هل يمكن أن يعكس شكل يدك تطوّر دماغك؟ قد يبدو الأمر غريباً، لكن باحثين بريطانيين يؤكدون أن حجم الإبهام تحديداً قد يحمل أسراراً عن تطوّر القدرات الذهنية للإنسان. وفق دراسة حديثة صادرة عن جامعة "ريدينغ" في إنكلترا، فإن تطوّر الإبهام عبر ملايين السنين قد سار جنباً إلى جنب مع نمو الدماغ البشري.
اكتشاف علمي يربط بين الإبهام والدماغ
في محاولة لفهم العلاقة بين اليد والعقل في مسار تطور الإنسان، حلّل العلماء بيانات من 94 نوعاً من الرئيسيات، الحية والمنقرضة، مستخدمين أساليب إحصائية متقدمة تُعرف بـ"الطرق التطورية البايزية". هذه المنهجية سمحت لهم بإعادة بناء خريطة التطور المشترك بين الدماغ وبنية اليد، خصوصاً الإبهام، الذي يُعد رمزاً للبراعة الحركية الدقيقة. وجاءت النتائج مفائجة، إذ إن الجزء من الدماغ المسؤول عن الإدراك والوعي، أي "القشرة المخية الحديثة" (النيوقورتيكس)، أظهر نمواً موازياً لتطوّر الإبهام. وهذا يعني أن القدرة على القيام بحركات دقيقة ومعقّدة تطلبت في المقابل دماغاً أكثر تطوراً لاستيعابها والتحكم بها.
تطوّر مشترك بين اليد والدماغ
تقول الباحثة الرئيسية المسؤولة عن الدراسة، إن ما يميّز الإنسان ليس فقط دماغه الكبير، بل أيضاً أصابعه المرنة. وتشير إلى أن "تطور المهارات اليدوية لدى أسلافنا أجبر الدماغ على النمو لمواكبة هذه القدرات الجديدة"، ما خلق دائرة تطورية مغلقة: كلما أصبحت اليد أكثر قدرة على الإمساك بالأدوات والتحكم بها، ازداد تطور الدماغ، والعكس صحيح.
هذه الفرضية تعيد تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي لعبته اليد في رحلة الإنسان من الكائنات البدائية إلى الإنسان الحديث، ليس فقط كأداة تنفيذ، بل كمحرّك أساسي لتطور الذكاء والتفكير المعقّد.
فهم تطوّر الإنسان
ورغم أن هذه النتائج تفتح باباً مثيراً لفهم العلاقة بين القدرات الجسدية والعقلية، يشدّد العلماء على ضرورة إجراء دراسات إضافية لتأكيد مدى دقة هذا الارتباط وتفسيره الكامل. ومع ذلك، يقدّم هذا البحث رؤية جديدة ومثيرة: ربما لم يكن الدماغ وحده وراء تفوّق الإنسان، بل أيضاً يده، وتحديداً إبهامه الذي قاد ثورة الذكاء والإبداع عبر العصور.