عراقي يبدع برسم لوحات بالبكتيريا!

رغم أن التحليلات الطبية والفن لا يلتقيان إلا نادراً، فإن مصطفى الياسري استطاع أن يصبح حلقة وصل بينهما برسمه لوحات تجمع ما بين العلم والفن باستخدام البكتيريا، مستفيداً من بيئة المختبر التي يعمل بها.

 

واقتحم الياسري عالم الرسم بالبكتيريا، الذي يعتبر فناً حديثاً أخذ بالانتشار بين أوساط المهتمين بالطب والبكتيريا بعد عام 2000.

 

وحول بداياته وما الصعوبات والتحديات التي واجهها في عمله، يقول الياسري: “أثناء عملي على مستعمرات البكتيريا التي تنمو على أطباق أجار الدم جاءتني فكرة استخدام الأطباق التي لا يظهر عليها نمو للبكتيريا بالرسم والتجارب العلمية بدلا من إتلافها”

 

وأضاف أن تجربته الأولى كانت مع بكتيريا “المكورات العنقودية”، حيث قام برسم زهرة بطريقة مبسطة باستخدام الـloop ثم أخذ عينة من هذه البكتيريا، ورسمها ثم زرعها على طبق الأجار لوحات فنية باستخدام البكتيريا، وبعد ذلك وضع العينة المرسومة في حاضنة البكتيريا.

 

وأضاف أن الموضوع كان أشبه بالتحدي لأن النتائج لا تظهر إلا بعد 24 ساعة، فالأمر شبيه بالرسم في الهواء حيث لا يمكن مشاهدة الخطوط المرسومة، وهذا ما يحتاج إلى خيال واسع للرسم بطريقة صحيحة دون حدوث أي خلل في اللوحة. وفي اليوم التالي، ذهب الياسري لإخراج العينة من الحاضنة ورؤية النتائج ليتفاجأ بنجاحها، الأمر الذي جعله في دهشة كيف تمكنت هذه الأحياء المجهرية بأن تنمو بالشكل الذي تم تصميمه لها.


عند سؤال الياسري عن المراحل التي تمر بها أي لوحة يرسمها بالبكتيريا، يجيب بأن أي رسمة تمر بعدة مراحل أولها تهيئة الحاضنة المعزولة، والتي يتم العمل بداخلها وذلك بتعقيمها لتكون خالية من أي بكتيريا أو طفيليات ضارة ممكن أن تؤثر على مجرى العمل.

 

اما المرحلة الثانية، فتكون بتحضير طبقين من أطباق زراعة البكتيريا، الطبق الأول يحتوي على العينات التي يعمل عليها، والثاني فيجب أن يكون نظيفاً كي يبدأ الرسم عليه.

 

المرحلة الثالثة، تكون بتحضير أداة الزرع وأنبوب صغير والـ burner وهي شعلة غازية أو نفطية يجب أن تكون قريبة من العمل لاستخدامها في تعقيم الأدوات وبشكل مستمر حتى انتهاء رسم اللوحة لتجنب نمو أي بكتيريا ضارة ممكن أن تسبب تلوثا وبالتالي تشويه الرسمة.

 

المرحلة الرابعة والأخيرة، وهي الأصعب حيث يتم الرسم بدقة متناهية وتركيز مستمر، لأنه يتم العمل دون التمكن من مشاهدة ما حوله معتمدا على التركيز العالي والخيال الفني.

 

ووأضح الياسري أن العملية تستغرق من ربع إلى نصف ساعة يقوم بعدها بوضع الطبق في الحاضنة البكتيرية للزراعة بدرجة حرارة ما بين 36 إلى37 درجة مئوية ولمدة 24 ساعة حتى تكتمل عملية نمو وزرع البكتيريا لتكون اللوحة جاهزة.


وتقول سالي أمير وهي تقنية تحليلات مرضية، إن البكتيريا عالم واسع مليء بالأسرار لأنها موجودة في كل مكان وبذلك تعتبر من أكثر الكائنات الحية انتشارا في الطبيعة، فهي موجودة على سطح جسم الإنسان وفي داخله وعلى هاتفه المحمول ومقبض الباب وفي الهواء، وغيرها ومن دونها يموت الإنسان، فليست كل البكتيريا ضارة، فالموجود منها بالجهاز الهضمي مثلا يساعد في تكسير الغذاء وتحويله إلى طاقة.

 

وأضافت أنه بسبب سهولة تداولها وسرعة نموها وقدرتها على التأقلم أصبح الرسم بالبكتيريا شغفاً للعديد من طلاب العلم والمختصين بالأحياء المجهرية وذلك باستخدام البكتيريا والفطريات لرسم لوحات ذات طابع فني خاص رغم صعوبة إنجاز العمل، فهي تحتاج إلى شخص مختص بهذا العلم يعرف كيف ينسق البكتيريا ويوجه حركتها ونموها ضمن حدود يضعها.

 

وتعليقاً على هذا الفن، قال الناقد والفنان التشكيلي مصطفى أكرم، إن الرسم بالبكتيريا يعتبر أحد مظاهر الحداثة الفنية التي ظهرت في العصر الحاضر من قبل قلة من الفنانين من ذوي الاختصاص الطبي لصعوبة الجمع ما بين الفن والعلم بمكان واحد. وأضاف أن هذا الفن يحتاج إلى دقة وإبداع فني بمواد عضوية ومجهرية، وهو ما يشكل تحدياً لرواده، معتبراً أن هذا يجسده مصطفى الياسري في لوحاته “التي بهرتني وأثارت تساؤلاتي كفنان وناقد من ناحية الدقة والجمالية والعلمية”.

 

(نقلاً عن وكالة الرأي)

المزيد
back to top button