فندق مشبوه

طرَدَني جمال زوجي مِن البيت ليلاً، لأنّني طلبتُ منه أن يريني هاتفه بعد أن طفَحَ كَيلي مِن مُحادثاته السرّيّة مع نساء أخريات. كنتُ أكيدة مِن أنّه على علاقة مع احدَهنّ، فهو كان يأخذُ هاتفه معه إلى الحمّام ويضَعه طوال الوقت صامتًا ومقلوبًا على الطاولة. إضافة إلى ذلك، كان يبتسمُ لهاتفه، تلك الابتسامة التي يعرفُ الجميع معناها. فبعد شجار عنيف، أمسكَني مِن كتفي وفتَحَ الباب ورماني خارجًا، مُضيفًا: "لقد سئمتُ منكِ أيّتها الساقِطة!". لحسن حظّي أنّني تمكّنتُ مِن أخذ هاتفي وحقيبة يدي معي وإلا كنتُ في ورطة كبيرة.

عندما صِرتُ خارجًا، إحتَرتُ أين أذهب، فالعودة إلى بيت أهلي كانت غير وارِدة، بعد أن مانعوا زواجي مِن جمال وبالكاد قبِلوا أن يحضروا زفافي لولا خوفهم مِن كلام الناس. على كلّ الأحوال، قال لي أبي يومًا: "لا تعودي إلينا لأيّ سبب، فنحن نتبرّى منكِ!". لِذا، طلبتُ سيّارة أجرة جاءَت بسرعة، وقلتُ للسائق أنّ هناك جرذًا في البيت ولا يسَعني البقاء فيه خاصّة أنّ زوجي مُسافر. أخذَني الرجُل إلى فندق، بعد أن طلبتُ منه أن يجِدَ لي مكانًا أبيتُ فيه وأنّ لا مال لدَيّ لفندق أنيق. لَم أكن أعلَم أنّه يأخذني إلى أحَد الفنادق المشبوهة التي يتردّد عليها كلّ مَن يُريدُ قضاء وقت مُمتِع مع عشيقته بعيدًا عن أعيُن الناس.

كانت الساعة مُتأخِّرة جدًّا، أيّ حوالي مُنتصف الليل حين دخلتُ الفندق. في البدء وجدتُ المكان فارغًا لذا نادَيتُ: "هل مِن أحَد هنا؟". ظهَرَ فجأة رجُل ونظَرَ إليّ بشيء مِن الرَيبة، ربّما لأنّني كنتُ لوحدي ولأنّني كنتُ مُحتشِمة ومُرتبِكة. سألَني إن كنتُ أريدُ غرفة، مُضيفًا أنّ الفندق مليء بالكامِل. نظرتُ إلى الخارج فوجدتُ أنّ السائق قد رحَلَ فقلتُ للرجُل:

 

ـ أنا بحاجة إلى مكان أبيتُ فيه... فلدَيّ جرذ في البيت و...

 

ـ أعلَم ما تقصدينَه، سيّدتي. هناك جناح فارغ لكنّ السعر مُرتفِع.

 

ـ ليس لدَيّ الكثير مِن المال، سيّدي.

 

ـ حسنًا... بما أنّ الساعة صارَت مُتقدِّمة، لا أعتقد أنّ أحَدًا سيأتي بعد... سأُعطيكِ الجناح بسعر الغرفة.

 

أعطاني الرجُل المفتاح بعد أن دفعتُ له أجر الليلة، وأخَذَ منّي هويّتي قائلاً إنّه سيُعيدها لي حين أعطيه المُفتاح عند المُغادرة. ثمّ لحِقتُ به إلى غرفة جانبيّة حيث أعطاني مناشف نظيفة، وصعدتُ إلى الغرفة. وقَبل أن تُغلَق عليّ أبواب المصعد، قال لي: "أختي عانَت أيضًا مِن مُشكلة الجرذان هذه... فلا عليكِ".

