طلبَت منّي شقيقتي التوأم أن آخذ عائلتها

إذا كنتُ قد فكَرتُ بالزواج من كمال، فهذا يعود ﻷختي ليس ﻷنّها عرّفتني إليه بل ﻷنّها كانت هي زوجته!
كل شيء بدأ عندما كنّا في الجامعة وكان لدينا شعبيّة كبيرة لكوننا توأم لا يستطيع أحد تفريقنا سوى أميّ وأبي وكان هذا موضع دعابات ومقالب كثيرة. وتعرّفَت أختي يُمنى على كمال وأغرمَت به. المشكلة أنّني أنا أيضاً كان لديّ مشاعر قويّة تجاهه ولكنني من حبّي لها لم أدعها تلاحظ شيئاً. كانت فترة تواعدهما بمثابة تعذيب لي فطوال الوقت كنتُ أدّعي أنني سعيدة لهما وعندما أعود إلى البيت كنتُ أختبئ بغرفتنا وأبكي.

وتزوجّا وتركتني أختي لتؤسس عائلة وهذا أوجعني جداً ولكن حبّي لها جعلني أتمنّى السعادة لها حتى لو كانت بعيدة عنّي ومع الرجل الذي أحبّه. أنجبَت يُمنى ولد جميل أسمته شوقي وكانت حياتها مثاليّة حتى أن بدأت صحتها تنتكس. وبعد فحوصات عديدة ودقيقة علِمنا أنّها مصابة بمرض خطير. لم أتركها ولو للحظة وبقيتُ معها حتى آخر نفس وبينما كانت تُحتضر قالت لي:

- يسرى... لديّ طلب واحد وأرجو أن تقبلي... أعلم أنني راحلة ولن يرتاح بالي على زوجي أو إبني إلا إذا... إذا تزوّجتِ كمال.

- ماذا؟ ما هذا الكلام؟

- إسمعيني... أنا أعلم كم تحبّين ولدي وأعلم أيضاً... لطالما علمتُ أنّكِ معجبة بزوجي... لا تنكري فأنتِ توأمي وأنا أعرف كل شيء عنكِ من الخارج ومن الداخل. أرجوكِ إقبلي طلبي... لا أريد أن تأتي إمرأة غريبة وتسيء معاملة شوقي.

- ولكن... ماذا لو رفض كمال؟

- لن يرفض طلب إمرأة تُحتضر... دعي الأمر لي.

- سأفكّر بالموضوع...

- لا... ليس عندي الوقت الكافي ﻷنتظر جواباً منكِ... أنتِ ستتزوّجين كمال وستهتمّين بولدي.

وبعد بضعة أيّام توفّت أختي العزيزة وتمنيتُ لو متُ أنا أيضاً فكانت كل شيء بالنسبة لي، كانت نصفي الآخر بكل معنى الكلمة. وبعد الجنازة جاء كمال وسألني إن كانت يُمنى قد تكلّمت معي بشأن الزواج:

- نعم فعلَت ولكن ألا ترى أنّ هذا مبكّراً بعض الشيء؟

- أجل ولكن... أنتِ تشبهينها كثيراً ووجودكِ معنا في البيت سيخفّف من حزن شوقي. لا أتكلّم عن الزواج في الوقت الحاضر بل أن تأتي وتمكثي عندنا ولو لأوّل فترة.

كان كلامه منطقيّاً فبوجودي سيشعر إبن أختي أنّ أمّه ما زالت حيّة. فذهبتُ إلى منزلهما وأخذتُ مكان يُمنى ولكنني كنتُ أنام في غرفة منفردة ولا أتعامل مع كمال كأنّه زوجي بل كصديق لي. فعلتُ ذلك إكراماً لذكرى حبيبة قلبي ولكن بداخلي كنتُ مرتبكة لا أدري إن كان يحقّ لي أن أحبَّ كمال أم لا. فمن ناحية كانت هذه أمنية يُمنى الأخيرة ومن ناحية أخرى كنتُ أرى الوضع غير لائق. أمّا كمال وشوقي كانا مسرورَين جداً لوجودي معهما وكأن لم تمت يُمنى حتى أن بدأ الصغير يناديني "ماما". وعندما جئتُ لأصحح له أوقفني كمال وقال لي:

