كنتُ قد وجدتُ سلوى جديدة، وهي التعرّف على صبايا حسناوات على الانترنت، في حين كنتُ قد ملَلتُ بالفعل مِن زوجتي التي صِرتُ أعتبرُها تارةً مُفيدة لقيامها بالأعمال المنزليّة، وتارةً أخرى عثرة في طريق سعادتي كرجُل. حلِمتُ مرارًا بأنّني أكسرُ قيود الزواج بتطليق تلك المرأة المعدومة مِن أيّ إثارة أو أنوثة، لكنّ وجود بناتنا الثلاث كان يمنعُني مِن تدمير عائلتي. آه، لو تموت زوجتي مِن تلقاء نفسها وتدَعني أبحثُ عن صبيّة دلّوعة لتحلّ مكانها!
الإنترنت أعطاني ما أردتُه، ولو جزئيًّا، خاصّة على ذلك الموقع للتعارف حيث كتبتُ أنّني عازِب وصغّرتُ سنّي بحوالي العشرين سنة كَي لا أُخيف البنات وأُطَمئن بالهنّ. عدّلتُ صوَري بواسطة الفوتوشوب، وانطلقتُ يوميًّا لاصطياد "الغزالات الرشيقات" كما أسمَيتُهنّ.
للحقيقة، لَم أنوِ فعلًا الالتقاء بأحَد أو التحدّث عبر الفيديو أو الصوت، بل فقط خطّيًّا، خاصّة أنّني لا أبدو كصوَري لا بالشكل ولا بالسنّ ولا بالصوت، بل أردتُ، على الأقلّ في البدء، أن أُغازِل الصبايا وأسمَع منهنّ الكلام الجميل لأُرضي غروري الذي بدأ يموتُ برفقة زوجة لا طعم ولا لون لها. لكن مع الوقت، بدأتُ أتبادَل معهنّ كلامًا أكثر حميميّة، بعد أن أبعَث لهنّ الورود والهدايا بواسطة محلّات تتعامل على الانترنت، أو المال بفضل بطاقتي الائتمانيّة. فبَعد أن تصِل الهدايا أو المال، كانت الصبايا تجِدنَ صعوبة برفض التكلّم عن أمور معي بغاية الشخصيّة أو إرسال صوَر حميمة لي.
وهكذا صِرتُ أقضي ساعات لا تُحصى أمام شاشتي، وأهمَلتُ كلّ شيء آخَر لأنّني كنتُ أشعرُ بالسعادة وبالقوّة الهائلة. كنتُ رجُلًا بكلّ ما للكلمة مِن معنى، ترغب بي الفتيات المحليّات والأجنبيّات وتطلبنَ المزيد مِن الذي كنتُ قادِرًا على إعطائه. والذي سهَّلَ عليّ الأمر كان أنّني كنتُ موظّفًا كبيرًا في شركة تجاريّة، وراتبي يسمَح لي بالصرف يمينًا وشمالًا. لَم تشكّ زوجتي بشيء، لأنّني درّبتُها على مدار سنين زواجنا بعدَم طرح الأسئلة، بل خدمتي والتمتّع بحياة الرخاء التي أٌقدّمها لها. أمّا بالنسبة لبناتي، فهنّ كنّ مشغولات بدراستهنّ وحياتهنّ الشخصيّة، ولا يأبَهنَ لي أو لأمّهنّ. في كلمة، كنتُ رجُلًا سعيدًا.
