ماذا كان يدور في عقل إبني؟

علِمتُ منذ البداية أنّ ابني وائل سيُسبّب لي المشاكل، لكن عدتُ وقلتُ لنفسي إنّ الأولاد يتغيّرون حين يكبرون، لِذا فعلتُ جهدي لأُفهمه أنّ تصرّفاته مع أخته ورفاقه في المدرسة غير مقبولة، وأنّ أذيّتهم أمر عدائيّ وغير مُجدٍ. إلا أنّه بقيَ على حاله فقرّرتُ عرضه على مُعالِج نفسيّ مُتخصّص بالأولاد. واتّضَحَ أنّ وائل لا يشكو مِن أمر غير اعتياديّ بل أنّه يتصرّف انطلاقًا مِن غيرة كبيرة تجاه باقي الأولاد، كَونه بقيَ ولدًا وحيدًا لفترة، واعتقَدَ أنّ الانتباه كلّه يجب أن يكون مصبوبًا عليه. أعطاني المُعالِج تعليمات عمِلتُ بها بحذافيرها، وأبعَدتُ أخته عنه أوّلاً حفاظًا عليها وأيضًا ليشعر أنّني لا أفضّلها عليه. طمأنَني الجميع بأنّ الاخوة يغارون مِن بعضهم وأنّ الأمر طبيعيّ، إلا أنّني لَم أكن مُطمئنّة. فالأم تعرفُ أشياءً لا يعرفُها الآخَرون، وما كنتُ أراه في عَينَي صغيري كان مُخيفًا. أمّا بالنسبة لزوجي، فهو رأى أنّني أُبالغ بالأمر كثيرًا، فبدأ يُدافِع عن ابننا في كلّ مُناسبة.

مرَّت السنوات وكان قد بدأ ينفذُ صبري حيال وائل، إذ أنّه زادَ شراسة ومِكرًا تجاه كلّ مَن حوله، ولقد قرّرَت إدارة مدرسته طرده بسبب تصرّفاته المُتكرّرة. وجدتُ له مدرسة أخرى، وارتاحَت أخته المسكينة منه قليلاً فهو كان يُعذّبها أيضًا أثناء الاستراحة. مرّة أخرى أخذتُه عند مُعالج لكنّه رفَضَ بقوّة العودة إلى العيادة للجلسة الثانية. وقَفَ زوجي في صفّه، قائلاً إنّني سأتسبّب لابننا بعقدة نفسيّة إن بقيتُ آخذه إلى أطباء نفسانيّين. عندها طفَحَ كَيلي واستسلمتُ.

هدأ وائل قليلاً حين صارَ في الصفوف الثانويّة، واعتقدتُ أنّه سيصطلِح أخيرًا، إلا أنّه كان بالفعل قد بدأ يستوعِب أنّ ما يفعله لَم يكن لصالحه، لأنّ أمره كان يُفضَح في كلّ مرّة ويجلب له العقاب، وأّنّ مِن الأفضل أن يدّعي أنّه شاب رصين. لكن في داخله كان الشرّ لا يزال موجودًا وأكثر مِن قَبل.

دخَلَ وائل الجامعة في المدينة، وأخَذنا له شقّة صغيرة كَي لا يضطرّ لقضاء وقته ذهابًا وإيابًا. وأستطيع القول إنّ ذلك اليوم كان الأسعَد في حياة أخته إذ أنّها لن تخاف منه بعد ذلك، على الأقل لبضع سنوات. للحقيقة، كنتُ أشعرُ بالذنب حيالها، بالرغم مِن أنّني فعلتُ جهدي لأحمَيها منه، إلا أنّ زوجي كان دائمًا يعمَل ضدّي، ويسخَر منّي ومِن ابنته في ما يخصّ مخاوفنا وخوفنا مِن وائل. على كلّ الأحوال، كان زوجي إنسانًا سطحيًّا ويفتقِد للمنطق والتحليل. كلّ شيء كان بالنسبة له إمّا أبيض أو أسود.

