شكراً يا إبنة عمي!

لماذا لَم أقُل شيئًا عندما رأيتُ زوجي يدخلُ بصحبة امرأة محلاً للمجوهرات؟ للحقيقة لَم أتوقّع أبدًا أن يحصل ذلك، فقَبل ساعتَين كنّا سويًّا، وهو غادرَ المنزل ليلتقي بأصحاب له... أو هكذا قال. مِن جانبي، رافقتُ هدى، إبنة عمّي، لتختار هديّة قيّمة لولادة ابن صديقتها. حسبتُ أنّ قلبي سيخرجُ مِن صدري لكثرة خفقانه، ولَم أعُد قادرة على التنفّس، فأمسكتُ يَد قريبتي مِن خوفي أن أقَع أرضًا. وبينما هي استدارَت نحوي لترى مِمّا أشكو، كان مروان قد غادرَ المحلّ مع رفيقته مِن دون أن يشتريا شيئًا على ما يبدو. أجلسَتني إحدى البائعات على كرسيّ وجلَبت لي كوبًا مِن الماء، فالواقع أنّني كنتُ حامِلاً في شهري الثالث، وخافَت هدى أن يكون ما حصَلَ لي له علاقة بالجنين. طمأنتُها وخرَجنا مِن المحّل بهدوء. هي أرادَت إيصالي إلى بيتي لكنّني مانعتُ بقوّة، فكنتُ بحاجة لأفكِّر بالذي رأيتُه وتحليله واتّخاذ موقف منه. طلبتُ منها أخذي إلى بيتها بحجّة أنّني بحاجة إلى بعض الترفيه، فهي كانت إنسانة ظريفة ودائمة الفرَح. مكثتُ عند ابنة عمّي حوالي الساعتَين حين تلقَّيتُ اتّصالاً مِن زوجي يسألُ عنّي بعدما وصَلَ مسكننا ولَم يجِدني. يا للزوج المُحِب! أخبرتُه أنّني أصِبتُ بوعكة، فركَضَ ليصحبني إلى البيت. في طريقنا، لَم أتفوّه بكلمة واحدة مِن كثرة خوفي أن أبدأ بالبكاء أو الصراخ، خاصّة أنّ مروان بدا لي حقًّا مهمومًا عليّ. هل يُعقَل أن يكون هناك تفسير منطقيّ وبسيط لتواجده في محلّ للمجوهرات مع امرأة غريبة؟ لماذا لا أسأله عن الأمر إذًا؟

السبَب الرئيسيّ لسكوتي كان حَملي، فآخِر شيء كنتُ أُريدُه هو أن يربى ابني مِن دون أبيه. إضافة إلى ذلك، لَم أكن مُتعلِّمة كفاية للعَيش مِن دون سنَد ورعاية ولَد لوحدي. كان هناك أهلي طبعًا، لكن أيّ امرأة تُطلِّق زوجها بعد أقلّ مِن سنة على زواجها منه؟ فذلك سيُعتبَر عارًا عليهم جميعًا.

سكتُّ لأيّام عديدة ولكنّني لَم أعُد قادرة على الصبر، فكان عليّ معرفة الحقيقة. لِذا قلتُ لمروان:

 

ـ حبيبي... وصلَني خبَر مُزعج... لَم أُصدّقه طبعًا... لكن عليكَ أن تعلَم به... كَم أنّ الناس تُحبّ تأليف الأكاذيب!

 

ـ ما الأمر يا حبيبتي؟

 

ـ قيلَ لي، ولا تسألني عن صاحب الخبَر أرجوكَ... قيلَ لي إنّكَ قصدتَ محلاً للمجوهرات بصحبة امرأة في اليوم نفسه الذي أُصِبتُ فيه بوعكة عابرة.

 

ـ أكاذيب، كما قلتِ! أنا لَم أدخُل محلاً للمجوهرات منذ ما اشترَيتُ لكِ حُلى الخطبة والزواج!

 

ـ قد تكون في صدَد تحضير مُفاجأة لي... أقول ربّما...

 

ـ أبدًا! تعرفين أنّني لا أُحضّر المُفاجآت... إنّه خبَر مُلفَّق برمّته.

 

ـ أعلمُ ذلك يا حبيبي... فأنا أعرِفُ كَم تُحبُّني وكَم أنّكَ وفيّ لي. لا تغضَب.

 

بعد ذلك الحديث تأكّدتُ مِن أنّ مروان يكذب، فهو لا يعرفُ أنّني رأيته بنفسي، بل اعتقدَ أنّ أحدًا آخَر رآه، فكان مِن السهل عليه إنكار الأمر. بعد ذلك، بدأتُ أُراقِب مروان، ووجدتُ أنّه يقضي وقتًا طويلاً على جوّاله ويبتسمُ في مُعظم الأحيان لدى قراءته الرسائل التي تصِله. كان مِن الواضح أنّه يُقيم علاقة مع أحَد. عندها، صارَحتُ هدى بكلّ الذي أعرفه.

