حين يصبح البحر أسود والجغرافيا أوروبيّة-آسيويّة، يبتسم لنا بلد واحد هو ! لنتعرّف إلى هذا البلد الجميل الكائن في منطقة القوقاز.

 

نتذكّر كلّنا ثورة الزهور التي جعلتنا في عام 2004 نكتشف الهويّة السلميّة لهذا البلد الصغير المطلّ على البحر الأسود والذي خرج من ماضٍ سوفياتي ودخل مباشرةً أرض الواقع. نزل المتظاهرون المحتشدون حاملين الأزهار إلى الشارع ونجحوا في جعل شيفاردنادزه يستقيل من منصبه، ما فتح لهم درب الديمقراطية. اليوم، يخرج الزائر من مطار تبليسي لينعم بإقامة جميلة في أقطار جورجيا.

 

تناقضٌ وتنوّع

أكان في التاريخ أم في الطبيعة أم في التأثيرات الثقافيّة، يجسّد البلد العديد من التناقضات المختلفة التي تنتهي دوماً بالتآلف في ما بينها بغية تعريف الزائر إلى صورة خفيّة جميلة لبلد صغير وغنيّ. تأثّرت جورجيا بالشعوب السلافيّة والتركيّة أو الفارسيّة، وهي تقع بين سلسلتي جبال القوقاز الكبرى والصغرى، ولها قدم في آسيا وأخرى في أوروبا. وما زالت جورجيا تعيش في الحاضر ماضياً مسيحيّاً، وسط أجواء ما بعد الاتحاد السوفياتي، وأنظارها موجّهة كلّياً نحو الحداثة والعصريّة. وهذا التنوّع نجده في تضاريسها أيضاً بالرغم من صغر مساحتها، إذ ننتقل من أسفل الوادي إلى أعالي الجبل ثمّ إلى شاطئ البحر بلمح البصر.

 

خلال بضعة أيّام، يمكن اكتشاف روائع تبليسي الهندسيّة والذهاب لاكتشاف مجمّعاتٍ سكنها رجل الكهف في مناظر طبيعيّة وحشيّة، والتنزّه في ظلّ أعلى قمم في جبال القوقاز، كما يمكن النزول في البحر الأسود قبل الاسترخاء في حانة Khakhétie لتذوّق النبيذ البلدي الذي يطوّر كرومه رويداً رويداً.

 

كنائس وأرز لبنان

في هذه البقعة من العالم تكثر الرموز الهندسيّة والكنائس، كبيرة كانت أم صغيرة، وهي ممتلئة وملوّنة وتضجّ بالإيمان وبعيدة كلّ البعد عن فتور الكاتدرائيّات الجميلة في أوروبا الغربيّة التي تحوّلت إلى ما يشبه المتاحف.

 

هنا، تقبع في وسط الحياة وفي يوميّات الناس. بالتالي يستحيل أن نتهرّب من الدخول إلى أكبرها وهي كاتدرائيّة Trinité في تبليسي التي انتهت الأعمال فيها منذ 15 سنة فقط، أو إلى أقدمها وهي كاتدرائيّة Svétitskhové، أكبر بناء إكليريكيّ تاريخي في البلاد. وتخبر ويكيبيديا عن هذه الكاتدرائيّة الواقعة حاليّاً في متسخيتا التي تبعد 20 كلم عن العاصمة، عن شخص اسمه إلياس شارك في صلب المسيح "اشترى من جنديّ روماني ثوب المسيح وجلبه إلى جورجيا. وحين أمسكت شقيقته سيدوني الثوب المقدّس، اجتاحها شعور قويّ ماتت بسببه لكن كان من المستحيل نزعه منها فدُفنت معه. ونبتت شجرة أرز من لبنان فوق قبرها". وعلى هذا المكان بالتحديد بُنيت الكاتدرائيّة.

 

لينين وماك دونالد

أكان في تبليسي العاصمة أم في مكان آخر في إحدى المدن الأخرى، ينقلنا المشهد المدنيّ باستمرار من الأبنية السوفياتية البارزة في تلك الحقبة إلى الأبنية الأكثر جنوناً ورياديّةً، ومن الشيوعيّة الهندسيّة إلى رأسماليّة الحديد والألياف والباطون. لكنّ كلّ شيء له بعد إنسانيّ للغاية فتتشبّه المدينة بقرية، والعاصمة بحيّ هادئ وسكنيّ من أحياء مدينة أوروبيّة، مع البلاط في كلّ مكان وألوان متفاوتة تمنح انطباعاً بالعيد وفرحة العيش.