بدأ وائل يُتابع دروسه في الكلّيّة ليُصبَحَ يومًا مُهندسًا، فهو كان ماهرًا في الرياضيّات وله تصوّر مُميّز بالهندسة. لكنّه كان قد وجَدَ لنفسه ضحيّة بديلة عن أخته ورفاقه في المدرسة: شاب في صفّه يتمتّع بشخصيّة هادئة ومُتواضعة اسمه خليل. تقرّبَ منه ابني وادّعى أنّه يُريدُ مُصادقته، ففرِحَ خليل وبدأ يُرافقه أينما ذهب.

وحصَلَ أنّ ابني جلَبَ صديقه الجديد إلى البيت خلال فرصة نهاية الأسبوع، ووجَدنا ذلك الشاب بالفعل رصينًا. لكنّني لاحظتُ كيف ينظرُ وائل إليه، أيّ بتركيز وبسمة خفيفة على وجهه. كنتُ أعرفُ ما يعني ذلك تمامًا، إلا أنّني أمِلتُ أن أكون مُخطئة. لكن ما لَم أكن أعرفُه هو أنّ وائل كان يُخطّط لِما هو أفظَع مِن كلّ الذي فعلَه حتى ذلك الحين، وأعتقِدُ أنّه أرادَ أن تكون خطّطَه تتويجًا له.

مرَّت حوالي السنة مِن دون حدَث يُذكَر ونسيتُ مخاوفي، فوائل وخليل أصبحا مِن أعزّ الأصدقاء وصارَ لخليل مكانة خاصة في قلبنا وبيتنا ومائدتنا. وكان الشابان يقضيان ليلة أو اثنتَين عندنا في البيت، ليعودا إلى الكلّيّة في بداية الأسبوع. كلّنا كنّا مُرتاحين لهذا النمط الجديد، حتّى ابنتي التي صارَت تفرَح أخيرًا لدى قدوم أخيها، وتجلسُ معه ليتبادلا وخليل الحديث. هل كنتُ مُخطئة بشأن ابني؟ رجَوتُ ذلك.

لكن في إحدى المرّات التي جاء فيها وائل وخليل إلى البيت وناما عندنا، سمعتُ مذعورة صرخة ابنتي تعلو وسط الليل. ركضتُ وزوجي إلى غرفتها لنجِد خليل هناك. أخرجتُه بسرعة مِن الغرفة وعانقتُ ابنتي التي كانت تبكي وتصرخ في الآن نفسه. فهمتُ منها أنّها استيقظَت مِن النوم حين شعرَت بِيَد تلمسها. ماذا؟!؟ خليل يتحرّش بصغيرتي؟!؟ تركتُ الغرفة وتوجّهتُ إلى الصالون حيث كان زوجي يستجوِب بغضَب خليل، بينما وقَفَ وائل يتفرّج عليهما. ركضتُ إلى خليل وصفعتُه بقوّة صارخة:

 

ـ أّيّها الوغد! كيف تدخل غرفة ابنتي وتُحاول لمسها؟!؟ ماذا كنتَ تنوي فعله؟ تكلّم!

 

ـ أنا... أعني... أنا لَم أعتقِد... أنا آسِف يا سيّدتي لكنّني اعتقَدتُ...