ردّة فعل ابنة عمّي كانت عنيفة للغاية، فهي بدأَت تصرخ وتُهدّد وتشتم، فاضطرِرتُ لتهدئتها مع أنّني كنتُ المُتضرّرِة. ثمّ جلَسنا سويًّا نُحلِّل الوضع ونُحاول إيجاد حلّ أو مخرج مع زوجي لا يُسيء لابني. فما ذنب هذا المخلوق البريء؟ وقالَت لي هدى:

 

ـ لطالما حلِمتُ أن أكون تحرّيّة! سأعرِفُ كل ما يجب معرفته عن تلك العشيقة، لا عليكِ. لكن في تلك الأثناء، أريدُ منكِ أن تتحضّري.

 

ـ أتحضّر لماذا؟ فأنا حامِل!

 

ـ هناك تطبيق على الانترنت يُعلّم اللغات... إنّه سهل للغاية، صدّقيني فلقد استعملتُه مِن قَبل. إدرسي الانكليزيّة على صعيد يوميّ، لكن سرًّا. فإن اتّضَحَ أنّ علاقة مروان بتلك المرأة هي جدّيّة، فأمامكِ درب صعب، صدّقيني.

 

ـ أنا حامِل!

 

ـ أنتِ حامِل في بطنكِ وليس عقلكِ! آه... يا لَيتكِ سمعتِ منّي آنذاك!

 

ـ أعلَم، أعلَم... قلتِ لي ألا أتسرّع بالزواج مِن مروان بل أن أُكمِل علمي أوّلاً... لكنّه كان رائعًا معي... ووسيم! على كلّ الأحوال، هو لا يزال رائعًا كالسابق. هل تعتقدين أنّني أتخايل أمورًا غير موجودة؟ فكيف له أن يخونَني ويبقى يُعاملني بحبّ وحنان؟

 

ـ لأنّه ماكِر وسافِل! على كلّ الأحوال، سأُجري أبحاثي ونعرف الحقيقة بكاملها. إفعَلي ما طلبتُ منكِ وإلا تخلّيتُ عنكِ!

 

ـ لا أرجوكِ! سأتعلّم الإنكليزيّة سرًّا وبسرعة!

 

ـ حسنًا، الآن أعطِني مواصفات تلك المرأة اللعينة.

 

ـ لَم أرَها إلا لثوانٍ قصيرة...

 

ثمّ أتى عيد ميلادي، وأعترفُ أنّني انتظرتُ أن يُقدّم لي زوجي حلىً، أيّ أنّ وجوده في ذلك المحلّ كان لشراء هديّة لي، وأنّ رفيقته هي زميلة ما إصطحبَها ليأخذ برأيها. إلا أنّ ذلك لَم يحصل، بل أهداني مروان باقة ورود وزجاجة عطر. إمتلأت عينايَ بالدموع، وهو ظنّ أنّها دموع فرَح. تبخَّرَ آخِر أمَل كان لدَيّ في يوم كان يجدرُ به أن يكون سعيدًا.

وبعد أيّام قليلة، زارَتني هدى وعلى وجهها بسمة عريضة:

 

ـ وجدتُها! أجل، أعرفُ مَن هي عشيقة زوجكِ يا عزيزتي!

 

ـ كيف؟ ومَن؟ تكلّمي! ماذا تنتظرين؟

 

ـ ليس قَبل أن أشرب فنجان قهوة مِن يدَيك وأتذوّق بعض الحلوى! فأنا أستحقّ أن أرتاح بعد عنائي!

 

بعد دقائق، جلَسنا في الصالون وقالَت لي ابنة عمّي بصوت أرادَته غامضًا لتزيد مِن تشويقي:

 

ـ عدتُ إلى محلّ المُجوهرات... أتذكرين تلك الصبيّة التي تعمل هناك والتي ساعدَتكِ حين أصابَتكِ الوعكة؟

 

ـ أجل، هي كانت لطيفة للغاية معي ورأيتُ الهمّ في عَينَيها، خاصّة حين هي علِمَت أنّني حامِل.

 

ـ تمامًا... ولهذا السبب قصدتُها، فلَم أجِد طريقة أخرى لأعرِف شيئًا عن علاقة زوجكِ السرّيّة.

 

ـ أكملي!

 

ـ قلتُ لنجاة، وهو اسمها، أنّ سبَب وعكتكِ كان أنّكِ رأيت زوجكِ مع امرأة أخرى.