- دعيه يفعل... لن يفهم الآن فهو صغير... دعيه يظن أنّها ما زالت هنا... أرجوكِ... فأنتِ ليس لديكِ أطفالاً فما الضرر إن نداكِ أحد بهذا الإسم؟

كان جزئياًّ على حق مع أنني لم أكن والدة شوقي كنت أشبهها بشكلي الخارجي وبطبعي وأخلاقي.

ولكن مع الوقت بدأتُ أشعر أنني بديلة وأنني قد فقدتُ هويّتي الحقيقيّة. لم أعد أعلم من أنا بالضبط: يمنى أم يسرى؟

وحين جاء كمال ليقبّلني ذات ليلة رفضتُ رغم رغبتي الشديدة وسألته:

- من تقبّل الآن؟ أنا أم أختي؟

إحمرّ وجهه ورحلَ دون أن يجيب.

ولكن مكوثي معهم جعلَ الناس تتكلّم وعائلتي ضغطت عليّ لكي أتزوّج من كمال أو أرحل من عنده. كانت المسألة صعبة جداً عليّ. لطالما تمنيتُ أن أعيش مع ذلك الرجل وأن أحبّه أمّا الآن لم أعد متأكّدة أنّ هذا ما أريده فعلاً. وعندما عرض عليّ كمال الزواج سألته:

- قل لي بصراحة... من أنا بالنسبة لكَ؟ ولماذا تريد أن ترتبط بي؟

- أنتِ... أخت زوجتي... وأنا مرتاحٌ معكِ... وتجيدين التعامل مع شوقي.

- حسناً... ولو لم أكن توأم يُمنى... لو كنتُ شقيقتها ولكن دون أن أشبهها هل كنتَ أيضاً تريد الزواج مني؟

- لست أدري... ربما لا... أو ربما... لماذا كل هذه الأسئلة!؟!

- ﻷنّكَ لا تحبّني أنا بل هي!

- لا فرق بينكنّ! أنت هي!

- هنا غلطتكَ... أنا لستُ هي: أنا أنا! من فترة طويلة وأنا مغرمةٌ بكَ ربما ﻷنني إعتقدتُ أن ما ومن تحبّه أختي يجب أن أحبّه أيضاً ﻷننا توأم ولكن ليس من الضروري أن تجري اﻷمور هكذا فأنا شخص مختلف عنها. كنتُ أحبّكَ ولكن لم أعد أشعرُ تجاهكَ بشيء وعليكَ أن تفهم أنني لستُ بديلة ﻷحد. صحيح أن أختي طلبَت منّي أن آخذ مكانها ولكن ليَ الحق أن أرفض فهذه حياتي.

- أنتِ لا تحبّين أختكِ! لو تحبّينها لفعلتِ ما طلبَتهُ منكِ!

- بل أحبّها أكثر من كل شيء ولكن هذا لا يعني أنّ طلبها محقّ خاصةً أنّها كانت مريضة وفي حالة نفسيّة وجسديّة لا تسمح لها بالتفكير بوضوح. أنا راحلة الآن وسأعود قريباً. سأبحثُ عن الحب في مكان آخر وسيكون لي عائلة خاصة بي وليس واحدة إستعرتُها من أحد. لن أترككما كلّياً فسأمرّ عليكما بصورة دائمة وأهتمّ بشؤون شوقي وأنصحكَ بمساعدته على الإدراك أن أمّه رحلَت بدلاً من أن توهمه وتوهم نفسكَ أنّها ما زالت حيّة. فالحياة ملك الأحياء.

حاورتها بولا جهشان. 

المزيد
back to top button