يعد التحرش الجنسي بالأطفال وذوي الإعاقة من الظواهر الجديدة والدخيلة على مجتمعاتنا، وقد لا تعتبر هذه الظاهرة هي وليدة اللحظة ولكنها استفاقت من غيبوبتها لتدق أجراس الخطر في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية، وتأخذ ظاهرة التحرش الجنسي بذوي الإعاقة والأطفال بصفه عامة بعداً خطيراً عندما يتعلق الأمر بالأطفال دون سن البلوغ، لكونهم هم رجال ونساء المستقبل، ونظراً لاعتبار التحرش الجنسي بهم شأناً خاصاً في بعض الأحيان، ولا تتم مناقشته بالصورة الحقيقية، سواء من ناحية الإعلام أو المجتمع المدني، ويرافق ذلك نقص في التوعية، وغياب التربية الجنسية العملية الشاملة في المدارس، حيث يجري التكتم عن الموضوع وتصنيفه ضمن إطار الشرف والعار، ما يدفع مجتمعاتنا العربية للتعامل مع موضوع التحرش الجنسي بإحدى طريقتين، إما التهويل أو التهوين.
عن واقع التحرش بالأطفال وذوي الإعاقة، أكدت الدكتورة ملك الرشيد، رئيسة مكتب الاعتماد الأكاديمي في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، أنه لا يوجد تعريف رسمي لمعنى الإساءة الجنسية للأطفال حتى الآن، لذا فقد اختار معظم الباحثين استخدام تعريف منظمة الصحة العالمية. وفقا لهذا التعريف، فإن الإساءة أو الاعتداء الجنسي على الأطفال هو شكل من أشكال العنف ضد الأطفال والتي يعتدي فيها الكبار أو المراهقين الأكبر سنا على الطفل من اجل الاستثارة الجنسية. وتشمل أشكال الاعتداء الجنسي على الأطفال سؤال الطفل أو الضغط عليه للانخراط في أنشطة جنسية، والتعرض غير اللائق للأعضاء التناسلية للطفل، والاتصال الجنسي الفعلي مع الطفل، والاتصال الجسدي بالأعضاء التناسلية للطفل، ومشاهدة الأعضاء التناسلية للطفل دون اتصال جسدي، وجميع الأفعال التي تنتهك القوانين أو المحرمات الاجتماعية للمجتمع".
أكثر من 1200 طفل متحرش به في زمن الحرب
أجرى الدكتور نعمان هادي الخزرجي، مع الدكتورة آمنة فاضل محمود، من كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة في جامعة بابل، بحثاً علمياً تحت عنوان " التحرش الجنسي للأطفال والنساء، بعد احتلال العراق عام 2003"
يقول الدكتور نعمان: "يهدف البحث التعرف على حالات التحرش الجنسي للأطفال والنساء والإعلاميات بعد احتلال العراق، واستخدمنا المنهج الوصفي بأسلوبه المسحي، وتم الاعتماد على الإحصائيات المقدمة من منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، وشمل البحث على أكثر من 1200 حالة مثبته في السجلات الرسمية والبعض منها لم يثبت بشكل رسمي".
بينت الدراسة أن 3 مليون طفل عراقي يعيشون ظروف قاهرة من المرض والفقر، وأن 1200 طفل دون سن 18 سنة محبوسين في السجون، و 11 ألف طفل مدخن، عدا هن 1200 مجموع حالات التحرش الجنسي رسميا، وتم زج 350 طفلاً من المتحرش بهم في دورات تثقيفية وتوعوية لإعادة دمجهم في المجتمع من جديد. وتوصلت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات، وهي: تعرض الطفل لكبت نفسي هائل لعدم إفساح المجال له ليتحدث عن ما يحصل له وسيصبح الطفل معرض لمرض نفسي خطير مع مرور الوقت سيسيطر عليه وسيعده مستقبلة، إن الآثار السلبية للطفل المتحرش به سوف تترك آثار نفسية كبيرة ومستقبلية على الحياة الطبيعية للطفل مستقبلا. وعليه انفق الباحثان على التوصيات التالية، وهي: تفعيل دور المرشد التربوي وزيادة كفاءته من خلال البرامج التدريبية الفاعلة والمتضمنة لموضوع الوقاية من الإساءة للأطفال، ومن ضمنها التحرش الجنسي وقبل هذا توصي الدراسة بضرورة تعيين مرشد تربوي واحد على الأقل في كل مدرسة ابتدائية في العرق، وتحذر الدراسة من عقاب الطفل لأنه ليس بمذنب، وعلى الوالدين التقرب منه وإشعاره بالحب ولكن دون مبالغة حتى لا يشعر بأن أمراً غريباً حصل في حياته.