دخلتُ "الجناح" الذي كان يُشبهُ كلّ شيء إلا الجناح. فقد كانت هناك أريكة قُبالة تلفاز قديم، ومطبخ صغير وغرفة نوم وحمّام... الكلّ في حالة مُزرية! حمَدتُ ربّي أنّ المُكيّف يعمَل على الأقل! أمّا بالنسبة للنظافة، فكان مِن الواضح أنّه أمر ثانويّ جدًّا في ذلك الفندق. بدأتُ أبكي لكثرة حسرتي على نفسي، فهل يُعقَل أن ينتهي بي المطاف في هكذا مكان، فقط لأنّني أردتُ الحفاظ على زواجي وطالبتُ بحقّي بأن يكون جمال وفيًّا لي؟ أليست تلك أبسط الأمور؟ إتّضَحَ أنّ أهلي كانوا على حقّ في ما يخصّه، لكنّ الأوان قد فاتَ ولا عودة للوراء، أي إلى ما قَبل تعرّفي إلى ذلك الشاب الجذّاب والوسيم، الذي عرِفَ كيف يخطفُ قلبي ويُحرّضني على أهلي وأصدقائي.

دخَلتُ الحمّام لأخذُ دوش لكنّني تراجعتُ عن قراري بسبب القذارة، وفضّلتُ استعمال إحدى المناشف لتنظيف نفسي. نظّفتُ أيضًا الكرسيّ والمغسلة ورحتُ إلى غرفة لأنام. وضعتُ باقي المناشف على السرير ونمتُ بملابسي وتابعتُ البكاء.

لَم أنَم قط، بل بدأَت الأفكار السيّئة تُراودُني، فماذا لو رآني أحدٌ هنا؟ ألن يعتقِد أنّني جئتُ أُلاقي عشيقًا ما أو أنّني أبيعُ نفسي؟!؟ يا إلهي! لا! أنا سيّدة مُحترَمة وابنة أناس مُحترمين! وماذا عن جمال؟ هل كان في صدَد التفتيش عنّي، ففي آخِر المطاف خرجتُ لوحدي وسط الليل. لكنّه لَم يتّصل بي ليطمئنّ عليّ على الاطلاق! أيّ رجُل تزوّجتُ؟!؟ ماذا لو حصَلَ لي مكروه؟ ماذا لو خطفَني السائق أو اعتدى علي؟!؟

ثمّ شعرتُ بالظمأ، وأخذتُ أفتّش في البرّاد الصغير والخزائن عن قنّينة ماء، ولَم أجِد شيئًا. نزلتُ الردهة، ومرّة أخرى لَم أجِد أحَدًا. ثمّ ظهرَت سيّدة وسألَتني عمّا أُريد، فطلبتُ منها ماءً، فأعطَتني قنّينة مجّانًّا قائلة: "أعلمُ لِما أنتِ هنا... فأختُ زوجي عانَت أيضًا مِن الجرذان. إذهبي الآن إلى النوم". إبتسَمتُ للمرأة وعدتُ إلى "الجناح" وبعد ذلك غرِقتُ في النوم. ترَكتُ هاتفي قَيد التشغيل في حال اتّصَلَ بي زوجي... يا لي مِن مُغفّلة! فعندما استيقظتُ مِن النوم لَم أجِد أيّ اتّصال أو رسالة مِن جمال، وكأنّه لَم يكترِث لي على الاطلاق!

في الصباح الباكر، نزلتُ الردهة ودخلتُ غرفة الطعام حيث يُقدَّم الفطور عادةً، لكنّني لَم آكُل شيئًا، أوّلاً لأنّني لَم أكن جائعة، وثانيًا لأنّني لَم أكن أثِق بنظافة مطبخهم. طلبتُ فنجان قهوة وحسب مِن شاب كان موجودًا، وجلستُ قرب النافذة الكبيرة أُحدّق في الشارع الفارغ. فالواقع أنّني لَم أنَم إلا ساعات قليلة، وكان الجميع النزلاء لا يزالون في غرفهم أو قد رحلوا بعد أن فعلوا ما جاؤوا يفعلونه.

قدَّمَ الشاب لي قهوتي، واستنتجتُ مِن الشبَه الموجود بينهم انّه ابن الثنائيّ اللذَين استقبلاني. وبدلاً مِن الفنجان الذي طلَبتُه، هو جلَبَ لي ركوة كبيرة مِن القهوة. شكرتُه بحرارة، فكان الأمر وكأنّه يعلَم أنّني لَم أنَم، وأنّني بحاجة ماسّة إلى ما يُبقيني صاحية لإيجاد حلّ لمُشكلتي مع جمال. فالحقيقة أنّني أردتُ، ولأوّل مرّة، أن أُنهي زواجي منه، فلَم أعُد أتحمّل الاهانات. وطَرده لي كان القشّة التي قصَمَت ظهر البعير. كنتُ أعرف أنه لن يقبَل بتطليقي لأنّه كان مِن الذين يهوون السيطرة على الناس ومصيرهم. إضافة إلى ذلك، لا أحَد يتركُ جمال ولا أحَد يملي عليه ما يجب فعله!

