طلّقتُ زوجتي وكانت الخَيبة مُزدوجة، فلا أزالُ أسألُ نفسي، مع أنّني تزوّجتُ ثانية، كيف حصَلَ لي كلّ ذلك في وقت بذلتُ جهدي لأكون زوجًّا فاضلاً... وإبنًا مثاليًّا. لكن هناك مَن لا يُقدّرُ ذلك، ويحسبُ أنّ كلّ شيء مُتاح له وأنّ انتهاك العروض مسموح له. لقد وثقتُ بأقرب الناس إليّ، ولا أزالُ أحملُ في قلبي إمتعاضًا قد لا يزولُ أبدًا.
لقد أحببتُ سعاد مِن كلّ قلبي وهي بادلَتني، في البدء، هذا الشعور. أنهَيتُ دراستي الجامعيّة وحصلتُ على عمل جيّد، لكنّني فضّلتُ أن نعيش وزوجتي في المنزل الأبويّ ريثما أجمَع ما يكفي لإيجاد مكان خاصّ بنا. كانت والدتي لا تزالُ على قيد الحياة، لكن سرعان ما أصابَها مرض عضال ماتَت منه. بقيَ والدي لوحده لكنّه لَم يزعَل كثيرًا على والدتي لأنّه كان يُعاشرُ غيرها منذ فترة طويلة. هكذا كان والدي، رجلاً يجري وراء نزواته مِن دون أن يسأل عن مشاعر غيره، الأمر الذي عانَت منه المسكينة أمّي بِصمت.
الجدير بالذكر أنّ والدي كان لا يزالُ في شبابه، لأنّه أنجبَني باكرًا ويتمتّعُ بصحّة ممتازة وكاريزما كبيرة، فكانت الفتيات والنساء تقَعنَ في حبّه بسهولة. رجلٌ مُحتالٌ كان يعرفُ كيف يُقنِع الجنس اللطيف بِتلبية رغباته. لكن بالرغم مِن امتعاضي لتصرّفاته، كنتُ أكنُّ له إحترامًا شديدًا وحبًّا لا حدود له. أمّا هو فلَم يأبه لهذا التفاني، بل كان يرى فيّ إنسانًا ضعيفًا فقط لأنّني لَم أكن مثله. فأنا كنتُ أُشبُه أمّي بأخلاقها العالية وأتّبعُ تعاليم الله وقوانين الناس. كنتُ ولا أزال، إنسانًا شريفًا ومُستقيمًا ولا أعتبرُ ذلك ضعفًا بل قوّة، فالوقوع في الرذيلة أمرٌ سهلٌ للغاية أمّا الإبتعاد عنها فيتطلّبُ جهدًا مُستمرًّا وإرادة صلبة.
لَم أُلاحِظ طبعًا النظرات التي كان والدي يُرسلها لِسعاد زوجتي، فقد كان يرمُقها مِن أسفَل قدمَيها إلى رأسها، ربمّا ليدرس تفاصيل جسَد ضحيّته الجديدة. كَم مِن الوقت هي قاومته؟ لستُ أدري، إلا أنّهما أصبحا عشيقَين وأنا أعيشُ معهما تحت سقف واحد. هل أنّهما سخِرا منّي بينما كانا يتبادلان القُبَل واللمسات وينامان في السرير الزوجيّ؟ أحاولُ عدَم التفكير بذلك، فالأمر مؤلمٌ للغاية.
مِن الواضح أنّ علاقة أبي بزوجتي غابَت عن نظري فقط، فكان مِن الواضح لمَن رآهما أنّ شيئًا يدورُ بينهما. وأوّل مَن أطلَقَ صفّارة الإنذار كان خالي الذي ألمَحَ لي ذات يوم بوجوب الانتباه لِما يجري مِن حولي في البيت. لَم أفهَم تلك التلميحات، ليس لأنّني غبيّ بل لأنّ الحقيقة كانت أكثر مِن مُستحيلة. لكنّني فهمتُ أنّ الأمر يتعلّق بأبي، ورددتُ الأمر إلى امتعاض خالي منه لِما فعلَه بأخته، فأدرتُ له أذنًّا صمّاء وهززتُ برأسي لمُجاراته فقط. ويا لَيتني سمعتُ منه لأوقفتُ ما يجري باكرًا، أي قبل أن تأتي إبنتي إلى الدنيا.
