يعتبر سرطان الثدي من أكثر الأمراض المخيفة بالنسبة للنساء، فهو ثاني أكبر سبب للوفيات بعد سرطان الرئة. وهو أكثر السرطانات شيوعاً بين السيدات، فمن بين كل امرأة 8 نساء معرضات للإصابة بالسرطان. وبحسب منظمة الصحة العالمية يلاحظ ارتفاع معدلات وقوع هذا السرطان في العالم النامي نتيجة زيادة متوسط العمر المأمول وزيادة التوسّع العمراني واعتماد أنماط الحياة الغربية. في المقابل تشير احصائيات هيئة الصحة في ابوظبي، أن حوالي 130 سيدة تصاب سنوياً بسرطان الثدي في إمارة أبوظبي، معظمهن بعمر 45- 54 سنة، ومعظم الحالات المكتشفة تكون في مرحلة متأخرة.
حقيقة المرض
تعرف الدكتورة الإماراتية حورية كاظم المتخصصة في جراحة الثدي، المفهوم العلمي من سرطان الثدي، وتقول : " هو مرض يصيب بطانة الخلايا التي تنتج الحليب ثم ينقسم بطريقة يصعب السيطرة عليها ثم يبدأ في تكوين كتل صغيرة وتكبر مع الوقت، وإذا لم يتم علاجها فإنها تنتشر في كامل الجسم".
ثمة علامات واضحة تشير إلى حدوث سرطان ثدي، منها ظهور كتلة غير مؤلمة في الثدي وفي بعض الأحيان تكون مؤلمة، مع ظهور تغيير في حلمة الثدي. تقول حورية أن 10 % من أسباب سرطان الثدي تعود لأسباب جينية والبعض الآخر لأسباب تتعلق بالهرمونات أو التعرض للإشعاع ولكن الأسباب الحقيقية غير معروفة حتى الآن. ترى حورية أن تكاليف العلاج مكلفة جداً، لذلك تنصح النساء بالفحص الدوري والمبكر، وإتباع نظام صحي، بالإضافة إلى الإيجابية في التعامل مع المرض، تقول: " أنصح النساء بالخضوع لتصوير إشعاعي سنوياً وإجراء الفحص الذاتي شهرياً. والفحص الدوري ليس فقط للثدي إنما للجسم ككل، ويشمل الفحص ضغط الدم والسكر والثدي لمعرفة إذا كان هناك خلايا سرطانية أم لا والتعامل معها وعلاجها قبل أن تستفحل". ترى حورية أن مرض سرطان الثدي يصيب النساء والرجال، إذا إن 0.5 إلى 1% من إصابات الثدي تستهدف الرجال، وتقول أن الخوف هو السمة الأساسية التي ترافق معظم المصابين بالمرض، لذلك عليهم التحلي بالإرادة والعزيمة على محاربة المرض التي تبدأ من الشخص نفسه قبل العلاج، وتحدد طرق علاج المرض، وتقول: " جميع المريضات يحتجن إلى عملية جراحية يزال من خلالها جزء من الثدي أو استئصال الثدي بأكمله، والبعض منهن يحتجن إلى علاج كيميائي أو إشعاعي أو علاج بالهرمونات".
بالحب والابتسامة العريضة
بالحب والإرادة والابتسامة العريضة والروح المتفائلة استطاعت النيوزلندية فيليبا تجاوز كارثة سرطان الثدي التي أصيبت بها في فبراير المنصرم، تروي رحلة معاناتها مع المرض، قائلة: " لم أكن أتخيل أن أصاب بسرطان الثدي وأنا في عمر الشباب، عندما علمت بنبأ إصابتي كنت أستعد للزواج بشريك العمر، وعلى الرغم من هذا خطيبي في تلك الأثناء لم يستغني عني أو يتراجع كما يفعل بعض الرجال، ولكن أثبت لي حبه الحقيقي والأكثر من ذلك إنسانيته التي أكن له كل الاحترام و التقدير، كما لا أنسى دور أهلي الذين جاءوا لزيارتي من نيوزلندا إلى دبي، فور علمهم بمرضي، ومكثوا معي طوال فترة العلاج الكيميائي والعملية الجراحية، والذين بدورهم خففوا عني معاناة المرض، وقدموا لي العون والمساعدة، تجاوزت من خلالهم معاناة المرض والغربة في نفس الوقت".