شعرتُ بوحدة كبيرة في مطعم ذلك الفندق، وبدأتُ بالبكاء بصمت بعد أن أدَرتُ وجهي مُجدّدًا نحو النافذة. وسمعتُ الشاب يقولُ لي مِن وراء البار حيث كان يغسل الأواني:

 

ـ البكاء لن يطردَ الجرذ مِن بيتكِ... أتعلمين ذلك يا سيّدتي؟

 

ـ أنتَ على حقّ. قُل لي... هل الجميع هنا على معرفة بمسألة الجرذ؟!؟

 

ـ أجل... فعمّتي...

 

ـ أعرف، هي واجهَت المشكلة نفسها. غريب كيف أنّ قصّة عمّتكَ لها حجم كبير في ذاكرتكم.

 

ـ لا أحَد يُحبّ الجرذان يا سيّدتي... لِذا يجب التخلّص منهم بسرعة، قَبل أن يُحدثون أضرارًا في البيت، ناهيكِ عن الأمراض التي ينقلونها!

 

ـ أنتَ على حقّ، سأجِدُ حلاً لِجرذي... على ما أعتقد.

 

ـ لقد وجدنا حلاً لجرذ عمّتي، هل تريدين سماع القصّة؟

 

ـ جرذي مُختلِف، صدّقني.

 

ـ لا بل كلّهم سيّان!

 

غابَ الشاب وبقيتُ لوحدي. إنتظرتُ أن يعودَ ومعه عبوة سمّ للجرذان والفئران، وصمَّمتُ على أخذها منه كَي لا يعرفَ حقيقة مُصيبتي. لكنّه لَم يعُد بل دخَلَ مكانه أبوه بصحبة زوجته ورجُلَين لَم أرَهما منذ وصولي، وجلسوا كلّهم إلى طاولة مُجاوِرة. دخَلَ الابن مِن جديد وأعدَّ لهم أيضًا ركوة كبيرة مِن القهوة. ألقَيتُ السلام على الثنائيّ، وهما سألاني إن كنتَ قد نمتُ جيّدًا فأجبتُ: "نعم".

وسرعان ما بدأ جميع الجالسين إلى الطاولة بالتهامس حولي. لَم أتفاجأ كثيرًا بالأمر، فكان حتمًا مِن النادِر أن تأتي سيّدة لوحدها إلى هذا الفندق وتنام وتستيقِظ أيضًا لوحدها. ثمّ قامَت المرأة مِن مكانها وجلسَت إلى طاولتي وقالَت لي:

 

ـ ربّما عليكِ جَلب بعض الأمتعة مِن بيتكِ، قد يطول غيابكِ عنه... أعني إلى حين تجدين حلاً.

 

ـ أجل... لكن...

 

ـ لكن ماذا؟

 

ـ لا أملكُ ما يكفي للبقاء هنا.

 

ـ لا عليكِ، ستدفعين لنا لاحقًّا.

 

ـ شكرًا جزيلاً! لكن...

 

ـ لكن ماذا؟

 

ـ لا أدري إن كنتُ أستطيع العودة إلى البيت ولو لبرهة.

 

ـ سآتي معك... فلهذا السبب جئتُ أُكلّمُكِ. أما بالنسبة للجرذان، فهي تخاف منّي! هاهاها!

 

