عمِلتُ جهدي لإظهار وجه إيجابيّ خلال مكوث صديقاتي عندي، لكنّني كنتُ أغلي مِن الداخل ومُحتارة بشأن موقفي مِن شادي زوجي. وحدهما ولدايَ شعرا بأنّني لستُ على ما يُرام لكثرة صراخي عليهما. لكنّ الامتحان الأكبر كان لحظة ما عادَ شادي مِن السفَر وظهَرَ أمامي عند الباب. كَم أردتُ أن أُغلِقَ ذلك الباب بوجهه ليبقى خارج حياتي! أمّا هو، فنظَرَ إليّ باشمئزاز بعد أن لاحظَ أنّني خسِرتُ بعض الوزن خلال غيابه. ثمّ أزاحَني بِيَده جانبًا ودخَلَ غرفته ليُفرِغ حقيبته. كان قد جلَبَ الهدايا لولدَيه وليس لي. على كلّ الأحوال لَما كنتُ لأقبَل أيّ شيء مِن يدَيه القذرتَين بعد الذي رأيتُه على قرص الفلاش. يا إلهي، أزِل تلك المشاهد مِن عقلي!
لَم أخَف أن يعرفَ زوجي أنّني رأيتُ تلك الصوَر، فلقد أعدتُ قرص الفلاش إلى مكانه بعد أن أنزلتُ مُحتواه في حاسوبي المحميّ بكلمة سرّ. ففي آخِر المطاف، لَم أكن غبيّة كما يعتقدُ ذلك الرجُل الوسِخ والأنانيّ.
وفي الليلة نفسها، أرادَ شادي، على غير عادته، مُعاشرتي. إلا أنّني رفضتُ بقوّة فاستهزأ بي قائلاً:
ـ ما بالكِ صرتِ صعبة المنال؟ لطالما عاتبتِني بأنّني لا أُعاشرُكِ سوى للإنجاب. على كلّ الأحوال، أنا بِغنى عنكِ يا عزيزتي، فمَن يُريد رؤية فيلة مِن دون ملابس؟
ـ الآن تجدُني سمينة؟!؟ إن كنتُ بهذا الحجم فذلك بسببكَ! مَن غضِبَ حين بدأتُ أُنزِل مِن وزني؟ أيّة لعبة تلعَب يا شادي؟
ـ سئمتُ منكِ للحقيقة.
ـ أنا التي سئِمَت منكَ! فما حاجتي إليكِ؟ تأتي بالمال؟ كان بإمكاني جني الكثير مِن المال لو صرتُ طبيبة! لكنّكَ أجبرتَني على التخلّي عن أحلامي ومُستقبلي.
ـ لَم أُجبِركَ على شيء، بل هذا كان شرطي.
ـ كنتُ أحبُّكَ! قُل لي... هل أحبَبتَني يا شادي؟
ـ كنتِ أجمَل فتاة في الكلّيّة.
بكيتُ في تلك الليلة، ليس على ما قالَه لي زوجي بل على حياتي التي أضعتُها مِن كلّ النواحي، وأخذتُ قرارات عديدة منها العمَل بجدّيّة على استعادة وزني، لترتفِع معنويّاتي وأستطيع إكمال علمي. سأصبحُ طبيبة مهما كلَّفَ الأمر! لكن كان هناك أيضًا ذلك الموضوع، إلا أنّه يطلَّب منّي شجاعة قصوى. هل كنتُ قويّة كفاية لذلك؟ وحده الزمَن قادر على إعطائي الجواب. وحتى ذلك الحين، وجَبَ عليّ التصرّف بتأنٍّ والتحضير سرًّا لرحيلي مع ولدَيّ. فلَم أكن لأدَع وحشًا كشادي يقومُ بتربيَتهما. يا ربّ، أعطِني الصبر اللازم!
ومنذ عودة شادي، صرتُ أُراقبُه عن كثب كلّما شاء أن يعودَ نوعًا ما باكرًا إلى البيت، فهو كان يلجأ فورًا إلى غرفته ويُقفِل الباب وراءه بعد تناوله بعض الطعام أحيانًا. لِذا ألصقتُ أذني على بابه وسمعتُه مرارًا يتكلّم مع أناس عبر الهاتف أو حاسوبه، لستُ أدري. لَم ألتقِط كلامًا واضحًا لكن أجزاء جُمَل، إلا أنّ المواضيع كلّها كانت تدورُ حول صوَر وأرقام ماليّة. نادرًا سمعتُه يتكلّم حقًّا عن عمله، الأمر الذي كان بالمبدأ بديهيًّا. لكنّني أستطيع الجزم بأنّه لَم يُكلِّم أبدًا إمرأة أخرى، وكنتُ أعرِفُ السبب.
