طوال سنوات، عندما كنتُ أنظرُ إلى انعكاس صورتي في المرآة، بالكاد كنتُ أتعرّفُ إلى نفسي بعد أن تغيّرتُ كثيرًا بفضل الطبّ التجميليّ وبسبب زوجي. الحقيقة أنّني لَم أعد أحبّ تلك المرأة التي صرتُها، لكنّني أردتُ الحفاظ على مروان الذي أحببتُه مِن كلّ قلبي.
كلّ شيء بدأَ بعد حَملي الأوّل، عندما ربحتُ بعض الوزن كمعظم النساء وتغيّرَ جسدي بعض الشيء. أسرعتُ باتّباع حمية، لكن تفاجأتُ بعد أشهر قليلة بِحمل جديد. وهكذا وجدتُ نفسي أسيرة نمَط حياة منعَني مِن الإعتناء كالسّابق بجمالي وأنوثتي. لَم أتوقّع أن يتأثّر مروان بالأمر إلى هذه الدرجة، فهو صارَ يتفادى لَمسي أو حتى النظر إليّ وأنا في ملابسي الداخليّة أو عارية. في إحدى المرّات قرأتُ على وجهه اشمئزازًا سبَّبَ لي حزنًا لا مثيل له. كنتُ قد ربحتُ ولدَين وخسِرتُ في الآن نفسه زوجًا.
تأكّدتُ مِن ابتعاد مروان عني حين اكتشفتُ أنّ له علاقة مع مُساعدته، وهي صبيّة جميلة ورشيقة. وحين واجهتُه بالذي علِمتُه، نظَرَ إليّ مِن رأسي إلى أسفل قدمَيَّ وقال لي بوقاحة:
- أنتِ تُهملين نفسكِ وأنا وجدتُ بِمايا الذي كنتُ أحبُّه فيكِ... الحقّ يقعُ عليكِ.
صدّقتُه وشعرتُ بِذنب كبير. لَم أُدرك أنّه إنسان سافل وأنانيّ وأنّه لَم يكن يُحبّني.
أخذتُ مايا مثلاً لِما كان عليّ فعله بنفسي، أي خسارة الوزن الزائد وتغيير لون شعري، وتكبير صدري وشفاهي ومحو أي علامة تعَب وإرهاق. أجل، عزمتُ على استرجاع زوجي على حساب كياني كأمّ وإمرأة.
مِن حسن حظّي أنّ زوجي كان رجلاً ناجحًا ويجني الكثير مِن المال، وإلا لقصدتُ أطبّاء غير كفؤين كانوا قد شوّهوني بلا شكّ. فقد إستعملتُ المال الذي كان يُعطيني إيّاه مروان لِمصروفي الخاصّ وحتى مال البيت، فهكذا عمليّات باهظة للغاية.
لَم أفكّر أنّ هكذا إجراءات هي مؤلمة أيضًا وستأخذُ مِن وقتي ومِن اهتمامي بِولدَيّ. في الحقيقة، إعتبرتُ أنّ هذَين الإبنَين هما السبّب في خراب زواجي، فلولاهما لكان مروان لا يزال يرغبُ بي. لِذا لَم أتردّد عن تسليمهما إلى مُربّية، بينما أتفرّغ إلى إعادة بناء شكل لَم يكن شكلي.
وبدأَت مرحلة التحوّل التي أردتُها تدريجيّة، فكان العالم التجميليّ لا يزال غريبًا بالنسبة لي. أحبَبتُ الذهاب إلى عيادة الجرّاح وكأنّ ذلك يُعطيني أفضليّة على بنات جنسي، لأنّني كنتُ قادرة على تغيير ملامحي كما أشاء، ومُحاربة العلامات التي تفرضُها علينا الحياة بأعبائها؛ وما هو أهم، مُحاربة الوقت وإيقافه حين أريد وكيف أشاء.
ما كان رأي مروان بتغيير لون شعري وتكبير شفتَيّ؟ هو لَم يلاحظ شيئًا على الإطلاق. قلتُ لنفسي إنّ تلك الإجراءات كانت خفيفة أو أنّها لَم تكن ما يهمّه في المرأة، لِذا تابعتُ شفط الدّهون ومِن ثمّ تكبير الصدر. وهكذا بعد أقل مِن سنتَين، صرتُ شبيهة بتلك العرائس الجميلة التي تتمثّل بهنّ الفتيات.