 

ثمّ نظَرَ إلى وائل مُتعجّبًا إلا أنّ ابني قال عاليًا له:

 

ـ أهكذا تخون ثقتنا بكَ؟ لقد استقبلكَ والدايَ في بيتهما وها أنتَ تنوي انتهاك عرضنا؟!؟

 

رأيتُ الحيرة على وجه خليل وتبلكَمَ لسانه وكأنّه لا يفهَم ما يجري. أسرَعَ وائل بسحبه مِن ذراعه إلى خارج الصالون. نظرتُ إلى زوجي فرأيتُه غاضبًا لدرجة لا توصَف فخفتُ أن يقتل خليل، لِذا رجَوته أن يهدأ إلى حين نفهَم تمامًا تفاصيل الحادثة. بعد دقائق قليلة، خرَجَ خليل مِن بيتنا مع أمتعته ورافقَه ابني. كنتُ واثقة مِن أنّ لوائل ضلعًا بالذي حدَث، وأنّ خليل لَم يتصرّف مِن تلقاء نفسه. لكن هذه الفكرة كانت بغيضة لأقصى درجة، فرفضتُها على الفور إذ لا يُعقَل أن يكون ابني بهذا الكمّ مِن الشر!

علِمنا بعد أيّام أنّ خليل ترَكَ الكلّيّة بعد أن أخبَر وائل وكلّ رفاقه بما حصَلَ. في كلمة، كان مِن الجائز أنّ وائل تسبّبَ بأذيّة شخصَين في آن واحد، أذيّة موجعة وخطيرة. أذيّة خليل الذي كان قد سوَّدَ سمعته واضطّرَ لترك اختصاصه، وأذيّة ابنتي التي إضافة إلى تحمّل التنمّر خلال طفولتها كانت قد صُدِمَت نفسيًّا وجسديًّا مِن قِبَل شاب، الأمر الذي قد يخلق لها خلَلاً بتعاطيها مع الرجال لاحقًا. بقيَ ابننا يأتي إلى البيت في نهاية الأسبوع ويتصرّف بشكل طبيعيّ، وبقيتُ أشكُّ به مِن دون أن أملُك أيّ دليل ضدّه.

بعد ذلك سارَت الأمور بشكل طبيعيّ، الأمر الذي كان مُقلِقًا بالنسبة لابني لأنّه لَم يكن، على الأقل برأي، طبيعيًّا. أخذتُ ابنتي سرًّا إلى مُعالِج نفسيّ لتنزَع مِن رأسها تلك الحادثة، وفعلتُ خيرًا لأنّها أدركَت أنّ الأمور لا تجري هكذا عادة بين الرجُل والمرأة، بل أنّ هناك أناسًا مُضطربون نفسيًّا.

ثمّ تلقَّيتُ اتّصالاً هاتفيًّا مِن سيّدة غريبة اتّضحَ أنّها أمّ خليل. هي اعتذرَت بحرارة عمّا فعلَه ابنها في تلك الليلة، وأقسمَت لي أنّ خليل ليس كما أتصوّره بل هو شاب عاقِل ومُتّزن. لَم أعرِف ما أُجيبها لأنّني كنتُ أعلَم في قرارة نفسي أنّ ما تقوله صحيح، لكن كان عليّ أيضًا أن أبدو مستاءة كثيرًا لتعرّض ابنتي للتحرّش. ثمّ طلبَت منّي المرأة أن نتقابل فرفضتُ في البدء، إلا أنّها بقيَت مُصرّة قائلة إنّ لدَيها ما تقوله لي، خاصّة أنّ ابنها في حالة نفسيّة سيّئة للغاية. قبِلتُ رؤيتها في مكان عام، في مقهى بعيد عن البيت، فآخِر شيء كنتُ أُريدُه هو أن يعرفَ زوجي بالأمر.

لَم تأتِ المرأة لوحدها بل بصحبة ابنها، فغضِبتُ منها لكنّها طلبَت منّي التروّي وعدَم ترك الطاولة. هدأتُ قليلاً خاصّة لدى رؤيتي لملامح الشاب التي دلََّت على ألَم عميق. ثمّ بدأ خليل بالكلام:

 

ـ أنا آسِف سيّدتي... آسِف لِدرجة لا توصَف، فلقد اعتبرتُكِ بمثابة خالتي لحسن استقبالكِ ومُعاملتكِ لي. لستُ مُتحرِّشًا أو مُنحرِفًا جنسيًّا ولَم أقترِب يومًا مِن فتاة أو ألمسها.

