يطلّ الربيع بموكبه الزاهر، وما من مكان أفضل للتوقّف واستنشاق عبير الورود من إحدى أروع حدائق العالم. تسبّب بداية الربيع بعض المشاكل غير المرغوبة، مثل اضطرارك لتغيير خزانة ملابسك من خريف-شتاء إلى ربيع-صيف، أو شعورك بحساسية حبوب اللقاح المتناقلة في الهواء التي تدفعك ِإلى العطس والتمسّك بدواء كلاريتين أو، في هذا الجزء من العالم، تمسّكك بآخر الزهور في حديقة Miracle Garden وتسلّلك خلسةً إلى الشاطئ في ذلك اليوم الذي ادّعيتِ فيه المرض في العمل. يُضفي الربيع لمسة من الدفء، وهو ذلك الوقت المثالي من العام الذي تمتزج فيه حرارة الشمس اللطيفة بقليل من البرودة ـ وهذه هي الوصفة المثالية لقضاء يوم جميل.
ما يُضفي على يومي إشراقةً بهيّة هو باقة صغيرة من زهور الفاونيا، ملفوفة بورق بنيّ وخيط صغير، وصلتني إلى باب منزلي من محلّ الزهور المفضّل لديّ، Florette. ثمّة سحرٌ فطري في زهور الفاونيا وهي في أوجّ إزهارها. ومع كلّ باقة تتفتّح ببطء، تبتسم الزهور بكلّ جمالها. إنّها بحقّ قطعةٌ فنّيةٌ لا تُقاوم.
يُسهّل الربيع علينا تقبّل الحياة البسيطة ـ الانغماس في شغفنا بالزراعة ومتعة البستنة، أو، مثلي، الانغماس في استكشاف الحدائق المُخطّطة والبرية حول العالم. لطالما ارتبطت الحدائق بالصبر، والمرونة، والتفكير الهادئ. ويتبع ذلك شعورٌ بالعزلة والتأمّل. وقد أثبتت الدراسات أنّ الحدائق تُخفّف التوتّر، وتُنظّم ضغط الدم، وتُفيد الصحة النفسية بشكلٍ عام. أحاول هنا إثبات صحة اعتقادي ـ لذا، إن لم يُقنعك العلم بعد، فتابعي القراءة؛ فقد أُقنعك أنا.
لذا، وبينما يُقبل عالمنا على الصيف ببطء، استمتعي بفنجان شاي، ولفّي نفسك ببطّانية دافئة، واسترخي في رحلة عبر بعضٍ من أجمل الحدائق التي استكشفتها حول العالم ـ بعضها بديهي، وبعضها الآخر سترغبين في إضافته إلى قائمة رحلاتك.
حديقة الشاي اليابانية في سان فرانسيسكو - الولايات المتحدة الأميركية
تقع حديقة الشاي اليابانية في سان فرانسيسكو، وهي واحدة من أقدم الحدائق العامة وأكثرها هدوءاً في الولايات المتحدة الأميركية، وتمتدّ على مساحة ثلاثة أفدنة. بمساراتها المتعرّجة، وبركها الهادئة، ومقهى الشاي، وتشكيلة متنوّعة من المياه والصخور، بمجرّد دخولك، ستشعرين براحة وسكينة لا مثيل لهما. محاطة بالخضرة الوارفة والمباني اليابانية الأصيلة، وجدتُ نفسي جالسة بجانب البركة، أعدّ أسماك الكوي، منبهرة بجمال هذا الملاذ الهادئ في قلب المدينة.
The Queen’s Hamlet، ملكية تريانون، فرساي - فرنسا
حدائق فرساي مميّزة بحقّ ـ فكلّ زاوية منها تُفاجئك بعجائب لا تزال تُذكّر بجوهر لويس الرابع عشر. ولكن إن سلكتِ طريقاً أقل ازدحاماً، فستجدين نفسك في قرية الملكة. صُمّمت هذه القرية بناءً على طلب ماري أنطوانيت، وتتميّز بقرية نموذجية حول بحيرة اصطناعية، إلى جانب منزل الملكة ومساحات مُزيّنة بشكلٍ جميل. أثناء تجوالي في الحدائق، راودتني أفكار كثيرة: هل كانت تعلم أنّ الثورة على وشك الحدوث؟ ما الذي ألهمها هذا التصميم؟ هناك العديد من المساحات الجميلة التي تستحقّ الاستكشاف، مثل قارب مهجور في جدول صغير من المياه الراكدة (ربما لأسباب جمالية بحتة؟) أو "معبد الحبّ" المذهل الواقع في الحديقة الإنكليزية.
حديقة الأوركيد الوطنية في سنغافورة
تُعتبر الأوركيد من أكثر نباتات الزينة رواجاً، فهي ترمز إلى الحبّ، والجمال، والفخامة، والقوّة. تخيّلي الآن مدينة سنغافورة الخضراء اليانعة، موطن حدائق سنغافورة النباتية الرائعة. على الرغم من روعة هذه الحدائق، إلا أنّ جوهرة تاجها هي حديقة الأوركيد الوطنية. تضمّ هذه الحديقة الجميلة ما يقارب ألف نوع مختلف من الأوركيد، بكلّ الألوان التي يمكنك تخيّلها ـ لا بل بألوان تفوق الخيال بكثير. أزهارها الخلاّبة، إلى جانب نافوراتها المائية الهادئة وحتى الدفيئة التي فيها، تجعلها جنّة حقيقية.
Maroon Bells في أسبن، الولايات المتحدة الأميركية
شعرتُ وكأنّني في قصيدة قديمة ـ لا أعرف كيف أصفها بطريقة أخرى، لكن مهلاً، سأحاول. في أسبن، تستقلّين حافلة مكّوكية تُوصلك إلى مدخل هذا الوادي المذهل. من هناك، تتجوّلين وسط الخضرة الوفيرة، وتمرّين بالبحيرات المتدفّقة، والجبال المغطاة بالثلوج، والمناظر الخلاّبة من حولك. تظنّين أنّك بلغت قمّة الجمال، لكن كلما تعمّقت في المشي، أدركت أنّ هناك الكثير بعد لاكتشافه. جميل في كلّ فصل، ففي الربيع، يكتسي الوادي بأكمله تدريجياً باللون الأخضر الزاهي، وبحلول الصيف، تتفتّح الأزهار البرّية.
قصر وحدائق Mirabell في سالزبورغ - النمسا
لنبدأ من البداية ـ فهي دائماً نقطة انطلاق جيدة. تجد أصوات وأغاني طفولتنا طريقها إلى أعماق قلوبنا. لذا، في رحلة إلى سالزبورغ، صدّقوني، حزمتُ حذاء الرقص الخاص بي، رغم أنّني كنتُ قد تجاوزتُ السادسة عشرة من عمري بكثير (أَعلم، هذا المشهد قد تمّ تصويره في قلعة Hellbrunn). نافورة بيغاسوس في قصر ميرابل، المُدرجة الآن ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، هي المكان الأيقوني الذي رقصت فيه جولي أندروز، بدور ماريا، والأطفال السبعة وهم يغنّون أغنية "دو-ري-مي". لا شكّ أنّ عشّاق فيلم Sound of Music لن يُفوّتوا فرصة إعادة إحياء هذا المشهد