في فترة مِن الفترات، لاحظتُ بعض الإهتمام مِن قِبَل زوجي، ولكن ما لبِثَ أن اختفى. ما الذي كان عليّ تغييره كي أستعيد حبّ مروان؟ زدتُ بعض الحجم على مؤخّرتي، الأمر الذي أعطى توازنًا مع كبر صدري.
مرَرتُ بفترات ألَم شديد بعد كلّ عمليّة جراحيّة، وتحمّلتُ المشدّات والأدوية ضدّ الإلتهاب والوجع. وتحمّلتُ أيضًا نظرات أقاربي ومعارفي لي المليئة بالتساؤلات والسخرية. تحمّلتُ كلّ ذلك مِن أجل مروان الذي كان يلهو بِلعبته الجديدة لأيّام قليلة ليعود إلى عشيقاته.
لَم ألاحظ كيف كبر ولدايَ لكثرة انشغالي بنفسي والتركيز على زوجي، وحين خطَرَ أخيرًا ببالي أنّ لي إبنَين، كانا قد تعلّقا بالمربيّة لدرجة إعتبارها أمّهما. لَم أزعل كثيرًا، مُعتقدةً أنّهما سيعودان لي بعد أن يتعوّدا على وجودي معهما، ناسيةً أنّهما قد خافا مِن شكلي الذي لَم يكن له علاقة أبدًا بالأم التي حملَتهما وغنَّت لهما كي يناما.
مع تغيير مظهري، تغيّرَ أيضًا معشري، فلَم يعد أحد مِن أصدقائي يرى رابطًا مع إنسانة وجَدوها فارغة وتافهة وسطحيّة. لِذا أحطُّ نفسي باللواتي هنّ مثلي، أي مهووسات بالتجميل ومُستعدّات لأيّ شيء مِن أجل الوصول إلى الكمال. أجل، كان ذلك هدفنا، وكنّا نتبادل الوصفات وأسماء الأطبّاء الماهرين والتقنيّات التجميليّة الجديدة. فالجدير بالذكر أنّ المرء يُصبحُ مُدمنًا على هكذا أمور، ولا يعودُ يرى بوضوح القدر الذي وصَلَ إليه بل يعتبرُ أنّ بإمكانه فعل الأكثر بعد.
وذات يوم، تركَني مروان بعدما قال لي:
ـ لَم أعد أطيقُ العَيش معكِ.
ـ لماذا؟ ما الذي يُزعجكَ بي؟ شكلي؟ لقد حسّنتُه مِن أجلكَ وصرتُ كاللواتي تعشقهنّ.
ـ لا بل شكلكِ يدعو للسخرية، ليس لأنّكِ غير جميلة، بل لأنّ ما فعلتِه بنفسكِ مُحزن للغاية ويدلّ على ضعف نفسكِ وقلّة ثقتكِ بذاتكِ.
ـ لكنّكَ خنتَني قبل أن أبدأ بالعمليّات التجميليّة.
ـ صحيح ذلك... ربمّا لأنّني سافل أو لأنّني لَم أحبّكِ كفاية.
ـ أنظر ما فعلتُه مِن أجلكَ!
ـ لَم أطلب منكِ شيئًا. على كلّ الأحوال، مهما فعلتِ، لا تزالين زوجتي نفسها التي خنتُها وأخونُها كلّ يوم، لِذا أنا راحل. سأتركُ لكِ الولدَين لأنّهما سيكونان عبئًا عليّ. لا تخافي، فسأؤمّن لكم عيشة كريمة. الوداع.
تركَني مروان مع ولدَين بالكاد يعرفاني، ومع شكل لَم أرِده وأصدقاء لا أُحبُّهم. كنتُ قد خلقتُ لنفسي حياةً مُصطنعة لا تمتُّ بأيّ صلة للعالم الذي عرفتُه وأردتُه حين كنتُ أنا.
الصدمة كانت هائلة لدرجة أنّني سجنتُ نفسي في البيت وفقدتُ رغبتي بالعَيش. أهملتُ ولدَيَّ مُجدّدًا، وكرهتُ جسدي الذي لَم يَفلَح في إبقاء رَجُلي إلى جانبي.