 

باطوم المرحة

تقبع باطوم على ساحل البحر الأسود، وهي مدينة ماضيها عثمانيّ وحاضرها حيويّ وعصريّ، وتستمدّ انفتاحها من موقعها، ففيها أوّل مرفأ في البلاد، كما تستمدّ روعتها المدنيّة من رغبتها في لفت الانتباه ومن فضولها. هنا، نحن أمام هندسة رياديّة وسط أجواء مفعمة بالألوان تقارب فيها الحمّامات الشرقيّة القديمة الأبنية الجنونيّة والخياليّة.

 

بين الغناء والرقص

من حقبة ما قبل التاريخ حتّى الحقبة المسيحيّة ثمّ حتّى الزمن السوفياتي وصولاً إلى أيّامنا هذه، احتلّت الموسيقى والغناء مرتبة مهمّة جداً في حياة سكّان جورجيا بمختلف أعمارهم. وفي عام 2001، أعلنت اليونيسكو أنّ الغناء الجورجي هو تحفة معنويّة من التراث الثقافي!

 

فتتعدّد فيها الآلات الموسيقيّة (سالاموري، تشونغوري، باندوري، تشيانوري، غوداستفيري، ديبليبيتو، طبول وقيثارات...) والأغنيات لتشهد على تنوّع البلاد التي تقارب ثقافات مختلفة وعديدة والتي تفتح حدودها مع أرمينيا وتركيا وروسيا وأذربيجان، كما تنفتح على البحر الأسود من كلّ جوانبها. في بلدٍ يُعدّ فيه الرقص أساسيّاً كالهواء، تعكس المجموعة الكبيرة من الرقصات التقليديّة انخراط الجغرافيا في التاريخ وتدخّل لحظات الحياة في المزاج الحاليّ.

 

وهنا، نذكر منها Shejibiri وهي رقصة الرجال على رؤوس أقدامهم، Jeirani أو صيد الغزلان، Khorumi، معركة بطوليّة بين الأتراك والمغول، Smidi رقصة العرس، Karachokheli رقصة حرفيّي البلديّة، وSamaia التي تجسّد ثلاث أميرات من القرون الوسطى...

 

المأكولات

يتميّز مطبخ جورجيا بكونه مطبخ مشاركة ففي بلد يعدّ فيه الزائر هديّة، ليس مفاجئاً أن يكون الطبخ انعكاساً وافراً لحسن ضيافة أهل البلد. وهذا يتجلّى خاصّةً خلال حفلة Supra التقليديّة حيث التعايش مع كمّيات كبيرة من النبيذ. أمّا الجوز فهو الحجر الأساس في هذا المطبخ تماماً مثل الخبز والفاكهة الطازجة والأجبان. خصّصي مكانة مهمّة للخبز بمختلف أنواعه فهو يُقدَّم على الدوام ساخناً ويحضّر على ما يُشبه التنّور لدينا. وتجلب التوابل أيضاً القليل من الدفء والعمق لأطباق اللحوم.

 

أمّا الكزبرة والبقدونس فنجدهما في كلّ السلطات. لا تتردّدي في تذوّق khinkali، الرافيولي الكبيرة، وKhachapuri، العجينة الساخنة المزوّدة بالبيض والجبنة، وMtsvadi وهي قطع من اللحم المشويّ وSoko Kecze، والفطر بالفرن وكبيس جورجيا، فضلاً عن جبنة Sulguni الشهيرة وباذنجان Badrijani بالجوز من دون أن ننسى Pkhali النباتي والسلطة المحليّة المصنوعة من البندورة الطازجة والخيار والمتبّلة مع الأعشاب والجوز. ثمّ هناك ميزة إضافية للّبنانيّين، فهذا البلد المضياف والقريب يفتح لنا أبوابه للدخول من دون تأشيرة! رمية حجر ونصل إلى جورجيا لنستمتع!

 

رودريغ زهر

 

للوصول إلى المكان الاتّصال بوكالة نخّال للسفريات. www.nakhal.com

 

 

المزيد
back to top button