسط العائلة إلى أن الإصرار على تحقيق الأحلام جعلني أكافح في سبيل تحقيق حلمي".

 

لم يكن لدى رغدة هلال أي توجه ورغبة أكاديمية معينة، ولكن والدتها نصحتها بدارسة إدارة الأعمال، وبالفعل حصلت رغدة على درجة البكالوريس من الجامعة الأمريكية بدبي، وعندما قررت الالتحاق بسوق العمل، عملت في مجال التسويق والعلاقات العامة، وهي سعيدة جداً بعملها الحالي، وعلى الرغم من اختلاف التخصص الجامعي عن العمل، فإنها ترى أن دراستها الجامعية " إدارة الأعمال"، مفيدة لجميع المهن، وتقول: " دائماً لأولياء الأمور رؤية صائبة لمسار مستقبل أبنائهم، ورغم أن والدتي متوسطة الدراسة، إلا أن اختياراتها ناجحة وأنا أثق بها كثيراً، لذلك استشير والدتي في كل صغيرة وكبيرة، وهي نصحتني بضرورة التطوير في مجال عملي، والعمل على تأسيس شركة خاصة بي، يعتمد نشاطها على العلاقات العامة الذي أبدع فيه".

 

 

المال يكسر الطموح

رغم تفوقها العلمي إلا أن هبه خميس كانت تنوي الالتحاق بكلية الأدب ودراسة الأدب الفرنسي والانجليزي، ولكن والدها اقنعها بدراسة العلوم المصرفية، تقول: " لم أشأ أن أعارض رغبة والداي، لاسيما وأنا البنت البكر لديهما، والتحقت بالمعهد المصرفي، ولكن بنفس الوقت مازلت انمي مهارات اللغة الإنجليزية والفرنسية واعمل على قراءة الأدب والمسرح العالمي". تقول هبة أنها حاولت اقناع والديها برغباتها ولكن بسبب الوضع المادي الذي تعيشه اسرتها اضطرت لدراسة العلوم المصرفية التي تعتبر أقل في التكلفة، وتقول بأنها بعد التخرج سوف تلتحق بسوق العمل لتكسب المال، لتعود مجدداً لدراسة الأدب الفرنسي والانجليزي.

الهندسة من المهد

أما شادي نبيل، فكان يحلم بدراسة المحاسبة، ولكن والديه فرضا عليه دراسة هندسة الكمبيوتر، يقول: " لم تكن لدي الرغبة في دراسة الهندسة ولكن والداي منذ الصغر أطلقا علي لقب "المهندس شادي"، وعندما حصلت على الشهادة الثانوية بتفوق، التحقت بكلية الهندسة، ومع الوقت احببت هذا التخصص، لانه يجمع بين علوم الرياضيات والهندسة كذلك". وعندما أتخرج اتمنى العمل في نفس مجال تخصصي، فالرياضيات بالنسبة لي هواية وعن طريقها أستطيع أن أبدع في تخصصي".

 

وكذلك هو الحال بالنسبة لحازم سعيد الذي كان ينوي دراسة الطب وتحديداً مجال جراحة الأعصاب، ولكن ولدته نصحته بدراسة الهندسة الإلكترونية، ويقول: " كنت أعشق مادة الأحياء وفي نفس الوقت كانت تستهويني الأجهزة الإلكترونية دائماً، ووالدتي نصحتني بدراسة الهندسة، كون أن سنوات دراستها قليلة بالمقارنة مع الطب الذي يحتاج إلى 7 سنوات من الدراسة والتخصص، وبعد أن تخرجت من كلية الهندسة بثلاثة سنوات، لم اجد الراحة في العمل، كون الطب مازال مسيطر علي". يقول حازم بأن كان يتردد على كلية الطب في الجامعة، ويستكشف خبايا هذا التخصص من زملائه الملتحقين بكلية الطب، ويقول: " لن أتدخل في مستقبل ابني والتخصص الذي يريد الالتحاق به، فهذه حياته ورغباته، وأنا نادم كثيراً لاني لم أدرس الطب، الذي لربما أبدعت فيه أكثر".

 

 

موروثات فكرية مغلوطة

يقول المستشار في التنمية البشرية والاجتماعية سعد الهاشمي ، من الموروثات الفكرية السائدة في معظم المجتمعات العربية، إجبار الأهل لأولادهم على تخصصات يحبونها كالطب والهندسة، لما لها من مستقبل باهر حسب تصورهم، في المقابل يستبعدون تماماً كل التخصصات الأخرى، بل ويشككون في قيمتها العلمية والمهنية، والأهم من ذلك القيمة المادية. وهنا يبدأ الطالب تخصصه الجامعي على مضض وهناك مئات الحالات لا ينهي دراسته، فبعضهم يشعر بالإحباط ويترك الجامعة إلى غير رجعة لعدم انسجامه مع التخصص المفروض عليه، والبعض الآخر ينجح بعد عناءٍ في إقناع أهلة بتغيير تخصصه الجامعي، بعد ضياع سنين من عمره وبجهد ومال أيضاً.

 

 

(تحقيق رنا إبراهيم)

المزيد
back to top button