بعد الذي جرى، صارَت سلوى مثلاً يُضرَب في حيّنا ومنطقتنا لِكلّ مَن كان ماكرًا وقليل الأخلاق. ويا لَيت فريد، إبن عمّي، لَم يُدخِلها بيته سامحًا لها بأن تفتُكَ بأفراد عائلته وكلّ مَن التقَت به. للحقيقة، لَم أكن أدري أنّ أُناسًا مثلها موجودون ولَم ألتقِ بعد ذلك بأحد يُشبهُها، والحمد لله!
إليكم قصّة سلوى اللعينة:
شاءَ القدَر أن تكبُرَ سلوى لِتصبح صبيّة فائقة الجمال، وما هو أهمّ، فائقة الذكاء والحنكة. إلا أنّها لَم تستعمل ما وهبَها ايّاه الخالق لِفعل الخير بل لإشباع ما تطلبه نفسه، فعالَم سلوى كان يدورُ حولها فقط ولَم تتأخّر عن إزاحة كلّ ما ومَن يقفُ في طريقها مهما كلَّفَ الأمر. وبِفضل جمالها، إستطاعَت جَمع عددٍ لا يُحصى مِن الشبّان حولها، فقط لِتشعُرَ بقوّة جاذبيّتها عليهم. مِن ثمّ رمَتهم واحدًا تلوَ الآخر، بعد أن تمرّسَت في فنّ التلاعب بالنفوس والقلوب. كانت سلوى قد فهِمَت باكرًا سرّ العلاقات الغراميّة وتملكُ مفاتيح نجاحها.
تزوّجَت سلوى مِن تاجر كبير وعاشَت حياةً حلِمَت بها، إلا أنّها لمَ تُنجِب عن قصد، فمجيء ولد كان سيُعيقُ رحلاتها وسفراتها وتسوّقها. وبعد بضع سنوات على هذا النحو، وقَعَ زوجها في ضيقة ماليّة بسبب انهيار اقتصاديّ مفاجئ، فقرَّرَت أنّ الوقت حان لِتبحثَ عن ضحيّة أخرى. أقامَت على زوجها دعوى طلاق حصلَت مِن جرّائها على ما تبقّى له مِن ممتلكات، ورحلَت.
في تلك الفترة بالذات، عادَ فريد، إبن عمّي، مِن افريقيا حيث جمَعَ مالاً لا يُحصى. كان قد فضَّلَ الرجوع إلى موطنه لأنّه تعِبَ مِن نمَط حياته المُتعِب الذي حال دون إيجاد الوقت لتأسيس عائلة مع انسانة يُشاركها أحاسيسه. كان في العقد الرابع مِن عمره ويطوق للحبّ.
عمِلَت أمّه جهدها للعثور على العروس المُناسبة له، إلا أنّ جميع اللواتي وجَدَتهنَّ كنَّ مُهتمّات بِثروة ابنها... إلا سلوى التي كان مُتمكّنة، ولو بعض الشيء، مادّيًّا. إلى جانب ذلك، كلّ أمّ تحلمُ بأن يتزوّجَ ابنها مِن فتاة رائعة الملامح والقوام، الأمر الذي أنسى حماتها المُستقبليّة أنّها امرأة مُطلّقة.