تزوجت فيليبا بفارس أحلامها في أغسطس المنصرم، وهي اليوم تمضى أيامها بأحلام وأهداف جديدة، تقول: " على الرغم من العلاج الكيميائي الذي خضعت له وما يصاحبه من آثار واضحة على شكلي الخارجي إلا أنني تمكنت من مواجهة ذلك لاسيما مبادرة كن جميلا التي ساعدتني على مواجهة هذه الأزمة، وأقدم نصيحة للنساء بأن عليهن بالفحص الدوري لأجسادهن، كما أن مريضات سرطان الثدي يحتجن في المقام الأول إلى دعم نفسي ومعنوي قبل العلاج".
بعيداً عن المادة وصولا لعالم النور
لم يكن مرض سرطان الثدي هو المعاناة الوحيدة التي تعرضت لها كوثر محمد المقيمة في دولة الإمارات منذ أكثر من 35 سنة، فبعد أن فقدت كوثر زوجها وتوفيت ابنتها الصغرى فجأة، بات جسدها بمثابة مستودع يتجمع به الأمراض، تقول كوثر بعيون حالمة نحو الراحة، " لم أكن أعاني المرض في السابق سوى مرض السكري، لكن بعد الصدمات النفسية التي تلقيتها انهال علي المرض كالمطر، قبل حوالي 10 سنوات أصبت بسرطان الثدي، وتم بتر الصدر بأكمله، كنت أعيش حياة نفسية صعبة، وخاصة وأنا أعاني مرارة الغربة، لكن كان هناك أمل، لاسيما رؤية أحفادي ومداعبتهم، والحمد لله استطعت تجاوز تلك المرحلة، وأصعب ما كان فيها هو العلاج الكيميائي الذي كنت أتلقاه في مستشفى توام في مدينة العين، حيث كنت أعاني التعب والإعياء الشديدين، وللأسف القليل من الناس والأصدقاء من دعموني وساندوني في تلك الفترة، ففي وقت المصائب يختبر الإنسان إذا كان مصلحجياً أم لا". للأسف بعد أقل من عامين من شفاء كوثر من السرطان، تعرضت لسرطان آخر وهذه المرة كان في الرحم، وبنفس الطريقة تم إزالة العضو وتعرضت للعلاج الكيميائي، تقول كوثر: " بسبب العلاج الكيميائي بات جسدي منهكاً حيث أصبت بأمراض القلب، ومؤخراً بت أعاني من مرض تليف الرئة الخطير، الذي يعود أسبابة للعلاج الكيميائي".
الأمومة وحب الحياة
نموذج آخر للتحدي والإدارة يظهر في شخصية الإماراتية فخرية لطفي، التي عانت من مرض سرطان الثدي، واستطاعت بإرادتها وتفكيرها الإيجابي تجاوز المرض، تقول:" في العام 2004 اكتشفت المرض في مستشفى راشد بدبي، وكنت في المرحلة الثانية، وسافرت بعدها إلى بريطانيا للتأكد من الفحوصات، وبالفعل أثبتت الفحوصات إصابتي بمرض السرطان، وتم استئصال العضو بشكل كامل، وكان هذا الشيء باختياري، وخضعت للعلاج لمدة السنة تعرضت خلالها لعمليتين جراحيتين فضلاً عن العلاج الكيميائي والإشعاعي".
تقول فخرية أنها اختارت السفر للخارج خوفاً على أطفالها لأنهم كانوا آنذاك في المدرسة وتخشى أن يروها وهي بحالة صحية سيئة، ما يؤثر سلباً على نفسيتهم وتحصيلهم الدراسي، توضح: " لدي 3 أبناء، وعندما سافرت كان ابني الصغير لم يتجاوز العام، وغربتي عنهم طوال تلك الفترة كانت صعبة للغاية، لكن خلال الفترة وفي إجازة الصيف جاءوا لزيارتي وكان وضعي الصحي أفضل من قبل، والحمد لله خلال فترة العلاج كنت نفسياً مرتاحة بغض النظر عن طبيعة الأدوية والعلاج الكيميائي والإشعاعي الذي تعرضت له، لكن ذهنياً أشكر الله على وجود علاج للمرض". تقول فخرية أن وزنها بدأ يزداد بعد العملية وهذا مؤشر خطر على صحتها، لأن السمنة تؤدي إلى حدوث أمراض عديدة، لذلك تحرص على المحافظة على نفسها من ناحية التغذية واللياقة البدنية، تعلق قائلة: " العلاج الكيميائي قضى على السرطان ولكنه في الوقت ذاته أثر على صحة جسمي، لذلك أسعى أن أعوض جسدي عما فقد بالتغذية والرياضة، والفحص الدوري كل 6 شهور".
تحقيق رنا إبراهيم