منذ نشأة العالم القديم، مخلوقات كثيرة سكنت السماوات بحسب الأساطير اليونانية، منها القنطور وأبو الهول وآلهات الإلهام، بحيث يؤدّي كل مخلوق دوراً له دلالات كبيرة في هذا العالم الشاسع.
كل مخلوق يتبع أوامر "زيوس" ملك الآلهة، الذي يحكم العالم الذي خلقه من جبل أوليمبوس، مُحاطاً بأسرته الإلهية. خلق زيوس وسلسلته البشر، وكانت قصص حبّ البشر وحكاياتهم مصدر ترفيه دائم للآلهة، إلا أنّ رغبة التصرّف كالبشر كانت قوية جداً، وحتّى الآلهة لم يقووا على مقاومتها.
وضع جميع سكّان أوليمبوس، أي الآلهة وإخوانهم الجبابرة، اختلافاتهم جانباً، واتّفقوا على تقسيم العالم في ما بينهم، فتقاسموا السلطة على السماء والبحر والمواسم...
...وعلى أعماق الأرض، أي مملكة "العالم السفلي" الشاسعة. يحكم هذا العالم "هاديس" شقيق "زيوس"، وهو عالم ترقد فيه الأرواح بسلام عندما يحين وقت الحياة بعد الموت.
مملكة "هاديس" هي الأغنى والأكثر سكّاناً، فكل الأحجار الكريمة وكل الذهب المدفون تحت التراب هو ملكه وحده.
يبسط حكمه على شعبه الذي لا ينفكّ يزداد عدداً، بالتعاون مع زوجته الجميلة "بيرسيفون". لكن تبقى بجانبه نصف العام فقط، في حين تمضي النصف الآخر في "العالم العلوي" بعيداً عنه عند حلول فصل الربيع.
بالرغم من الحشود والأبطال الذين يُشاركونه الطعام على مائدته، لا يهدأ لـ"هاديس" بال، خاصّةً عندما تُغادر ملكته إلى أوليمبوس. أحياناً يشعر بالغيرة من الآلهة الآخرين ومن "العالم العلوي" الذي يضجّ فوقه.
الحورية Minthé، ابنة "كوكيتوس"، نهر الآلهة الذي يجري في "العالم السفلي"، تحلم بمغادرة الكهوف المظلمة حيث قضت طفولتها لاكتشاف العالم. تسير لساعات وساعات بجانب والدها، متنهّدةً كلما تذكّرت رفيقاتها وهنّ يضحكنَ ويرقصنَ تحت أشعة الشمس المشرقة.
لم يلتقِ "هاديس" و Minthé من قبل، لذا عندما رآها للمرة الأولى تائهة في أفكارها، فاضت فيه المشاعر الجيّاشة وانسحر بها من النظرة الأولى.
بادلته Minthé هذا الحبّ الممنوع، ببراءة تنبض بالأحاسيس والمشاعر.
نع إمضاء "بيرسيفون" الصيف بعيداً عن "العالم السفلي"، اتّقد الحبّ بين "هاديس" و Minthé، من دون اعتبار لأي شيء أو أحد. ولشدّة وهج السعادة المحيط بالعشيقين، وجد النور طريقه إلى "العالم السفلي".
لكن هذا الحبّ لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، فمع حلول فصل الخريف على عالم البشر، تستعدّ "بيرسيفون" للعودة إلى "العالم السفلي". تدخل الطبيعة في سبات عميق، وتنتظر بصبر عودة الملكة ليُزهر الربيع وتستعيد رونقها. لكن Minthé و"هاديس" تائهان بعالمهما الخاص، لدرجة أنّهم نسيا "بيرسيفون"...
تعود الملكة فتفاجئ العشيقين.
تشعر بالإهانة وتقطع عهداً على نفسها بمعاقبة Minthé على طريقتها الخاصة. يستشري فيها الغضب وتُقرّر أن تواجهها. جرحها كبير لا يلتئم، والغضب يتملّكها.
في آخر لحظة، يتدخّل "هاديس" ويحاول تهدئة غيظ زوجته بكلماته الحكيمة وقبلاته ووعوده، لكن دون جدوى. ترفض "بيرسيفون" الإصغاء والتعقّل.
بحُزن شديد، لم يبقَ لـ"هاديس" أي خيار سوى تحويل Minthé لإنقاذها من مصير أسوأ. فحوّلها إلى غصن نعناع ناعم بحركة واحدة من يده، وسرعان ما فاحت رائحتها القوية في أنحاء "العالم السفلي".
انتقلت Minthé إلى "العالم العلوي" كما كانت تحلم دائماً. وكلما نمت، اكتشفت أرضاً خصبة وغنية تنبض بالألوان. منحها "هاديس" نعمة أن تُزهر كما تشاء، بعيداً عنه لكن مُفعمة بالحياة.
بهذه الهيئة الجديدة، تكتشف Minthé عالماً يلفّه الغموض. تنمو تحت نبتة السرخس، وتلتفّ حول الغرنوقي والباتشولي، قبل أن تلتقي بالورد. تجمع Minthé كافة المكوّنات لابتكار تركيبة جديدة، ويفوح منها عطر يأسر الحوريات في الغابة ويشدّ الحيوانات عند انتشار شذاها في الهواء.
بدافع الفطرة وحدها، خرجت Minthé عن المسارات التي اتّبعها الآخرون لاكتشاف الحبّ والعيش بجرأة.
وحّدت علامة "ديبتيك" diptyque، مِن وحي الحورية، حواس النظر واللمس والشمّ واصطحبتنا في مشوار لا يُشبه غيره إلى عالم العطور الحافل بالمفاجآت.
يروي عطر Eau de Minthé حكاية تحوّل، حكاية أسطورية يفيض فيها النعناع برائحة تنبض بالحياة.