هل أنّ صغيرتي هي إبنتي أم إبنة أبي؟ مِن السهل معرفة الجواب، فيكفي أن أُجريَ لها فحصًا للحمض النوويّ، إلا أنّ الحقيقة تُخيفُني لأقصى درجة ولا أُريدُ أن تدفع تلك البريئة ثمَن أخطاء الكبار. وكم مِن المؤلِم أنّ يشكّ المرء بأنّ إبنته هي بالفعل أخته!
يوم وصلتُ البيت باكرًا على غير عادتي ووجدتُ أبي وزوجتي وهما يُمارسان الجنس في الصالون، شعرتُ بدوخة مُفاجئة وكدتُ أفقدُ وعيي، فكان المشهد أقوى ممّا يتخيّله أحد. ردّة فعل والدي كانت أنّه لبِسَ ثيابه ونظَرَ إليّ وكأنّه ممنون مِن أنّني رأيتُه مع سعاد، وذهَبَ إلى غرفته. أمّا زوجتي، فبدأَت بالبكاء بِصمتُ مُتمتمةً: "هو الذي أقنعَني... هو الذي أقنعَني."
خرجتُ مِن البيت قاصدًا خالي بعدما تذكّرتُ تنبيهاته لي المُبطّنة وأفرغتُ له ما في قلبي. بكيتُ لكثرة خَيبتي بأقرب شخصَين على قلبي ومِن ثمّ تذكّرتُ إبنتي. كان لا بدّ لي أن أحميها مِن تلك الأجواء البشعة. سألتُ خالي وزوجته إن كانا مُستعدَّين لاستقبال صغيرتي ريثما أجدُ حلاً لِمصيبتي وهما أكدّا لي أنّها ستكون بأيدي أمينة.
رحتُ أجلبُ إبنتي مِن البيت، وحاوَلت سعاد منعي مِن ذلك إلا أنّني لَم أستمع لتوسّلاتها. لَم يتفوّه أبي بكلمة بل اكتفى بالتفرّج علينا وكأنّ لا دخل له بالذي يحصَل.
نمتُ وإبنتي عند خالي، وفي الصباح سألَني هذا الأخير عمّا كنتُ أنوي فعله. أجبتُه: "تطليق زوجتي طبعًا والرحيل مِن بيت أبي!".
وحين رحتُ أجمَع أمتعتي مِن البيت، دخَلَ والدي غرفتي ووقَفَ عند باب قائلاً:
ـ لستُ أدري لِما أنتَ غاضبٌ منّي!
ـ ماذا؟!؟ ربمّا لأنّكَ عاشرتَ زوجتي؟!؟
ـ بل عليكَ شكري لأنّكَ بفضلي عرفتَ أنّها إمرأة سهلة لا يجدرُ بها حَمل إسمنا.
ـ إسمنا؟ وهل أنتَ تحترمُ إسمنا؟ أنا لَم أطلب منكَ اختبار وفاء سعاد، ولن تقنعَني بحججكَ كما فعلتَ مع أمّي المسكينة! أنتَ رجلٌ بلا أخلاق!
ـ لا أسمحُ لكَ! هل نسيتَ أنّني أبوكَ؟
ـ لا! بل أنتَ نسيتَ أنّني إبنكَ!
ـ لطالما كنتَ إبنًا لا لون ولا طعم له... يا لخَيبتي بك!
ـ وخيبتي بكَ! الوداع!
حاولَت سعاد الحصول على حضانة إبنتنا، لكنّني لَم أسَمح لها بذلك بل هدّدتُها بِفضحها علنًا لو أصرَّت. نصحتُها بأن تبتعدَ عن أبي وأن تبحثَ بعيدًا عن رجل آخر. إلا أنّها لَم تأخذ بِنصيحتي بل بقيتَ في البيت معه، الأمر الذي جلَبَ لها غضَب الجيران والحَيّ بأسره. فكان مِن الواضح أنّها تعيش بالحرام مع أبي وأنّ ذلك هو سبب طلاقي لها.