ضحكتُ لأوّل مرّة منذ شجاري مع جمال وشعرتُ بارتياح كبير. ثمّ أدركتُ أنّ زوجي قد رحَلَ حتمًا إلى عمَله، وكان الوقت مُناسبًا لِجَلب بعض الملابس معي وأدوات النظافة الشخصيّة. قبِلتُ عرض المرأة وركبتُ معها وابنها السيّارة. دخلتُ البيت، وانتابَني الحزن العميق بعد أن تذكّرتُ بأيّة طريقة شنيعة تمّ طردي منه. إدّعَيتُ أنّني أمشي في البيت بتأنٍّ، وكأنّني خائفة مِن ظهور الجرذ في أيّة لحظة. أمّا بالنسبة لرفيقتي، فهي كانت مُرتاحة كثيرًا، فلا تنسوا أنّها "تُخيف الجرذان!". كان جمال بالفعل قد ذهَبَ إلى عمَله، فاستطعتُ جَمع أمتعتي بسرعة وترَكنا المكان بعد أقلّ مِن نصف ساعة. بقيَ الابن في السيّارة، فأدارَ المُحرّك عند عودتنا وقادَنا مُجدّدًا إلى الفندق حيث شكرتُ الزوج وزوجته وابنهما على حسن ضيافتهم. كان الرجُلان لا يزالان جالسَين مكانهما يتناولان الفطور بصمت. رافقَتني المرأة إلى غرفتي وساعدَتني على وضع أغراضي فيها. ثمّ هي قالَت لي:

 

ـ هل لدَيكِ عمَل؟

 

ـ للأسف، لا. تركتُ تحصيل العلم بعد تخرّجي مِن المدرسة فلَم أدخُل الجامعة.

 

ـ هناك أعمال لا تحتاج إلى شهادة جامعيّة. هناك محلّ للحلوى في آخِر الشارع وصاحبه هو ابن عمّ زوجي. سمعتُ أنّهم بحاجة إلى موظّفة. ما رأيكِ؟

 

ـ لستُ أدري... فلدَي أمور عالِقة في الوقت الحاضِر.

 

ـ سآخذكِ إلى ذلك المحلّ بعد تناولكِ الغداء معنا... لن نقول شيئًا بل ندّعي أنّنا نُريدُ فقط شراء بعض الحلوى. إنّه مكان جميل وأنيق... ليس كهذا المكان.

 

ـ لا تقولي ذلك يا سيّدتي، ففندقكم...

 

ـ أعلَم تمامًا كيف هو فندقنا، إنّه قذِر وغير مُحترَم. إسمعي... حين أنشأنا الفندق، كان أنيقًا ومُحترمًا... لكنّنا وقَعنا تحت ديون كبيرة استحالَ علينا تسديدها. الحلّ الوحيد ليتفادى زوجي السجن كان أن نستقبِل زبائن... تعرفين ما أقصد... لكنّنا على وشك تسديد كلّ المبلغ وحينها سنُقفِل المكان إلى الأبد. أحيانًا تأخذُنا الحياة إلى أماكن لَم نتصوّرها موجودة.

 

ـ أعرِف ما تقصدينَه. لا يهمّني الآن أين أنا، فأنتم عامَلتموني بطريقة رائعة، وأشعرُ أنّني بين أيادٍ أمينة مع أنّني تعرّفتُ إليكم مذّ البارحة فقط، وهذا ما يهمّني. آه... لو كنتم حقًّا عائلتي لَما شعرتُ بالحيرة والضياع أبدًا!

 

ـ إرتاحي قليلاً... سأراكِ في المطعم لتناول الغداء معنا.

 

بعد الغداء رحتُ والسيّدة إلى محلّ الحلوى الذي أعجبَني كثيرًا. هناك، جاء صاحبه ونظَرَ إليّ مُطوّلاً، ثمّ قال إنّه بحاجة إلى سيّدة مثلي لمحلّه، فوعدتُه بالتفكير في الموضوع. وفي طريق عودتنا، قالَت لي المرأة:

 

ـ إقبَلي هذا العرض وأنسي موضوع الجرذ.

 

ـ أخشى ألا يدعَني الجرذ أنساه.

 

أدركتُ بعد هذا الحديث أنّ صاحبة الفندق قد فهِمَت أنّ الجرذ هو زوجي. هل كانوا جميعًا على عِلم بذلك أم هي فقط؟ ماذا عن أخت زوجها التي عانَت مِن المشكلة نفسها؟ هل لهذا السبب أخذَت قصّتها حجمًا كبيرًا؟ لَم أكن أبدًا مُتأكّدة مِن شكوكي، لِذا بقيتُ مُمسِّكة بقصّة الجرذ. لَم يتّصل بي زوجي ولَم يهمّه أين أنا وكيف حالتي. يا للأسف!