لكن جاء يوم وتعرّفتُ إلى "تاتيانا"، صبيّة أوكرانيّة مُطلّقة وفائقة الجمال أعارَتني اهتمامًا لَم أحلُم به. فلو التقَيتُ بها في الطريق لَما كانت لتنظرَ لي حتّى. إلّا أنّ صوَري المُعدّلة وصفاتي المُزيّفة وكرَمي أقنعوها بأن تُعطي نفسها لي، عبر الانترنت طبعًا، فهي كانت تبعُد عنّي آلاف الكيلومترات. تبادَلنا الصوَر، وبعد أن حوّلتُ لها مبلغًا "لمُساعدتها" في دفع فواتيرها والصرف على ابنتها الوحيدة، هي كافأتني بإرسال صوَر لها بعيدة عن الحشمة. يا إلهي، ما هذا الكمال؟!؟
صرتُ مهووسًا بتاتيانا لدرجة أنّ لا شيء سواها كان يستهويني، حتّى الأكل والنوم. فكلماتها لي كانت مليئة بالحبّ والرغبة والشغف، وجمالها اليافِع كان لا يُعقَل! وها أنا كنتُ في الخمسين مِن عمري وتهواني صبيّة بالكاد بلغَت الخامسة والعشرين. أرَيتُ صوَر تاتيانا لزملائي في الشركة بفخر واعتزاز، وهم حسَدوني وحثّوني على الزواج منها، فهكذا صبيّة لا تُفوَّت. لكن كيف أفعلُ ذلك وأنا أخشى حتّى التكلّم معها عبر الهاتف أو الفيديو كَي لا يُفضَح أمري؟ مِن حسن حظّي أنّها لَم تُصِّر عليّ في ما يخصّ ذلك، لأنّ شبكة الانترنت حيث هي تتعطّل باستمرار بسبب الحرب الذي تُدمّر البلَد وبنيَتها التحتيّة.
بلغتُ حدّ كُره زوجتي التي بدَت، مُقارنةً مع تاتيانا، وكأنّها قردة قبيحة وثقيلة وجاهلة، فانتقَلتُ للنوم في غرفة أخرى لكثرة اشمئزازي منها، ولتكون لي كامِل الحرّيّة لتبادل الرسائل الخطيّة مع حبيبتي الجميلة. بدأتُ أرتدي الملابس الشبابيّة بعد أن صِرتُ أعتقِد حقًّا أنّني أصغَر مِن سنّي لكثرة تكرار الكذبات نفسها، الأمر الذي جلَبَ لي المُجاملات العديدة مِن قِبَل زملائي الذين بقوا مُصرّين على أن أتزوّج تاتيانا. فقال لي أحَدهم:
ـ النساء لا تأبَه لِسنّ الرجُل ما دامَ يصرفُ عليهنّ.
ـ حقًّا؟!؟ لكنّني في سنّ أبيها! ولستُ رياضيًّا أو حتّى رشيقًا، بل مُتزوِّج ولدَيّ بنات ثلاث.
ـ إسمَع ما أقولُه، المال هو كلّ شيء!
ـ لكنّ زوجتي لن تقبَل أن أتزوّج عليها، الأفعى!
ـ طلِّقها!
ـ وبناتي؟
ـ بناتكَ صبايا ولَم تعُدنَ صغيرات! طلِقّ زوجتكَ وانعَم بشباب تاتيانا!
أعجبَني كلام زميلي، فبدأتُ أُحضِّر حبيبتي على مواجهة حقيقتي، بإرسال الكثير مِن المال لها ولابنتها الصغيرة التي كنتُ أدفَع لها مصاريف مدرستها وملابسها وعلاجها حين تمرض. فتلك الصغيرة كانت ذات صحّة هشّة وبحاجة دائمة إلى الفحوصات والأدوية. كنتُ أبعث المال منذ البدء لأب تاتيانا، فهو كان الوحيد الذي يملكُ حسابًا مصرفيًّا، وهو كان يعيشُ في أفريقيا حيث يعمَل ليلًا نهارًا ليُطعِم عائلته. أمّا مِن ناحية زوجتي، فهي كانت تعرفُ أنّني أقضي وقتي على الانترنت، وصارَت تشِكّ بأنّني على علاقة مع أحَد، لكنّها لَم تحسب أبدًا أنّ التي استحوذَت على عقلي وقلبي وجسَدي كانت في قارّة أخرى، وأنّني أنوي استبدالها بها بأقرَب فرصة.