بقيتُ صابرة إلى أن دخَلَ إبني الأصغَر بدوره المدرسة، فاطمأنّ بالي بأنّهما صارا خارج المنزل. إضافة إلى ذلك، تفرّغتُ لنفسي أكثر ولحميَتي والنادي الرياضيّ الذي انتسبتُ إليه. كان عليّ إعادة ثقتي بنفسي قبل أن أُعاوِد مُتابعة دروسي الجامعيّة والحصول على شهادتي كطبيبة. فكّرتُ مرارًا كيف أنّ شادي أقنعَني بزيادة وزني والحفاظ عليه، مع أنّني كنتُ شبه طبيبة وأعلَم أنّ ما يقوله لي لا أساس علميًّا له بل العكس. ما السرّ وراء طمس ذكائنا وفطرتنا عندما يستفيقُ الحبّ فينا؟ ربّما كان يجدرُ بي أن أكون قد درستُ عِلم النفس بدلاً مِن الطبّ العام؟
خسرتُ عشرين كيلوغرام خلال أشهر قليلة، وتحسّنَت معنويّاتي بشكل لا يوصَف وعادَت إليّ شجاعتي. لكن كيف آخذُ ولدَيّ مِن شادي وأُربّيهما بعيدًا عنه مِن دون خلق مشاكل قضائيّة وفضيحة كنتُ بغنى عنها؟ وجاءَني الجواب الذي كان جليًّا: الابتزاز. لَم أكن أُريدُ مالاً مِن ذلك المُقرِف، بل فقط الحرّيّة وإبنَيّ. لكنّ شادي كان رجُلاً قويّ العزيمة ويتحلّى بعلاقات عديدة. كان بإمكاني فضحه طبعًا، فكان لدَيّ الدلائل اللازمة على حاسوبي، لكنّ التردّدات على سمعة ولدَيّ ستكون فظيعة. هل كان يحقّ لي أن يربيا هذَين الطفلَين البريئَين عالمَين بحقيقة والدهما؟ لَم أُبعِد تلك الفكرة تمامًا مِن بالي، ففي آخِر المطاف الغاية تُبرِّر الوسيلة. إضافة إلى ذلك وجَبَ عليّ إنسانيًّا توقيفه عند حدّه، ليس مِن أجلي... بل مِن أجل غيري. يا إلهي، ساعدني على اتّخاذ القرار المُناسب! أُريدُ إبنَيّ وأُريدُ أيضًا أن يدفَع شادي ثمَن أفعاله وأن أحمي الناس منه! فالوقت كان يمرّ ولَم أفعَل شيئًا بعد... يا لَيت عقلي يعمَل كالسابق، فقد كان لا يزال مسكونًا بالمخاوِف والتردّد. فلا تنسوا أنّ زوجي قامَ بتدريبي جيّدًا على فقدان ثقتي بنفسي والقدرة على التفكير لوحدي... يا للماكِر!
رحتُ أرى مُحامية، وأردتُها إمرأة عن قصد، ليس فقط لتفهَم ما أمرُّ به، لكن أيضًا فظاعة ما يفعله شادي. وأحسنتُ الاختيار، فصرتُ مع الأستاذة نجوى ثنائيًّا فعّالاً ومُصمّمًا على النجاح على كلّ الأصعدة. إقترَبَ وقت الضربة الأولى... وكنتُ خائفة.
أوّل شيء فعلتُه هو أخذ ولدَيّ إلى بيت أمّي عند بداية الفرصة الصيفيّة، بحجّة أنّها مريضة. لَم يُمانِع زوجي بل هو وجَدَ مسلّيًا أن يحظى بالبيت لنفسه وعدَم اللجوء إلى غرفته ليفعل ما يفعله. لكن قبل مُغادرتي، وأثناء تواجد شادي في عيادته، أخذتُ قرص الفلاش مِن خزانته معي. كنتُ أملكُ نسخة عن تلك الصوَر، إلا أنّني نويتُ التصعيد. وكما توقّعتُ، وصلَني منه مساءً إتّصالاً، فهو صرَخَ بي:
ـ أين قرص الفلاش؟!؟ أعيديه لي! وهل فتحتِه؟!؟
ـ إنّه معي... أو بالأحرى مع مُحاميّتي... أجل، لدَي مُحاميّة وهي استاءَت كثيرًا لدى رؤيتها تلك الصوَر... أيّها الوحش! يجدرُ بي الذهاب إلى الشرطة!
ـ ماذا تُريدين؟
ـ أُريدُ الطلاق وحضانة إبنَيّ الدائمة... والبيت طبعًا.
ـ أيّتها الماكِرة!
ـ لن أدخُل في جدال معكَ، فالموضوع سهل للغاية... القرص مُقابل طلباتي. وإن اقتربتَ منّي أو مِن ولدَينا، فسيذهب القرص إلى الشرطة على الفور. كَم أنّكَ تُبالِغ بثقتكَ بنفسكَ لتُخبّئ الدلائل على فسقكَ في خزانة ملابسكَ! أم أنّكَ بالفعل حسبتَني غبيّة؟ ستُعطيني ما أُريدُه وإلا...
لَم أسمَع مِن شادي على فترة، وللحقيقة ظننتُه لَم يكترِث لتهديداتي، إلا أنّه كان بالفعل يدرسُ وضعه وتداعيات الفضيحة التي ستطاله. لكنّه عادَ واتّصَلَ بي قائلاً:
ـ أوراق الطلاق جاهزة مع تنازلي عن الحضانة... وصارَ البيت بإسمكِ يا أيتّها القبيحة!