عندما رأى فريد سلوى، خال نفسه يحلمُ وقبِلَ بها مِن دون أن يُكلّمها حتى. كان قد قرَّرَ ربط حياته بها في غضون ثوانٍ... ثوانٍ كلّفَته الكثير. أقامَ ابن عمّي زفافًا بقدر غناه ليُتوّج نجاحه بالاقتران بالتي أرادَها كلّ مَن التقى بها وظانًا أنّ حياته ستكتملُ هكذا. سلوى مِن جهَّتها، كانت مُتألّقة كالملكة التي تمّ تتويجها على عرش أحلامها. بعد الاحتفال، طارَ العروسان إلى عواصم أوروبا ليعودا بعد قضاء شهر عسل ناجح. تحضَّرَ فريد طبعًا لأن يُصبح أبًا بأقرب وقت، إلا أنّ عروسته طلبَت منه أن يُمهلها ريثما تتعوّد على عَيشها الجديد. فالجدير بالذكر أنّ ابن عمّي كان قد بنى بيتًا ضخمًا يُشبه القصر وجلَبَ إليه أمّه وأخوَيه وأبقى لنفسه طابقًا بأكمله. مع أنّ العروسَين كانا يسكنان لوحدهما، إلا أنّ الطوابق كانت مفتوحة على بعضها، أيّ أنّ سكّان البيت يختلطون ببعضهم خلال النهار. وبالطبع حالَ ذلك الوضع دون استفراد سلوى بِفريد، الأمر الذي اضطرّها على تغيير خطّتها. فما كانت تُريدُه تلك الماكرة كان وضع الَيد على ما أمكنَها. هكذا كانت سلوى، تُريدُ كلّ شيء لها وبسرعة.
العائق الأكبر كان حماتها، فهي كانت امرأة، أي أنّها لن تقَع تحت سحر سلوى كما يفعلُ الرجال. لِذا وجِبَ على العروس ازاحتها مِن طريقها وبأقربَ وقت. لكن كيف تفعلُ ذلك بأمّ زوجها الذي كان يكنّ لها حبًّا واحترامًا فائقَين؟ ومرّة أخرى، إستعملَت سلوى سلاحها الذي لا يُخطئ.
فخلال النهار، تكون العروس لوحدها مع حماتها بينما يذهب فريد وأخواه إلى أعمالهم، أيّ أنّ لا أحد سواهما يشهد على ما يدور في ذلك البيت الكبير.
بدأَت سلوى تُطيل المكوث في فراشها صباحً إلى وقت طويل وتُبقي لحماتها مهام تدبير أمور البيت. فبالرغم مِن وجود عاملة، كان فريد يُصرّ أن يُحضَّر الطعام مِن قِبَل أمّه ولاحقًا طبعًا زوجته. لَم تنزعِج أمّ فريد مِن الأمر بل تركَت العروس ترتاح آملة أن يكون ذلك الخمول دلالة على حَمل ما. بعد أن رأَت سلوى أنّ حماتها لَم تتأثّر بذلك، قرّرَت زيادة الضغط عليها فصارَت تخربُ الطعام وهو لا يزالُ في أواني التحضير، أي بزيادة كميّة الملح أو الكثير مِن التوابل والفلفل الحارّ، الأمر الذي حيَّرَ أم فريد وابنها وكلّ سكّان البيت. وبما أنّ سلوى لَم تكن تدخل المطبخ قطّ، لَم يجد أحدٌ تفسيرًا منطقيًّا لِما يجري سوى أنّ العجوز مُرهقة. لكن سلوى همسَت في أذن زوجها أن أمّه قد تكون قد تكون بدأت تفقد عقلها. وحين رأَت في عَينيه لمحة همّ، علِمَت أنّها وجدَت الحلّ المُناسب للتخلّص مِن أمّه. وصارَت سلوى تشتكي عاليًا مِن هفوات وأخطاء حماتها خلال النهار لتؤكّد نظريّة الخرَف، إلا أنّ لا أحد حرّكَ ساكنًا. عندها، وبعد أن تأكّدَت مِن أنّ العاملة تُنظّف الطابق العلويّ، فعلَت ما لَم يتصوّره زوجها مُمكنًا وهو أنّها خدَشَت نفسها ومزّقَت قميص نومها واقتلعَت خصلاً مِن شعرها قبل أن تتّصل بزوجها باكيةً وطالبةً النجدة. وعندما وصَلَ فريد البيت كالمجنون ووجَدَ زوجته الحبيبة بهذه الحالة، راح يصرخُ على أمّه ناعةً ايّاها بالخرِفة. وأمامَ اندهاش أمّه وعدَم معرفتها بالذي حصَلَ، تأكَّدَ ابنها أنّها فقدَت عقلها.