بعد أشهر قليلة، إعترَفتُ لتاتيانا بالحقيقة، فأرسلتُ لها صوَري الحقيقيّة وأنّني ربّ عائلة، لكنّني أكّدتُ لها أنّني سأُطلِّقُ وأتزوّجها وأجلبُها وابنتها إليّ. تفاجأت حبيبتي وخلتُ أنّني خسِرتُها للأبد، فهي قاطعَتني لأيّام خلتُها أشهر، لتعودَ لي وتقول إنّها بالفعل مُتعلّقة بي لدرجة أنسَتها أنّني لستُ مَن ادّعَيتُ. طِرتُ مِن الفرَح، وبدأنا نُعِّد التدابير لتترك أوكرانيا وتطير وابنتها إلى حيث أنا، وتعيشُ معي في شقّة صغيرة استأجرتُها لهذا الغرض. فلَم يكن مِن الجائز طرد زوجتي وبناتي مِن البيت بعد الطلاق. لكنّني شعرتُ أنّ تاتيانا مُتردّدة، فسألتُها عن الأمر وهي أجابَتني في إحدى رسائلها الخطّيّة: "لا أعرفُ إن كنتُ قادِرة على الوثوق بكَ بعد أن كذبتَ عليّ كثيرًا... ماذا لو لَم تتزوّجني؟ ماذا لو سئمتَ منّي وأردتَ التخلّص منّي ومن ابنتي؟ أين سأذهب وكيف سأعيش؟ أريدُ منكَ ضمانات قويّة قَبل أن أخطو أيّ خطوة". لِذ أرسَلتُ لأبيها مبلغًا يُوازي كلّ مدخراتي، رقم خياليّ لمَن لا يعرف تاتيانا أو رآها، فهي تستحقّ أكثر بكثير. وبعد أن أتمَمتُ تحويل المال، طلّقتُ زوجتي بسرعة فائقة قائلًا لها:
- وأخيرًا أتخلّص منكِ، يا وجه الشؤم! فلَم أرَكِ تبتسمين منذ سنوات!
ـ لا أبتسِم لأنّكِ لا تُعطيني سببًا لذلك. لقد أرَحتني بتطليقي، صدّقني، فالحياة معكَ بمثابة عذاب يوميّ وأنا سئمتُ مِن خدمتكِ وتحمّل مزاجكَ وأنانيّتكَ. أعلَم أنّ هناك امرأة أخرى في حياتكَ ولا أحسِدُها على الاطلاق!
ـ هاهاها! لو رأيتِها فقط لفهمتِ مَن هو زوجكِ! أنا بطَل!
هزِئَت منّي التي كانت زوجتي، ولَم يهمّني الأمر. الشيء الوحيد الذي أحزنَني كان موقف بناتي منّي، إذ أنّهنّ عاتبَتني بقوّة وقرَّرنَ عدَم التكّلم معي أو رؤيتي. حسنًا، سأكتفي بتاتيانا إذًا!
بعثتُ تذكرَتَي سفَر لتاتيانا وابنتها، ورحتُ المطار أنتظرُ وصولهما وفي يَدَي باقة زهور ولُعبة جميلة للصغيرة. إلّا أنّ أحَدًا لَم يأتِ، وبعد ساعات طويلة مِن وصول الطائرة التي كان مِن المفروض أن تقلّهما، ومئات الرسائل التي لَم تلقَ أيّ ردّ عليها، عدتُ حزينًا ومهمومًا إلى شقّتي التي فرشتُها لعروستي.
إنقطعَت أخبار تاتيانا نهائيًّا لدرجة أنّني خلتُها ماتَت، وإلّا لماذا تفعل ذلك بي؟ فلَم يكن هناك مِن تفسير آخَر. بكيتُ وبكيتُ وانتظرتُ وصلََّيتُ، وبكيتُ مِن جديد... مِن دون نتيجة.