ـ لَم تجدني قبيحة حين عمِلتَ جهدكَ للنَيل منّي... قُل لي... لماذا تزوّجتَني ولماذا حاولتَ جهدكَ تشويهي وتحجيمي؟ يحقُ لي أن أعلَم قَبل أن يفترِق طريقانا.
ـ حسنًا... كان هناك شرط عليكِ... أو بالأحرى مُراهنة.
ـ ماذا تعني؟!؟
ـ تشارَطتُ ومجموعة مِن الطلاب على مَن سيحظى بكِ... وأنا مُغامِر بالفطرة وأُحبّ أن أربَح، خاصّة إن كان هناك مبلغ مِن المال.
ـ يا إلهي!
ـ وبما أنّكِ كنتِ أيضًا جميلة ومرغوبة، فذلك كان سيُعزّز مِن صورتي في الجامعة. لَم أحبُّكِ يومًا بل كرهتُ منذ البداية طموحاتكِ لتصبحي طبيبة. مكان المرأة في البيت وليس على مقاعد الجامعة وفي العيادات! الرجُل هو الحاكم والآمِر الناهي! أجبرتُكِ على المكوث في البيت والانجاب والأكل، كي تبقي في مكانكِ ولا تخرجي أبدًا! على كلّ الأحوال، ظهَرَ أنّكِ غير نافعة على الاطلاق.
لَم أجِبه كي لا يُغيّر رأيه بالطلاق والحضانة، ففي آخِر المطاف، كنتُ نافعة... وكثيرًا! وعندما حصلتُ على مُبتغايّ وترَكَ شادي المنزل، حان وقت الضربة الثانية، والقاضية! فتواعدتُ معه في مكان عام لإعادة القرص له. إلا أنّني لَم أذهب إلى الموعد... بل الشرطة هي التي كانت بانتظاره. ثمّ أُخِذَ زوجي السابق إلى التحقيق، فمحتوى قرص الفلاش كان سيُنهي مُمارسته الطبّ إلى الأبد ويُلقي به في السجن. فشادي كان... كيف أقولُ ذلك... يأخذُ صوَرًا لمريضاته أثناء كشفه عليهنّ بواسطة كاميرا فيديو مخفيّة. أخَذَ تلك الصوَر وهنّ تخلعنَ ملابسهنّ قَبل الكشف وليس أثناءه، فوجوده قُبالة سرير الكشف كان يحجبُ المشهد عن الكاميرا، لحسن حظّ تلك السيّدات. لاحقًا، كان يختارُ مِن الفيديو المشاهد الأكثر وضوحًا وإيحاءً ويبيعُها على الانترنِت ولِمعارفه. أجل، الرجُل الذي تزوّجتُه وأنجبتُ منه كان معدوم الضمير المهنيّ والانسانيّ.
ألقَت الشرطة القبض على كلّ مَن اشترى تلك الصوَر، وتمّ الاتّصال بضحاياه لإطلاعهنّ على ما جرى وسؤالهنّ إن كنّ ترِدنَ تقديم شكوى ضدّه. البعض منهنّ فضَّلَ السكوت خوفًا مِن الفضيحة والقليلات تجرّأنَ على النَيل منه. وهكذا سُجِنَ شادي لأعوام لا تُحصى وانتُزِعَت منه رخصة مُزاولة الطبّ.
كيف لإنسان أن يفعل ما فعلَه لا بداعي الإنحراف بل مِن أجل المال؟!؟ كيف ستجرؤ سيّدة على أن تقصد طبيبًا نسائيًّا بعد ذلك؟ لكنّ المُحقّق طمأنَني بأنّها أوّل قضيّة مِن هذا النوع تمرُّ عليه، ونصحَني بعدم قبول دخول غرفة الكشف ما لَم تكن هناك مُساعِدة مع الطبيب. عندها أخذتُ قرارًا جديدًا: لن أعودَ للجامعة لأصبح طبيبة عائلة بل طبيبة نسائيّة! كنتُ أعلَم أنّ قراري صعب وطويل الأمَد، لكنّ حافزي كان قويًّا وكذلك عزيمتي!
ساعدَني أخوَتي في البدء مِن حيث المصروف إلى حين بعتُ البيت وسكنتُ وولدَيّ عند أمّي. بعد ذلك، صرتُ قادرة على الدرس مِن دون أن أفكّر مِن أين سآتي بالمال للعَيش بكرامة وتأمين عِلم جيّد لولدَيّ.
أنا اليوم طبيبة نسائيّة، ولدَيّ مُساعِدة لا تُبارِح جنبي حين أفحص مريضاتي. فالشرّ والطمَع موجودان عند الجميع وليس فقط لدى الرجال. ومِن الجيّد أن تلك الأمور تحصلُ نادرًا جدًّا، وأمثال شادي يُعَدّون على الأصابع!
حاورتها بولا جهشان