كنتُ قد انتقلتُ منذ فترة قصيرة مع زوجي إلى مسكننا الجديد عندما جاءت جارتنا لتُرحّب بنا. سُرِرْتُ بها كثيراً لأنها كانت لطيفة جداً وعمرها يقارب عمري. تأمّلتُ أن تُصبح رنا صديقتي وأن نقضي أياماً سعيدة سوياً. ولكن لطالما كان لديّ قلب أبيض لا ارى سوى الخير في الناس وهذا كان سيودي بي إلى خراب حياتي.
كان زوجي يذهب إلى عمله في الصباح ليعود في آخر النهار، وبدأتُ أقضي وقتي مع رنا نذهب سوياً إلى السوق ونجلس في المقاهي نتكلّم عن أشياء كثيرة. كانت مَرِحَة لا تأبه بشيء وهذا كان يُفرحني لأنني كنتُ أحمل دائماً هموم الآخرين، الأمر الذي كان يُتعبني ويُتعب زوجي.
تعرّفتُ إلى أهل رنا، أناس طيّبين، يُحبّون ويُكرّمون ضيفهم، ووجدتُ فيهما صورة والديَّ المتوفّين.
كان كلُّ شيء على ما يُرام حتى جاءت رنا يوماً وعرضت عليّ مشروعاً :
- صديقتي مايا، أريد أن أشارككِ سرّي لأنني أحبّك كثيراً. لا بدّ أنكِ لاحظتي أنّ لديّ سيارة فخمة وألبس الحليّ وأذهب إلى أفخم مطاعم رغم أنني لا أعمل.
-أجل، لاحظتُ كلّ ذلك. لا بدّ أن أهلكِ يعطونك المال.
ضحكتْ رنا بقوّة وتابعت :
- أهلي؟ ألم ترينهما؟ حالتهما جدّ عاديّة، أبي كان موظفاً بسيطاً وأمّي لم تعمل يوماً. لا يا عزيزتي... كلّ مالي يأتي من مكان آخر. فإني أستثمر في البورصة العالمية وهذا غيّر أحوالي في ليلة وضحاها. وأعرض عليكِ فعل هذا أيضاً.
- لكنّي لا أفهم في أمور البورصة أبداً، ولدينا المال الكافي لنعيش بكرامة.
- أنتِ تعيشين بكرامة؟ بالكاد تشترين ثياباً وسيّارتكِ من طراز قديم. لم أركِ يوماً تلبسين الحليّ وتحملين حقيبة يدويّة جميلة. أنا متأكدة أنه لا يبقى لديكما مالاً في آخر الشهر.
- صحيح هذا... ولكن هذا المشروع... أهو مضمون؟ لديّ بعض المال في حساب قديم في المصرف. مالاً تركه لي أهلي بعد وفاتهما.
- مضمون مئة بالمئة! أنا صديقتكِ العزيزة، هل يُعقل أن أؤذيكِ؟
- حسناً... سأعطيكِ مبلغاً صغيراً ونرى ما يحصل.
وأعطيتها جزءاً بسيطاً من مالي إستثمرته في شراء الأخشاب، وبعد فترة جاءت رنا فرحةً جداً وأخبرتني أنّ مالي تضاعف. فرحتُ كثيراً وتشجّعتُ لإعطائها المزيد من المال خاصةً أنها قالت لي أنّه إلى جانب الخشب هناك الأرز وطبعاً الفضّة.
بعد بضعة أشهر كنتُ قد أعطيتها مالي بأكمله، والغريب بالأمر أنني لم أكن أشكّ بنوايا رنا أبداً خاصةً أنّ رصيدي كان يرتفع يوماً بعد يوم رغم أنني لم أقبض قرشاً منه فعلياً. كانت رنا تشتري وتبيع عنّي على الإنترنت. ثم جاءت الضربة القاضية : أخبرتني جارتي أنّها سمعتْ أنّ سعر الذهب سينخفض لوقت قصير جداً ثم يرتفع فجأة، وأنّ الوقت جدّ مناسب للشراء، ومن المستحسن أن أستثمر مبلغاً كبيراً من المال لكي أضمن لنفسي مستقبلاً زاهراً، وهذا لآخر يوم في حياتي.
وبما أنني لم أعد أملك سيولة فكّرتُ أن أتكلّم مع زوجي وأن أقنعه برهن الشقة بحجّة أنّ الرهن لن يطول لأنني سأربح المال الوفير.
عندما فاتحتُ زوجي بالموضوع كاد أن يجنّ. لم يُصدِّق أنني ساذجة إلى هذا الحدّ. لم يعجبني حديثة وتشاجرنا.
- إنّه مالي الذي استثمرته، مال والديّ أنا! ما دخلك أنت؟
- أعلم أنّه مالكِ وأعرف ماذا يعني لكِ. وهذا أغضبني أكثر من فكرتكِ برهن شقّتنا. ألا ترين أنّ هذه المرأة سلبت كلّ ما لديكِ وتريد وضع يدها على ما تبقّى.
- إنّها صديقتي وأثق بها. لن تفعل شيئاً يؤذيني أبداً.
- حسناً... لنرى إذا كنتِ على حقّ... أطلبي منها أن تسحبي مالكِ كلّه مع ربحكِ. وإذا أعطتكِ إيّاه أعدكِ أنني سأرهن البيت.
فرحتُ كثيراً لسماع هذا وهرعتُ إلى رنا لأطلب منها مالي.
- طبعاً، طبعاً.... فهذا حقّكِ.... نصيحتي أن تُبقي كلّ المبلغ حيث هو، ولكن سأفعل ما تُريدينه... أعطني فقط يومين لأستردّه.
ومرّ يومين، وثلاثة، وأسبوع. عندما لم أسمع منها خبراً ذهبتُ إلى أهلها أسألُ عنها. قيل لي أنّ رنا رحلت منذ أيام إلى الولايات المتحدة وأنها لن تعود قريباً.
أحسستُ أنّ الأرض تدور حولي وكاد أن يُغمى عليّ. رجعتُ إلى البيت وبكيتُ كثيراً. عندما عاد زوجي من عمله في المساء ورأى بأيّ حال أنا، فَهِمَ كلّ شيء. قال لي :
- كنّا نعيش جيّداً، لم نحتاج يوماً لشيء. لماذا فعلتِ هذا؟ ألم يكن من الأفضل أن تجدي عملاً وتجني مصروفك الخاص حلالاً!؟ لن أفاتحكِ بالموضوع مجدّداً. إعرفي فقط أنني لستُ شامتاً بكِ، بالعكس، أنا حزين من أجلك.
كان على حق. كان الذنب ذنبي والخسارة خسارتي. حزنتُ بضعة أيام ثم أخذتُ قرار البحث عن عمل. مكوثي في البيت كان مضيعة للوقت وباب لأفكار لا أساس لها. إمرأة مثلي عليها أن تكون منتجة وأن تختلط بالناس ليكون لديها خبرة لتجنّب الوقوع بين ايدي الناس مثل رنا. تعلّمتُ الكثير من هذا الدرس المؤلم، ولن أقع بالفخّ مجدداً.
حاورتها "بولا جهشان"