 

ـ إذًا ما الذي دفعكَ لفعل ما فعلتَه بابنتي؟

 

ـ وائل.

 

ـ أكمِل.

 

ـ هو كان يسخرُ منّي دائمًا لأنّني لَم أجرؤ على التكلّم مع صبايا الجامعة، فالحقيقة أنّني خجول جدًّا. وعلى مرّ الأيّام، شعرتُ بأنّني جبان ومُنغلِق على نفسي فوق اللزوم. إضافة إلى ذلك، لمَّح لي ابنكِ أنّه قد يضَع حدًّا لصداقتنا بسبب ما أسماه "الفرق الشاسِع بيننا". خفتُ أن أخسرَه لأنّه صديقي الوحيد في الكلّيّة، وحدَثَ مرارًا أنّه وقفَ إلى جانبي في مواقِف عديدة.

 

ـ أكمِل.

 

ـ ثمّ عرَضَ عليّ أن "أتمرّن" على أخته، فهي لا تزال صغيرة ولا خبرة لها في الحياة، أي مثلي. وأكَّدَ لي وائل أنّها مُعجبة بي كثيرًا وتنتظرُني بفارغ الصبر عندما أزورُكم. وبدأتُ أتخايل أنّها بالفعل تنظرُ إليّ بشكل خاصّ، وتضحكُ لي عندما أُخبرُ قصّة طريفة، فاعتقدتُ بالفعل أنّها مُغرمة بي وتُريدُ تبادل ولو قبلة.

 

ـ إنّها صغيرة في السنّ!

 

ـ أعلمُ ذلك وهذا ما قلتُه لوائل لكنّه بقيَ يحثُّني على المُحاولة، وينعتني بالجبان والمُخنّث إلى حين اقتنَعتُ بالموضوع. وفي تلك الليلة، قالَ لي إنّ أخته جاهزة وإنّها تنتظرُني في غرفتها وسط الليل. خفتُ كثيرًا وشعرتُ بالخزيّ حيالكِ سيّدتي وحيال زوجكِ، لكن ابنكما هو الذي نظَمَ كلّ شيء. رحتُ إلى غرفة ابنتكِ وتوقّعتُ أن أجدها صاحية طبعًا، إلا أنّها كانت نائمة، فاقتربتُ منها لأوقظها واضعًا يدي على رِجلها. أقسمُ لكِ أنّني لمَستُ فقط رِجلها وليس مكانًا آخَر! وتعرفين ما جرى بعد ذلك. أعلَم أنّكِ لن تُصدّقيني أبدًا، ففي آخِر المطاف وائل هو ابنكِ وأنا إبن أناس غرباء، لكنّها الحقيقة. ومنذ ذلك الوقت، أُعاني مِن الذي حصَل، فلقد تركتُ الكلّيّة والعِلم بأسره، وأحجزُ نفسي في غرفتي مِن كثرة الندَم والخزيّ. طلبتُ مِن والدتي أن تتّصل بكِ لتعرفي منّي حقيقة ما حصَل وأستطيع القول إنّني ارتحتُ الآن قليلاً.

 

ـ أُصدّقُكَ يا خليل، لأنّني أعرِف ابني جيّدًا. إسمَع... ستُتابِع عِلمكَ، عِدني بذلك، وستنسى تلك الحادثة تمامًا. إلا أنّ عليكَ أن تحترِس مِن الناس مِن اليوم وصاعدًا، فقلبُكَ نقيّ أكثر مِن اللازم. ثِق بنفسكَ وبقدراتكَ، فليس عليكَ إثبات أيّ شيء لأحَد. وسيأتي يوم وتصبَح رجُلاً قويًّا وتتعرَّف على شريكة حياتكَ، اصبُر فقط وابنِ نفسكَ يوم بعد يوم.

