لحظة دخلَت سامية زوجتي البيت ذات مساء، لَم أصدّق ما رأيتُه ولزمَتني ثوانٍ لاستيعاب أنّ المرأة الواقفة أمامي شبه عارية! ركضتُ إلى سامية وألف سؤال يجولُ في بالي وحضَنتُها. كانت المسكينة ترتجف بقوّة وتبكي في آن واحد فلففتُها بغطاء وأجلستُها على الكنبة. ركَضَ ولدَاي وبدآ بالبكاء غير عالمَين ماذا يجري.
حاولتُ معرفة ما حصل مِن زوجتي، إلا أنّها بقيَت صامتة ورفضَت رفضًا قاطعًا أن آخذها إلى المشفى. جلستُ بالقرب منها إلى أن نامَت أخيرًا. غضبٌ شديدٌ إنتابَني، فكان مِن المؤكّد أنّ أحدًا ما إعتدى على سامية بطريقة أو بأخرى، ولَم أكن أريدُ سوى شيء واحد وهو معرفة ما جرى لأقتل السافل الذي تجرّأ ولمَسَ زوجتي! صمَّمتُ على الإتصال بالشرطة فور خروج سامية مِن النوم، لِذا انتظرتُها ساعتَين حتى فتحَت أخيرًا عَينَيها. حينها توسّلتُ إليها بأن تتكلّم وتوصّلتُ لتهديدها إن لَم تفعل. وهي قالَت لي أخيرًا:
ـ نزلتُ المرآب لأركب سيّارتي وأذهب إلى السوبر ماركت حين اقترَبَ منّي شخص و...
ـ هنا في مرآب المبنى؟!؟
ـ أجل...
ـ كيف كان شكله؟!؟
ـ لستُ أدري تمامًا فقد كان مُقنّعًا... أرجوكَ دعني أُكمل!
ـ أنا آسف حبيبتي... أكملي فلن أٌقاطعكِ مُجدّدًا.
ـ كان يحملُ بِيَده مُسدّسًا فأطعتُه عندما أمرَني بالركوب بسيّارتي مِن دون أن أصرخ، وركبَ هو إلى جانبي. كم كنتُ خائفة! دلّني الرجل على الطريق التي عليّ أن أسلكها والتي تدخلُ مُباشرة الحرج المُجاور. ظننتُ حقًّا أنّ حياتي أوشكَت على الإنتهاء... يا إلهي...
ـ أكملي حبيبتي.
ـ طلَبَ منّي الرجل التوقّف فأطفأتُ المحرّك. كان الظلام قد حلَّ فتركتُ أضواء السيّارة شاغلة. أخَذَ هو حقيبة يدي وأفرغها، فاستاء جدًّا عندما وجَدَ أنّ المال بحوزتي ليس كافيًا، فانتشَلَ مِن رقبتي عقدي ومِن أذنيّ قرطيّ ومِن معصمي ساعتي.
نظرتُ إلى أذنيّ سامية فوجدتُهما داميتَين، الأمر الذي زاد مِن غضبي.
سألتُها:
- ولماذا أنتِ مِن غير ملابس؟!؟
ـ لا تخَف... لَم يعتدِ عليّ جنسيًّا، بل خرَجَ مِن السيّارة بعد أن أخَذَ المفتاح الذي رماه بين الأشجار وأمرَني بخلع ملابسي الخارجيّة. ظننتُ مثلكَ أنّه ينوي انتهاك شرفي، فصرتُ أصرخ وأتوسّل لكنّه اكتفى بأخذ ملابسي والفرار. وقبل أن يختفي صرَخَ فيّ: "إيّاكِ أن تشتكي عليّ فأعرفُ أين تسكنين وقد أعودُ لقتلكِ وعائلتكِ."
ـ السافل! ليأتِ وسنرى مَن سيقتل مَن!
ـ إهدأ مِن فضلكَ فلا داعٍ للتحمّس.
ـ أنا آسف... تابعي.
ـ قضيتُ حوالي الساعة وأنا أفتّش عن المفاتيح في الظلمة إلى أن وجدتُها أخيرًا، فكيف لي أن أعود إلى هنا وأنا شبه عارية؟ لَم أصدّق حظّي بإيجاد المفاتيح فشكرتُ ربّي وأسرعتُ بالقيادة إلى البيت. كم خفتُ! يا إلهي... كيف سأستطيع الخروج ثانية مِن المبنى؟ قد يكون بانتظاري في أيّ وقت!
ـ لدَيكِ رجل شجاع، لا تخافي حبيبتي! سأتّصل بالشرطة و...
ـ لا! لا تفعل! ألَم تسمَع ما قاله؟ أتريدُني ميتة؟!؟
ـ لا طبعًا... لكنّ الشرطة...