في المساء، جلَستُ مع العائلة، وأكَلنا مُجدّدًا سويًّا وتناقَشنا في أمور عاديّة جدًّا. ثمّ بدأَ الزبائن يأتون إلى الفندق، ورأيتُ كيف هم يبذلون جهدهم لتغطية وجههم، خاصّة النساء منهم خوفًا أن يتعرّف عليهم أحَد. بقيَ الناس يأتون ويذهبون حتّى الساعات المُتأخِّرة ثمّ هدأ المكان. رحتُ أنام بدوري بعد أن شكرتُ أصدقائي الجدد، وأعترِف أنّني نمتُ كالطفلة!

تفاجأت في الصباح برسالة صوتيّة مِن جمال بعثَها لي خلال الليل أثناء نومي العميق، فبدأ قلبي يخفقُ بقوّة! هل هو سيصرخُ عليّ ويشتمني، ويأمرني بالعودة إلى البيت للقيام بواجباتي الزوجيّة والمنزليّة؟ ماذا لو عنّفَني وأهانَني مُجدّدًا؟؟؟

فتحتُ الرسالة وإذ بي أسمَعه يقول لي بِصوت يرتجِف: "حبيبتي... أنا آسِف على كلّ الذي فعلتُه لكِ منذ بداية زواجنا... أنا رجُل حقير ولا أستحقّك... سامحيني أرجوكِ! سأتركُ البيت بلا عودة، فأنا مَن عليه الرحيل وليس أنتِ... سأُطلّقكِ بأسرع وقت كَي يتسنّى لكِ بناء حياتكِ مِن جديد مع إنسان أفضل منّي. وسأكتبُ البيت باسمكِ طبعًا. وداعًا". ماذا؟!؟ لَم أصدِّق أذنيَّ! هل يُعقَل أن يكون زوجي قد استوعَبَ فظاعة أعماله؟ حاولتُ الاتّصال به لأشكره على موقفه النبيل ومُناقشة ما حصل بيننا، لكنّ خطّه كان مُقفلاً، لِذا خابَرتُ مقرّ عمَله، وإذ بالموظّفة تقولُ لي إنّه لن يأتي اليوم إلى الشركة لأنّه في المشفى... بعد أن دخَلَ لصّان البيت وأبرَحاه ضربًا حين هو فاجأهما! أضافَت أنّه بحالة مُزرية لكنّ حياته ليست بِخطر.

أقفَلتُ الخط بعدما فهمتُ ما حصَلَ له حقًّا. فكلامه المعسول لي في الرسالة الصوتيّة لَم يكن نابِعًا مِن ندَم حقيقيّ حيال ما فعلَه بي، بل مِن خوفه مِن "اللصَّين" بعد أن ضرباه وهدّداه. ومِن الواضح أنٌهما كانا واقفَين بجانبه لدى تسجيله الرسالة بصوت يرتجِف.

نزلتُ الردهة بسرعة حيث وجدتُ صاحب الفندق الذي سألَني إن نمتُ جيّدًا. لَم أجِب على الفور بل سألتُه: "قُل لي... ما طبيعة عمَل الرجُلين اللذَين كانا هنا البارِحة؟". لَم ينظُر إليّ صاحب الفندق بل قال فقط: "آه... هذان... هما مُتخصّصان بإبادة الفئران والجرذان... وهما مَن ساعدا أختي على حلّ مُشكلتها، وأستطيع الجَزم بأنّهما خبيران في مجالهما... ما هو جيّد في إدارة فندق كهذا، هو أنّنا نتعرّف على شتّى أنواع الناس، أمرٌ مُفيد للغاية".

عدتُ إلى بيتي الفارغ مِن أيّ جرذٍ كان، ثمّ بدأتُ العمَل في محلّ الحلوى. طلّقني جمال بعد أن تعافى وكتَبَ البيت باسمي، ثمّ سافَرَ إلى وجهة غير معروفة ولَم أسمَع عنه بعد ذلك.

بقيتُ على تواصل دائم مع أصحاب الفندق الذي تمّ اقفاله بعد سنة كما وعدَتني المرأة. وعند إيجاد شارٍ له، قبضَت العائلة ثمنه واشتروا مطعمًا لطيفًا للغاية. أنا اليوم أعملُ معهم في المطعم وأتقاسَم معهم وقتي كله، فهم باتوا عائلتي الحقيقيّة.

صحيح أنّني لَم أكن موافِقة على نوعيّة عمَلهم السابق، إلا أن رعايتهم لي، أنا الانسانة الغريبة التي جاءَت إليهم ضائعة في إحدى الليالي، لا تُنتسى أبدًا.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button