 

عانقَتني أمّ خليل باكية وشاكِرة، فبالها كان مشغولاً جدًّا على ابنها. أمّا هو، فبكى أيضًا لكثرة ارتياحه لأنّني صدّقتُه.

إنتظرتُ قدوم وائل في نهاية الأسبوع وأخذتُه جانبًا وقلتُ له:

 

ـ لا أدري ممّا تشكو لكنّكَ لستَ على ما يُرام. لا أستطيع إرغامكَ على رؤية طبيب مُعالِج، إلا أنّ عليكَ أن تعي ما تفعله. عليّ حماية أختكَ منكَ ولن أدعكَ تؤذيها بعد اليوم. لا أُريدُكَ في هذا البيت، على الأقل ليس قَبل أن تثبتَ لي أنّكَ صرتَ إنسانًا مُتّزنًا. ما فعلتَه بأختكَ وبخليل أمر غير مقبول على الاطلاق، بل ينمّ عن شرّ كبير والله وحده يعلَم ما بإمكانكَ فعله لاحقًّا. أنتَ ابني وأحبُّكَ، لكنّني لا أُحبّ ما يدورُ في عقلكَ وقلبكَ. لن تعودَ إلى هنا إلا إذا تعالجتَ وجئتَ لي بتقرير طبّيّ مفاده أنّكَ شفيتَ. وإن كنتَ تريد رؤية أبيكَ أو رؤيتي، فسيحصل ذلك خارج هذا البيت. إيّاكَ أن تتّصل بأختكَ ولو مرّة واحدة، ولا تدّعي أنّكَ تُحبّها أو تشتاق إليها، فما أقنَعتَ خليل بفعله يدّل على عكس ذلك تمامًا. كيف استطعتَ إقناع صديقكَ بانتهاك عرض أختكَ؟!؟ أيّ إنسان أنتَ؟!؟ خُذ أمتعتكَ وارحَل، فلا أُريدُكَ بيننا.

 

راحَ وائل يُخبرُ والده أنّني طردتُه، الأمر الذي تسبَّبَ لي بتأنيب حاد مِن جانبه، ودارَ شجار كبير بيننا إلا أنّني لَم أتراجَع. لَم يُصدّق زوجي رواية خليل على الاطلاق ونعَتني بالأمّ السيّئة وهدّدَني بالطلاق. لَم أتأثّر بكلّ ذلك لأنّ حماية ابنتي كانت الأولويّة لدَيّ.

رحَلَ ابني ولَم يعُد. وهو لَم يذهب لأخصّائيّ لأنّه كان يستمتِع بالذي يفعله بالناس. تتبّعتُ أخباره مِن خلال زوجي، وعلِمتُ أنّه بخير ويُتابع دروسه.

قرّرَ زوجي العَيش معه لفترة كَي لا يتركه لوحده بعد أن طردتُه، فأخَذَ أمتعته وسكَن معه في شقّته الصغيرة لمدّة شهرَين. ثمّ عادَ زوجي مع حقيبته إلى البيت مِن دون أن يُعطي تبريرًا لعودته. إلا أنّه قال لي ذات ليلة قَبل أن نخلِد للنوم: "أظنّ أنّكِ على حقّ في ما يتعلّق بوائل... فهو حقًّا شرّير". لَم أسأله عمّا حدَثَ بينهما في تلك الفترة، لكنّ الأمر كان حتمًا مُخيفًا بالنسبة له.

سيتخرّج وائل قريبًا، وهو وجَدَ عمَلاً في الخارج أيّ أنّنا لن نعود نراه. لكنّني سأظلّ على تواصل هاتفيّ معه، على أمَل أن أُقنِعه يومًا بأن يعي كمّيّة الشرّ الموجودة فيه، وأن يقبَل أخيرًا أن يهتدي. يا إلهي، ساعده!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button