وذات يوم، رأيتُ تاتيانا على إحدى صفحات السوشال ميديا! أسرَعتُ بإرسال طلَب صداقة لها لأتمكّن مِن مُراسلتها، وهي قبِلَت. عندها عاتبتُها بقوّة طالبًا منها تفسيرًا لِما فعلَته! إلّا أنّ الصبيّة الجميلة أجابَت: "لا أدري مَن تكون، يا سيّدي، ولَم أتبادَل معكَ ولو كلمة واحدة. لكن اعلَم أنّ العديد يستعملون صوَري الموجودة على صفحاتي لانتحال شخصيّتي. إعلَم أيضًا أنّني مُتزوّجة ولدَيّ ابنة رائعة وأنا سعيدة بزواجي. مِن الواضح أنّكَ وقعَت ضحيّة مُحتالة... أو محتال، فمَن يدري مَن وراء صوَري المسروقة!".
في البدء لَم أصدّقها، إلّا أنّني تصفّحتُ بروفايلها، ورأيتُها برفقة عائلتها الصغيرة والسعيدة، وبدأتُ أستعيد التفاصيل التي كنتُ قد تغافَلتُ عنها، وهي أنّني لَم أسمَع صوت تاتيانا على الاطلاق، أو أرَها عبر الفيديو أو حتّى شريط مُسجَّل! وذلك الأب الذي في أفريقيا والذي يحملُ اسمًا غريبًا؟ هل كان اسمه أوكرانيًّا بالفعل أو... بحثتُ على غوغل عن اسم مُشابِه وكلّ النتائج جاءَت على أنّها عائلة أفريقيّة! هل يُعقَل أنّ تاتيانا ليست صبيّة أوكرانيّة، بل رجُل نَيجيريّ؟!؟ يا إلهي!!! هل دمّرتُ عائلتي وصرَفتُ كلّ مالي مِن أجل وَهم؟!؟ وكلّ ما فكّرتُ بالموضوع، كلّ ما إتّضَحَ لي أنّ شكوكي في مكانها: كنتُ قد وقعتُ ضحيّة لعبة علِمتُ لاحقًا أنّها رائجة على الانترنت وعلى مواقع التواصل.
ركضتُ أطلبُ السماح مِن بناتي، إلّا أنّني جوبِهتُ بالاحتقار التام، فلقد صرتُ بنظرهنّ أبشَع مثَل للرجال، وهنّ صرِنَ تتساءَلنَ إن كان الزواج يستحقّ فعلًا العناء. يا إلهي ماذا فعلتُ بهنّ؟!؟ الحلّ الوحيد كان في يَد زوجتي السابِقة، فوحدها بإمكانها التأثير عليهنّ، لكنّها رفضَت حتّى أن تُكلّمني أو تتعامَل معي بأيّ شكل. على كلّ الأحوال، هي لَم تعُد تُحبُّني أو تُريدُني بعد سنوات مِن الاهمال والمُعاملة البشِعة. في الشركة، صِرتُ محطّ سخريّة الجميع، بعد أن علِموا أنّني طلّقتُ زوجتي مِن أجل "شبَح" كما أسموا تاتيانا، فاخترَعتُ قصّة بشأن عدَم قدومها وزواجها منّي، فتصوّروا لو علِموا الحقيقة!
اليوم أعيشُ في شقّة صغيرة بالإيجار ومِن دون مال، بل فقط راتبي الذي أتقاسمُه مع بناتي وزوجتي تحت اسم نفقة عليّ دفعها شهريًّا. أمّا بالنسبة للإنترنت، فباتَ يُمثِّل بالنسبة لي أبشَع الأمور ولا أستعمِله سوى للتواصل في مجال عمَلي!
حاورته بولا جهشان