مؤشرات الخطر!
دكتور علم النفس، محمد النحاس يقدم وصف نفسي دقيق للشخص القائم على التحرش بذوي الإعاقة والأطفال، ويقول: " هو إنسان غير متوازي نفسياً فهو شاذ، يستغل وضع الصغير من أجل إشباع رغباته، وأيضاً هو ضعيف وجبان في نفس الوقت، لأنه يتستر وراء شخص ضعيف".
كما ذكرنا التحرش أنواع، وغالباً حين يكتشف أولياء الأمور كارثة تحرش الخدم بالأطفال، يتبادل في أذهانهم تساؤلات حول نوع التحرش الذي أصاب طفلهم، يقدم النحاس علامات خارجية تظهر على سلوك الطفل الذي تعرض للتحرش، يقول :" إذا ظهرت بعض العادات الجنسية الغريبة، فهو غالباً ما تعرض للتحرش، كأن يضع يده على أعضائه التناسلية، واهتمام بالمواضيع الجنسية إما الكلامية أو السلوكية، بالإضافة إلى الخوف والانزعاج والقلق، والتبول اللاإرادي ومص الإصبع، ومشاكل في النوم ورفض النوم وحيداً، وغيرها من السلوك العدوانية".
العقوبة القانونية
من جانبها تقول المحامية كوثر إبراهيم، "أن نيابة الأسرة والأحداث هي المسؤولة عن كل المشاكل الداخلية للأسرة، كما وفرت حكومة دبي مركز رعاية الأسرة والأطفال، التي بدورها تهتم بجميع المشاكل الداخلية للأسرة، على سبيل المثال: في حالة اعتداء رجل من الخارج على طفل ينال نفس عقوبة اعتداء خادمة عليه، ولا يوجد قانون عقوبات خاص للخدم، أي لا يوجد قانون مخصص لفئة معينة ما عدا قانون الأحداث".
ينال القائم على فعل التحرش عقوبة صارمة استناداً إلى قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 للعام1987، والذي توضحه كوثر، وتقول: " التحرش هو هتك عرض بالإكراه ويعتبر التقبيل وتحسس أعضاء الجسم من ضمن جريمة التحرش، و تنص المادة المادة 354 من نفس القانون، على عقوبة الإعدام لكل شخص استخدم الإكراه في مواقعه أنثى أو اللواط مع ذكر، كما يعتبر الإكراه قائماً إذا كان عمر المجني عليه أقل من أربعة عشر عاماً وقت ارتكاب الجريمة. هذا في حال المواقعة، ويعاقب على الشروع بالسجن المؤبد، وتنص المادة 356 بمعاقبة كل من يقوم على هتك العرض بالرضا بالحبس مدة لا تقل عن سنة ، فإذا وقعت الجريمة على شخص ذكر كان أم أنثى تقل سنة عن أربعة عشر عاماً ، أو إذا وقعت الجريمة بالإكراه كانت العقوبة السجن المؤقت. وفي حال موت المجني عليه سواء أكان ذكراً أو أنثى يعاقب بالإعدام كما نصت المادة 357 من نفس القانون".
تحقيق رنا إبرهيم