ـ إن اتّصلتَ بهم سأجمع أمتعتي وأتركَ البيت!
ـ حسنًا حبيبتي... حسنًا.
بعد أن أخذَت سامية حمّامًا ساخنًا ووضعتُها في سريرها واطمأنَّيتُ على ولدَيَّ، نزلِتُ المرآب لأتخايل كيف جرَت الأحداث وأفهَم كيف لذلك السافل أن يدخل المكان. كان لا بدّ لي أن أحميَ ذويّ بأيّ شكلٍ كان، فأنا ربّ العائلة وهذه مهامي.
رأيتُ سيّارة زوجتي وفحصتُها مِن الخارج والداخل وكذلك المرآب. لَم أترك زاوية واحدة، وتصوّرتُ الرجل قابعًا وراء الأعمدة ينتظر سامية بخبث. غضبتُ كثيرًا لأنّني كدتُ أن أفقد حبيبة عمري بلحظة. وأنا في عودتي إلى الشقّة، مرَرتُ بغرفة الناطور وأخذتُ أستجوبه، فكانت غرفته عند مخرج المرآب تمامًا. أنكَرَ الرجل أن يكون قد تركَ باب المرآب مفتوحًا ولو للحظة، وأكّدَ لي أنّ ذلك الباب لا يُفتَح أو يُغلَق إلا عند تشغيله عن بُعد مِن قِبَل السائق الذي هو مِن سكّان المبنى حصرًا. لكنّه أكّدَ لي أنّه رأى سامية خارجة لوحدها في سيّارتها. لا بدّ أنّ المُعتدي كان مُختبئًا خلف المقعد الأمامي. لكنّ زوجتي قالَت إنّه ركِبَ إلى جانبها. قد تكون قد اختلطَت الأفكار في رأسها بسبب الصدمة. رحتُ أنام قرب سامية أفكّر بطريقة للنَيل مِن الذي حقّرَها إلى هذه الدرجة.
في الصباح كانت زوجتي بحالة يُرثى لها، فأجّلتُ الحديث معها بشأن الحادثة لكنّني كنتُ مصمّمًا على أن نُخبر الشرطة، فقد يكون الرجل ذات سوابق ومعروفًا مِن السلطات.
لَم تذهب سامية طبعًا إلى عملها وتحجّجَت بأنّها تُعاني مِن وعكة صحيّة، وأنا مِن جانبي أخذتُ إجازة، فلَم يكن مِن المعقول أن أتركَ زوجتي وهي في هذا الحال.
مضى النهار هادئًا قضَته سامية في فراشها. حضّرتُ وجبتَي الغداء والعشاء وشاهدتُ التلفاز لكنّ عقلي كان في مكان آخر.
أخذتُ ولدَينا مُباشرة مِن المدرسة إلى منزل أمّي، كي لا يتأثّرا بالحديث الذي كان عليّ أنّ أُجريه مع أمّهما، وعدتُ إلى البيت بعد أنّ فضلّتُ تأجيل الذهاب إلى السوبر ماركت للتبضّع. لكنّني لَم أجد سامية! حاولتُ الإتصال بها لكنّ جوّالها كان مقفلاً. يا إلهي! هل عادَ المُعتدي ودخلَ حرَم بيتنا وخطفَها؟!؟ ركضتُ إلى سيّارتي للبحث عنها والدمع يملأ عينيَّ، فتصوّرتُها ميّتة ومُلقاة في مكان ما. إستوقفَني الناطور قائلاً:
ـ لقد أسقطَت السيّدة زوجتكَ سهوًا نظّارات الشمس الخاصّة بها، فهي كانت على عجلة مِن أمرها.
ـ هل كانت لوحدها أم برفقة أحد؟!؟
ـ لوحدها واستقلَّت سيّارتها وخرجَت بعد أن ألقَت التحيّة عليّ بحركة مِن يدها.
ـ هل بدَت خائفة؟ مذعورة؟
ـ لا بل فقط في عجلة مِن أمرها.
عدتُ إلى الشقّة وجلستُ أفكّر بالذي حصَل فعلاً. فكلام الناطور كان مُقلقًا، خاصّة أنّني سألتُ نفسي لماذا لَم يأخذ السارق جوّال زوجتي الذي كان مِن طراز حديث. ثمّ خطَرت ببالي فكرة: رحتُ أنتظر عند أوّل الشارع في سيّارتي بعد أن طلبتُ مِن الناطور عدَم ذكر عودتي وحديثنا لزوجتي.
بعد حوالي النصف ساعة، أطلَّت سيّارة سامية ورأيتُها تدخل مرآبنا. إنتظرتُ ربع ساعة ثمّ دخلتُ بدوري المرآب وصعدتُ إلى البيت. كانت سامية مُرتدية قميص نومها ومُستلقية على الأريكة. شكلها كان كما كان في الصباح، أي مُحبطة ومصدومة. ضحكتُ بسرّي واعترفتُ لها بموهبة بارعة بالتمثيل ثمّ قلتُ لها:
ـ لقد اتصلتُ بالشرطة وهم آتون بعد قليل لاستجوابكِ عن الذي حصل.