 

ـ قلتِ لها الحقيقة؟!؟

 

ـ أجل... لكنّني كذبتُ في ما يخصُ باقي القصّة. فأضفتُ أنّكِ أجهضتِ جنينكِ بسبب ذلك، ثمّ أريتُها على هاتفي صورة مروان وهو بجانبكِ يوم زفافكما.

 

ـ يا إلهي! كيف تقولين إنّ جنيني مات؟؟؟

 

ـ إنّها كذبة، إهدئي! فتأثّرَت نجاة كثيرًا وبدأنا نشتم سويًّا الرجال الخوَنة، ونتحسَّر على وضع النساء عامّة ووضعكِ بالأخصّ. ثمّ قلتُ لها: "هل أنّ تلك العشيقة هي جميلة على الأقلّ أو ذكيّة أو ثريّة؟ لماذا فضَّلَها على قريبتي وسبَّبَ لها تعاسة لا نهاية لها؟!؟". أجابَتني الصبية: "أجل، إنّها جميلة وزوجة رجُل ثريّ للغاية... أتذكّر أنّها جاءَت مع زوج قريبتكِ في ذلك اليوم، فكنتُ أبحث لها عن ساعة جميلة حين سمعتُ أنّ أحدًا في المحلّ ليس على ما يُرام. تلك السيّدة هي زبونة عندنا. أنا لا أعرفُ زوجها لأنّها تأتي دائمًا لوحدها أو مع إحدى صديقاتها".

 

ـ يُريدُ إهداءها ساعة جميلة؟!؟ وأنا حصلتُ على ورود وزجاجة عطر؟!؟

 

ـ دعيني أكمِل! ثمّ فتّشَت نجاة عبر حاسوبها عن رقم وعنوان المرأة، وطبعَت لي نسخة طالبة منّي عدَم فضح أمر مُساعدتها لي وإلا فقدَت عمَلها. وأضافَت أنّ اختها هي الأخرى تُعاني مِن زوج خائن وتُفكِّر بتركه قريبًا. خذي هذه الورقة وقرّري ماذا تريدين أن تفعلي بها.

 

أخذتُ مِن هدى المعلومات المُتعلّقة بتلك المرأة واحترتُ بأمري. فما النفع مِن معرفة هويّتها إن كنتُ سأبقى مع زوجي بالرغم مِن كلّ شيء؟ مزَّقتُ الورقة أمام هدى وتوقّعتُ أن تستاء منّي وتغضب. إلا أنّها ضحكَت عاليًا وقالَت:

 

ـ أعرفُكِ عن ظهر قلب وحسبتُ حساب تصرّفكِ هكذا... ولدَيّ نسخة أخرى! إسمعي، لا أتوقّع منكِ أن تفعلي شيئًا، بل دَعي الأمر لي... لا تسأليَ! ستعرفين كلّ شيء في أوانه!

 

مرَّت الأيّام مِن دون أن أسمَع مِن هدى، فانشغَلَ بالي. هي لَم تُجِب على اتّصالاتي بل بقيَت تُرسِلُ لي الجملة نفسها: "أصبري، سأُكلّمكِ قريبًا". ثمّ تفاجأتُ بمروان يعودُ يومًا مِن عمَله مُستاءً لدرجة لا توصَف، فأخذَني مِن ذراعي وقادَني إلى غرفة النوم ليقول لي:

 

ـ لدَيّ خبَر مُزعج لكِ... إسمعيني حتّى الآخِر مِن فضلكِ... لقد تمّ فصلي اليوم مِن الشركة... أمور داخليّة وإداريّة. لا تخافي، سنتدبّر أمرنا فلقد وضعتُ بعض المال جانبًا. شيء آخَر... يتمّ إذاعة أخبار كاذبة حَولي، فلا تُصدّقيها، هناك مَن يغارُ منّي في الشركة ويُريدُ أذيّتي وقد يكون له علاقة بفصلي.

 

واسَيتُ زوجي، ليس لأنّني شعرتُ بضياعه واستنكاره، لكن لأثبتَ له أنّني زوجة مثاليّة في هكذا أوقات. إلا أنّني علِمتُ أنّ لهدى دخلاً بالذي حصَل. لِذا أرسلتُ لها: "ماذا فعلتِ؟ طرِدَ مروان مِن عمله". عندها اتّصلَت بي ابنة عمّي ضاحكة وقالَت:

 

ـ لَم أفعَل شيئًا... سوى أنّني وجدتُ رقم زوج عشيقة مروان مِن المعلومات التي حصلتُ عليها، واتّصلتُ به مِن دون أن أدرك أنّه صاحب الشركة التي يعمَل لديها زوجكِ! شكرَني الرجُل ووعدَني أنّه سيُلقّنه درسًا موجِعًا وأنّه سيفصله نهائيًّا. إلا أنّني أطلعتُه على حَملكِ وأنّ فصل زوجكِ سيحرمُكِ وابنكِ مِن المدخول اللازم وهذه تُعتبَر خطّيّة بحدّ ذاتها... فعرَضَ عليّ أن تعمَلي أنتِ بالشركة بعد ولادة جنينكِ، إن شئتِ.