طُلِبَ الطبيب ليُداوي جروح سلوى وسُئِلَ عمّا يجب فعله بالعجوز التي، كما كان واضحًا، صارَت تُشكّلُ خطرًا على كنّتها. فروَت سلوى لِسامعيها أنّها كانت نائمة حين أحسَّت بأحد يمسكها بشعرها ويقتلعُها مِن سريرها. مِن ثمّ اكتشفَت أنّها حماتها التي وصفَتها بأنّها كانت كالذئب المُفترس والتي بدأَت تخدشُ ذراعَيها ورقبتها وتُردّدُ: "إرحلي مِن بيتي ! وأتركي ابني وشأنه!" قالَت سلوى إنّها استطاعَت بعناء اخراج حماتها مِن الغرفة لتتصّل بفريد ليأتي ويُنجدها. بكَت سلوى بحرارة وهي تقصُّ ما حصل مُستميلةً الطبيب إليها الذي لَم يُصدّق أنّ أحدًا قد يؤذي هكذا مخلوقة رقيقة وجميلة.
إجتمَعَ فريد مع أخوَيه وقرّروا جميعًا أنّ أمّهم لا يجب أن تبقى لوحدها مع سلوى حتى لو كان هناك عاملة، فذلك لَم يكن كافيًا لحماية العروس. الخطوة الأولى كانت أن بعثوا العجوز إلى المشفى ليتمّ فحصها وتهدئة الأجواء والنفوس، فآخر ما كان يُريدُه فريد هو افزاع حبيبته وحملها على هجره. فهو لَم يصدّق بعد أنّه وجَدَ هكذا امرأة. رفضَت أمّه بقوّة ترك البيت ولو لفترة وجيزة وأقمسَت أنّها لَم تلمِس سلوى قط. إلا أنّهم أقنعوها بأنّها قد تكون بحالة تمنعُها مِن التذكّر والسيطرة على أفعالها. وهكذا تمكّنوا مِن اقناع العجوز بالذهاب طوعًا لمؤسّسة تُعنى بهكذا حالات واعدين ايّاها بأنّ غيابها لن يطول.
لكنّ سلوى لَم تتوقّع أنّ خدعتها لن تمرّ على طاقم المشفى الطبيّ، إذ أنّهم لَم يجدوا في العجوز أي خطَب بعد أن أجروا لها كلّ الصوَر والتحاليل الممكنة، فعادَت حماتها مُنتصرة إلى بيتها ومُتحضِّرة لخوض معركة ضارية لتحمي وجودها.
سُرَّ أولاد العجوز بعودتها سالمة إلا أنّهم لَم يستطيعوا تفسير هجومها على كنّتها إلا بأنّها نتيجة أذىً مجانيّ بعد أن تأكّدوا أنّها ليست خرفة، لِذا قرَّرَ فريد منعها مِن الاقتراب مِن زوجته مهما كان السبب وإلا اتّخَذَ بحقّها تدابير قاسية. قبِلَت أمّه بهذا الشرط فذلك سيُريحُها هي الأخرى، إلا أنّها نبّهَت ابنها مِن زوجته فمَن يشوّه نفسه هكذا هو قادر على أيّ شيء. وبالطبع لَم يُعِر فريد أي اهتمام لكلام أمّه بل ردّه إلى نقمة حماةٍ مِن كنّتها.
تذرّعَت سلوى بأنّها لا تستطيع التفكير حتى بالإنجاب بعد التعدّي الذي حصَلَ لها وحتى بمُجرّد التفكير بأنّ الجانية لا تزال موجودة ليس بعيدًا عنها. تفهّمَ فريد تلك المخاوف ووعدها بأنّه سيجدُ حلاً بالقريب العاجل. وبعد أقلّ مِن شهر على عودة أمّه مِن المشفى، أجبرَها ابنها على السفر إلى اختها في الولايات المُتحّدة. لَم يكن يعلَم فريد حينها أنّه لن يرى أمّه مُجدّدًا.
لكن ما كانت سلوى مُتأكّدة منه، هو أنّ غريمتها صارَت بعيدة وانفتَحَ أمامها المجال لتضعَ يدها على كلّ ما ومَن أرادَته.
يتبع...