ـ لماذا فعلتَ ذلك؟!؟ أنتَ تعلم أنّ الرجل هدّدَ بقتلي لو قلنا أيّ شيء!
ـ أنا مُتأكّد مِن أنّ لا أحد سيمسّكِ طالما أنا معكِ. سأحميكِ.
ـ كما حمَيتَني البارحة؟!؟
ـ ما الذي فعلتِه يا سامية وهل لقّنكِ أحد هذا الدرس؟
ـ ما الذي تقوله؟ ما هذا الكلام؟ ألا ترى حالتي؟!؟
ـ حالتكِ هذه لَم تمنعكِ مِن الخروج قبل ساعة. أين ذهبتِ وأنتِ "بهذه الحالة؟"
ـ لَم أذهب إلى أيّ مكان! فبالكاد أستطيع التحرّك.
ـ كفى كذبًا! آمرُكِ بالتكلّم وإلا سلمّتُكِ للشرطة! إن كنتُ محبًّا فهذا لا يعني أنّني غبيّ!
بقيَت سامية تنكر وتتحجّج إلى حين فعلتُ ما لَم أفعله بحياتي: صفَعتُها. خجلتُ مِن نفسي لكنّ هذه كانت الطريقة الوحيدة لإسكاتها وحَملها على فهم أنّني جدّ مُستاء. هي نظرَت إليّ بتعجّب وبدأَت بالبكاء. لكنّ بكاءها لَم يكن صادقًا إذ لَم تخرج دمعة واحدة مِن عَينَيها! عندها أدركتُ أنّ الإنسانة التي تزوّجتُها وأنجبتُ معها ولدَين كانت مُمثّلة بارعة تخفي عنّي أمورًا خطيرة.
أمسكتُها بكتفَيها وهززتُها صارخًا: "ستعترفين بالحقيقة أم أسلّمُكِ للشرطة!؟! " عندها سكتَ بكاؤها ونظرَت إليّ بشرّ رهيب وقالَت لي بصوت هادئ:
ـ أنا لا أحبُّكَ. أُحبّ رجلاً آخر هو مديري. علِمَت زوجته بالأمر فبعثَت لي شخصًا البارحة كان ينتظرني في مكان موعدي مع عشيقي. هي أرادَت إذلالي بتجريدي مِن ملابسي وإخافتي بواسطة الرجل الذي هدّدَني بألا أواعد مديري بعد الآن. أنا نزعتُ بنفسي أقراطي كي يظهر الأمر وكأنّه محاولة سرقة وأخفَيتُ عنكَ عقدي وساعتي. لكنّني لَن أتراجَع حتى لو كلّفَني الأمر حياتي! لقد اجتمعتُ الآن مع حبيبي وقرّرنا الهروب سويًّا حتى لو كانت زوجته هي التي تملكُ أغلبيّة حصص الشركة! فنحن مُتحابّان!
ـ ماذا؟!؟ حتى لو لَم تكوني تحبّيني، هل فكّرتِ بولدَيكِ؟!؟
ـ سيكونان بخير معكَ! أحبُّ مديري وأُريدُ أن أعيش معه!
حزمَت سامية أمتعتها بالحال وخرجَت مِن دون أن تنظر إليّ حتى. وقفتُ متفرّجًا غير قادر على استيعاب الذي يحصل. قلتُ لولدَيَّ إنّ أمّهما سافرَت بداعي العمل وإنّها عائدة قريبًا، فلَم أجد رواية أخرى.
عادَت سامية بالفعل بعد أسبوع واحد باكيةً ومُتوسّلةً، بعد أن خذَلها حبيبها الذي أعادَ حساباته ووجَدَ أنّ بقاءه مع زوجته مُفيد أكثر لأعماله.
بالطبع لَم أُرجِع زوجتي إلى البيت، فكيف أعيش معها بعد الذي فعلَتَه بل طلّقتُها وسمحتُ لها بالحضانة المُشتركة. فعلتُ ذلك كي أُحافظ على توازن ولدَيّ النفسيّ. عاشَت سامية عند أهلها، وبقيَت تُحاول الرجوع بشتّى الطرق إلا أنّني أصرَّيتُ على موقفي.
اليوم أنا رجل سعيد مع المرأة التي سأتزوّجها قريبًا لكنّني أشكّ بأنّني سأتمكّن مِن الوثوق بها كليًّا، فمَن يعلم حقًّا ما يُخفيه الناس في قلوبهم؟
حاورته بولا جهشان