بعد فترة وجدتُ مسكنًا لكنّ إبنتي بقيَت عند خالي وزوجته، إذ لَم أكن قادرًا على الإهتمام بها والعمَل في آن واحد. حبّي لها كان بلا حدود، فقد رأيتُ فيها الشيء الجميل الوحيد وسط هذا الكمّ مِن الشرّ والخيانة، ووعدتُ نفسي بفعل المستحيل لتأمين أفضَل حياة لها.
خالي هو الذي لفَتَ إنتباهي إلى احتمال عدَم أبوّتي لإبنتي. صعقَني الأمر لكن سرعان ما طردتُ تلك الفكرة المُزعجة مِن رأسي. فهي إبنتي مهما كانت الحقيقة ولن يُغيّر شيء ذلك. كان عليّ التمسّك بآخر شيء جيّد في حياتي.
بعد أشهر، شاءَت الظروف أن يُعرَض عليّ العمل في الخارج. فرِحتُ لذلك الإحتمال، علّ البُعد يُنسيني حزني.
أخذتُ إبنتي معي ووضعتُها نهارًا في دار حضانة لأسترجعها في المساء وأهتمّ بها. غيّرتُ حفاضاتها وحضّرتُ لها زجاجات الحليب وشاهدتُها تكبر بِفخر.
في تلك الأثناء، ساءَت الأمور بين سعاد وأبي الذي سئِمَ منها، فهو كان يملُّ مِن النساء بسرعة خاصّة أنّ زوجتي السابقة لَم تعد تُشكّل بالنسبة له تحدّيًا بعدما صارَت مُتاحةً له. فبدآ يتشاجران بِعنف، حسب شهادة الجيران. أقول "شهادة" لأنّ سعاد طعنَت أبي في ظهره يوم طلَبَ منها الرحيل ليأتي بغيرها إلى البيت. هو لَم يمُت لكنّه لَم يتعافَ كلّيًّا مِن إصابته بل صارَ رجلاً تعبًا باستمرار يجرّ نفسه، الأمر الذي حرمَه مِن قوّته الجسديّة ومنعه، وبصورة دائمة، مِن اللحاق بالنساء. أمّا بالنسبة لِسعاد، فلقد ادّعى عليها والدي فسُجِنَت بتهمة محاولة قتله. وعندما خرجَت مِن وراء القضبان، كانت إمرأة مُنتهية. هل حزنتُ عليهما؟ للحقيقة لا، فأنا اعتبَرتُ أنّهما لقيا ما يستحقّان وأنّ الله عادلٌ للغاية.
عدالة الله سمحَت لي أيضًا بإيجاد إمرأة عظيمة: سوزان، وهي ليست شرقيّة بل أوروبيّة وعاملَتني وابنتي أفضَل مُعاملة وأعطَتني ابنًا أكمَلَ عائلتنا. سوزان لَم تُفرِّق يومًا بين الولدَين، الأمر الذي كنتُ أخشاه ضُمنًا. فلو حصَلَ أنّ فضّلَت إبننا على إبنتي، لَرحلتُ بعيدًا.
ماتَ والدي لوحده لكنّني لَم أتركه، بل كنتُ قد طلبتُ مِن خالي أن يُبقي عينًا عليه عن بُعد لأنّني أعلَم بِمدى امتعاضه منه، وأن يوصِل له بعض المال بصورة غير مُباشرة. صحيح أنّ والدي خانَني وأذلَّني بقوّة، إلا أنّ واجبي هو اتّباع أوامر الله بإكرام الوالد مهما حصَل.
منذ أيّام حضَرتُ حفل تخرّج إبنتي مِن كليّة الحقوق يوم أصبحَت محامية وحياتها أمامها. هي عانَت مِن بُعد أمّها الحقيقيّة عنها، إلا أنّني كنتُ قد وعدتُها بالسماح لها برؤيتها يوم صارَت في الثامنة عشرة. لقاؤها بها كان باردًا ولَم يتكرّر برغبة مِن الجهتَين، فإبنتي أدركَت أنّ أمّها الفعليّة هي سوزان التي ربَّتها، وسعاد لَم تشعر أنّ لها إبنة يومًا. وهكذا أفضل.
حاورته بولا جهشان