 

ـ يا إلهي...

 

ـ لا تخافي، إنّه عمَل بسيط، تردّين على الاتّصالات وتأخذين المواعيد. ومَن يدري، إن واصَلتِ دراسة اللغة حتّى ذلك الحين، قد تتمكّني مِن نَيل وظيفة أفضل!

 

ـ وماذا أقولُ لمروان؟

 

ـ ألن تتركيه؟ فقبول خيانته لكِ كان بسبب خوفكِ على ابنكِ.

 

ـ السبب ليس فقط المال بل كَي لا يربى طفلي مِن دون أب. سأُفكِّر بالموضوع... فقد يعودُ مروان إلى صوابه بعد الذي حصَل. أظنّ أنّه لن يرى تلك المرأة بعد الآن، فزوجها فضَحَ حتمًا أمرها أيضًا.

 

ـ هل تظنّين أنّ الخائن يتوب؟ هو أقامَ علاقة بعد الزواج منكِ بسنة! ماذا سيفعل خلال السنوات الطويلة القادمة؟ على كلّ الأحوال، لا تضيعي فرصة العمَل تلك.

 

شكرتُ هدى على ما فعلَته، وصلَّيتُ أن يتعِظّ زوجي مِن الذي فعلَه.

حان موعد الولادة، وجاءَ إبني إلى الدنيا صحيح البنية، فنسيتُ خيانة مروان لي وهو وجَدَ عمَلاً آخَر، وصرنا نُركِّز كلّ انتباهنا على طفلنا الجميل.

وبعد حوالي الشهرَين، جاءَني اتّصال مِن امرأة تقول لي:

 

ـ أنا أيضًا أعلَم كيف آتي بالمعلومات اللازمة... قولي لزوجكِ أن يدَعني وشأني. فعلاقتي به كانت غلطة دفعتُ ثمنها غاليًا. فبعد أن أطلَعتِ زوجي على الأمر، هو كتبَ معظم ماله وأملاكه لأولاده مِن زواجه السابق، ولَم يتبقَّ لي سوى المصروف الذي أتقاضاه منه. وقد أقنعتُه أن يُسامحني شرط ألا أُعيد الكرّة. وها زوجكِ يتّصل بي ليلا ًنهارًا، ويبعَث لي رسائل يتوسّل إليّ فيها أن أُعاوِد علاقتي به. للحقيقة، إحتقرتُه كثيرًا حين أعطاني موعدًا يوم وُلِدَ ابنكما. إفضحيه، أتركيه، هدّديه، لكن أبقيه بعيدًا عنّي!

 

أردتُ أن أقول لها إنّها أيضًا حقيرة، لكنّها أقفلَت الخط وحظَرَتني. وأدركتُ مِن حديثها أنّ مروان لن يتغيّر أبدًا وأنّه لا يُحبُّني. لِذا أخذتُ قرارًا صعبًا وهو تركه نهائيًّا. للحقيقة هو لَم يتأثّر كثيرًا، بل أصرَّ على رؤية ابنه بصورة مُنتظمة، فقبلتُ ذلك.

وبعد شهرَين، بدأتُ العمَل في الشركة بينما صارَت هدى تُجالِس ابني. وحين علِمَ مروان أين أعمَل، فهِمَ على الفور أنّني على علم بعلاقته بزوجة صاحب العمَل، وقد أكون مَن تسبّبَ له بالطرد. واجهَني بالموضوع وبقيتُ أنكُر وهو صدّقَني، فلَم أكن قويّة كفاية لأقوم بذلك.

سافَرَ مروان بعد بضعة أشهر مع زوجة جديدة وارتَحتُ منه. مسكينة تلك الزوجة، فهي لا تعلَم ماذا ينتظرُها معه!

مِن جانبي، صرتُ أستلِم في الشركة مهامًا أكثر تعقيدًا وافتخَرتُ بنفسي. إبني عمره اليوم أربع سنوات، وهو مُحاط بأناس مُحبّين. زواج هدى سيتم بعد شهرَين، ويا ليت عريسها يعلَم كمّ أنّه محظوظ، فتلك الإنسانة هي عظيمة وتستحقّ أفضل ما في الدنيا!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button