تقبرني يا بلدي!

"يا دلّي يا ستي، الله لا يجرب حدا، ما في أصعب منا الواحد يموتو ولادو قبلو." 

بطريقتها العفوية كانت تعبّر جدتي عن الحب غير المشروط الذي تشعر به كلّ ام(وأب طبعاً) ، حبت، ربّت، علّمت وكبّرت اطفالها. 
فحتى اليوم ما زلنا نبحث عن طريقة نفسر بها عبارة " تقبرني" لغير اللبنانيين التي  تدخل بصلب ثقافتنا وعائلاتنا. وبعد عمر وحياة، أجمل ما يتخيله والد أو والدة، هو الوقوف في يوم زفاف ابنتهما التي ناضلا لتصبح انثى قوية ومربية صالحة، تكمل من بعدهما مسيرة الحياة بتربية اطفال سعداء في هذا الوطن. وكما يقول المثل" كل عرس إلو قرص" لكن أحياناً القرص يدوم مدى الحياة.


عندها،  أسوأ ما قد يشعر به الأهل، هو الوقوف  وقفة حزن.
صحيح، أن ما هو مقدّر لنا وعلينا قد لا نستطيع تجنبه  فالله عادل ولكن...!
 الظلم والقتل، عدالتهما على الأرض ليس في السماء. 
برجفة وقفتُ امام رجل سبعيني،  يدلّ شعره الأبيض على عمر مضى، على حياة وخيارات على ضحكات وعلى دموع ذرفها، وقال ما  لم يتخيله عقله يوماً: "اضهرو من بيوتكن ما تتحملو هيدا الوضع المزري، منكن مضطرين تتحملو. ارجعي عبيت أهلك."




نعم رجل، وصل إلى أعوامه الذهبية، وقف أمامي بدموع يكبتها، بحرقة لا يمكن ايصالها بالكلمات، وطلب من كل امرأة معنفة ان تطلب النجدة. 
الحَجّة، الموقف نفسه، يدان ترتجفان وصوت تخنقه الدموع قالت: "لشو قاعدة ساكتة، حتى لو عندك ولاد كرامتك قبل الدني كلها".
ووالدة ضحية اخرى: "الأهل الي ربو بنت صغيرة  عززوها وكرموها ودللوها، ما رح يرضو تتعنف عند رجال ما يعرف قيمتها ويحترمها كامرأة بتحافظ ععيلتو، المرأة منا سلعة يتاجر فيها."



وآخر: "بنت عمي، صارت رقم، شو ناطرين؟ القانون هيدا مش قانون هيدا مُسكِّن، القضاء عشو بيستند اذا بدو يحكم؟ ما في رادع بدنا رادع.
عندك خلاف مع مرتك طلقها؟ ليش قاعدين بنفس البيت على عداء، منكن مجبورين كرامة الناس أو الرأي العام أو الولاد أي كرامة؟ عم تروحو ضحايا." 

لن أذكر أسماء الأهالي لا لأنهم غير مهمين، بل لأنهم ثكلى، ساروا مدة ساعتين من المتحف لقصر العدل خلال مظاهرة دعت إليها جمعية كفى السبت 30 مايو/ أيار  2015كرروا شعارات قيلت لهم، ليطالبوا بحقهم الشرعي/ القانوني المحقّ وهو محاكمة قاتلي بناتهن. مارسوا حقهم الأساسي بالتظاهر، رفعوا صوتهم مع الكثير من المواطنين والجمعيات، تكلموا والآن ينتظرون من جديد إما حلّ او وقوع ضحية اخرى. 


السيء أنهم خسروا فتياتهن، أما المحزن،  هو العض عالجرح، تناسي فترة الحداد والحاجة للتذكير أن العدالة حق.
لكن الأسوأ، فهو المطالبة بالاعتراف أن القتل من الزوج يبقى قتلاً وان الظلم من اقرب المقربين يبقى ظلماً. أنه ليس مقبولاً   أن يتناسى قانون حمايه المواطنين، أن يخرج المجرم دون أن يحاكم لأسباب تقنية، أو أن يسجن دون محاكمة إلى اجل غير مسمى. 

أما الكارثي، أن يربي الأباء والأمهات بناتهن لتصبحن سيدات صالحات، مربيات في المجتمع وبانيات للأوطان لتكن نهايتهن مأساوية، حيث لا نهايات سعيدة، لا عدالة، لا غفران ولا كلمات تحبب. 
 أن  لا تكون الكلمة الختامية" شكراً وطن" بل تنهي رحلتها على الأرض  قائلةً "تقبرني يا بلدي". فلا تكون عبارة تحببية بعد الآن، بل أن تعنى حرفياً.

تيري عبد المسيح

الصور( صفحة كفى )

المزيد
back to top button