مرَّت حوالي الخمس سنوات على هذا النحو عمِلتُ خلالها على مُتابعة الحِقَن كي لا يترهّل وجهي، لكنّ النتيجة كانت مُخيفة إذ لَم أعُد قادرة على تحريك شفتيّ أو جبيني أو حتى التعبير عن مشاعري عبر حركات الوجه. صرتُ وكأنّني مِن شمع وبلا روح.
إنقاذي تمّ مِن خلال طبيب تجميليّ يتمتّع ببعض الضمير، فعادةً يُشجّع هؤلاء زبائنهم على المُتابعة والمُبالغة كي يجنوا المزيد مِن المال. لكنّ هذا أعطاني ذات يوم رقم طبيبة نفسيّة ونصحَني بزيارتها قبل فوات الأوان قائلاً:
- هي ستُساعدكِ على استرجاع حبّكِ لنفسكِ وإعادة حياتكِ وكرامتكِ لكِ.
تأثّرتُ كثيرًا بما قالَه، فقصدتُ الطبيبة وبدأتُ الجلسات معها. وما اكتشفتُه عن نفسي كان مؤلمًا مِن حيث سبب تعلّقي بِرجل واحد وفعل المستحيل مِن أجله، لأنّ ذلك لَم يكن طبيعيًّا. إلى جانب ذلك، أدركتُ مدى تقصيري مع ولدَيَّ، وكيف أنّني أخلقُ لهما عقدًا قد تُدمّر حياتهما.
المشوار كان طويلاً لكنّني شفيتُ أخيرًا. فتوقّفتُ تدريجًا عن الخضوع للحقن، ثمّ خضعتُ لِعمليّات لإزالة المكوّنات الموجودة في صدري ومؤخّرتي. عدتُ كما كنتُ وتفاجأتُ بأنّني أحبّ شكليّ القديم. أمّا علاقتي بولدَيّ فتحسّنَت شيئًا فشيئًا بعد أن تعلّمتُ كيف أُزيل الحواجز بيننا ونصبح أخيرًا عائلة.
علِمتُ أنّ مروان تزوّجَ وعادَ وطلّقَ تلك الزوجة ليأخذ أخرى، وفهمتُ بِمساعدة الطبيبّة أنّه لن يقتنِع بأيّة إمرأة وسيظلُّ يبحث عن أخرى طوال حياته، فهو أيضًا كانت له مشاكل نفسيّة إلا أنّه لَم يجد يومًا تصرّفاته غير طبيعيّة... ومهما فعلتُ بنفسي لَم يكن ليرضى بي.
خطئي كان أنّني فضّلتُ رجلاً على نفسي، وحوّلتُ ذاتي إلى بضاعة يُمكن تحسينها حسب رغبة غيري. لَم أكن أعلم أنّ الذي يُحبّني فعلاً سيقبلُ بي مهما حصل لِجسدي أو وجهي وسيشيخُ معي مُفتخرًا بي. هذا هو الحبّ وهذا ما بدأتُ أفتّشُ عنه... حتى وجدتُه بعد أكثر مِن عشر سنوات على رحيل مروان. وجدتُ الحبّ لأنّني تعلّمتُ كيف أحبّ نفسي أوّلاً وأعتزّ بما لدَيّ، فأنا كما أنا ولا يحقّ لأحد أن يُغيّر ذلك حسب هواه.
لا اُدينُ عالم التجميل بل أعتبرُ أنّ للمرأة الحقّ بالحفاظ على جمالها، فقط إذا هي أرادَت ذلك مِن خلال إجراءات خفيفة، فالطبّ يُعطينا، في كلّ مجالاته، الفرصة لأنّ نكون بحالة أفضل.
إنّ الصراع مع الزمَن ومِن أجل الرجل سيكون هاجس المرأة الدّائم، إلى حين تُدرك مدى قدرتها وكَم أنّ كيانها مميّز. فقط حينها ستقبل نفسها كما هي لتتفرّغ لإبهار العالم بواسطة ما أعطاها إيّاه الله، فهذا هو كافٍ، صدّقوني.
حاورتها بولا جهشان