كبَرنا سوّياً وتقاسمنا كل شيء، لأنّ هكذا تكون الشقيقات. وصحيح أنّني عندما تزوّجتُ مِن ربيع حبّ حياتي، إبتعدتُ عن سناء ولكنّني كنتُ مطمئنّة عليها لأنّ أبويّ كانا يهتمّان بها كما يفعل الأهل الطيبيّن. وبِسبب فرق العمر الشاسع بيننا ولأنّ القدَر لم يشأ أن أنجب، أخذتُ أعتبر سناء وكأنّها إبنتي. ومرَّت السنين ببطء حتى أن أصبحتُ في الخامسة والثلاثين مِن عمري وأختي في العشرين وكلّما أسألها عن حياتها العاطفيّة كانت تجيب:
ـ كل الذين أتعرّف إليهم أغبياء وسخفاء... لا أحد يفهمني... أريد إنساناً ناضجاً يُشعرني بالأمان.
ـ وماذا ستفعلين مع رجل ناضج؟ أنتِ شاّبة ويلزمكِ شاّباً مثلكِ
ولكنّها بقيَت مصرّة على موقفها وخفتُ أن يمضي عمرها وهي تبحث عن نصفها الآخر. وبعد فترة قصيرة وقعَ والدَيَّ ضحيّة حادث مروّع وفارقا الحياة على الفور. إمتلأ قلبي وقلب أختي بالحزن العميق على الذيَن بذلا جهدهما لتأمين الأفضل لنا. وبعد أن إنتهَت مراسيم الجنازة، عرضتُ على سناء ان تأتي لتعيش معي. وكنتُ قد أخذتُ رأي ربيع في الموضوع مسبقاً حين علمتُ بموت والدَينا وكان قد وافقَ دون مجادلة لأنّه كان يعلم مدى تعلّقي بشقيقتي. ولكنّها رفضَت قائلة:
ـ شكراً يا حبيتي... ولكنّني لن أفرض نفسي عليكِ وعلى زوجكِ...
ـ لن يحصل ذلك... بيتنا كبير وفارغ... ونحن بحاجة إلى مَن يُضفي على حياتنا بعض الإثارة... لن أدعكِ تعيشين لوحدكِ... لن أرضَ أبداً أن أترككِ!
وبعد إصراري الشديد قَبِلَت أخيراً:
ـ حسناً... ولكن لفترة قصيرة... إلاّ إذا أحببتُ المكان! وفي تلك الحالة لن تستطيعين التخلّص منّي أبداً!
وضحكنا سوّياً وساعدتُها على توضيب أمتعتها. وهكذا جاءَت سناء إلى منزلنا وإستقرَّت في إحدى الغرف في الطابق الأسفل. وأطلعتُها على مكان كل ما تحتاج إليه وعلى مواعيد الوجبات. وبعد نهار طويل، خلَدَت إلى النوم مُنهكة وإرتاح قلبي مِن ناحيتها. وبدأت حياتنا المشتركة وتعوّدنا على العيش جميعنا سوّياً وهنّأنا كل مَن جاءَ ورآنا نتدبّر أمورنا بسلاسة. وكان يقول ربيع لِمن يسأله عن سناء:
ـ إنّها الإبنة التي لم نُرزق بها... إنّها دلوّعة ورقيقة وتبعث البهجة في قلبنا.
وشعرتُ أنّ كل شيء أخذَ مكانه الصحيح وبعد فترة بدأتُ أترك سناء في البيت لأذهب إلى عملي بعدما إنتهَت الإجازة التي أخذتُها لتدبير الأمور. وعندما كنّا أنا وزوجي نعود مِن أعمالنا، كانت سناء تنتظرنا بأخبار مثيرة ومضحكة ونمضي معها وقتاً ممتعاً. ولا أدري إن كان السبب هو وجود شقيقتي معنا أو إعتنائي بها ولكنّ معجزة حصلَت وهي أنّني إكتشفتُ أنّني حامل. كدتُ لا أصدّق عينيّ عندما رأيتُ نتيجة الفحص الذي أجريتُه دون أن أخبر أحداً كي أكون أكيدة مِن الموضوع قبل أن أزفّ الخبر. وهكذا إنتظرتُ حتى إجتمعنا نحن الثلاثة في المساء وأنهينا العشاء لأقول بِفخر لزوجي وشقيقتي:
ـ لديّ خبر سار جدّاً... جدّاً جدّاً!
نظرا إلي بإهتمام وأكملتُ وأنا أصرخ:
ـ أنا حامل!!!
ولكن بدل أن تعمّ الفرحة في البيت، سكتَ ربيع ونظرَت سناء إليه. لم أفهم ردّة فعلهما فأضفتُ:
ـ أنا لا امزح... إنّها الحقيقة! أقسم لكما أنّها الحقيقة!
عندها قالت سناء بصوت خافِت:
ـ وأنا أيضاً حامل.
خلتُ أنّني لم أسمع جيدّاً لأنّني جعلتُها تعيد ما قالَته أي أنّها فعلاً تنتظر هي الأخرى مولوداً. عندها سألتُها مِمَّن لأنّها لم تكن متزوّجة ولا تعاشر أحداً بتاتاً. نظرَت إلى زوجي ربيع وسكتَت. وفهمتُ كل شيء. إقتربتُ مِن ربيع وسألتُه:
ـ هل سناء حامل منكَ؟
ـ أجل... أخبرّتني بذلك مِن بضعة أيّام.
وإنفجرَت دموعي وإنهالَت على وجهي وبدأتُ أصرخ وأدور في الصالون كالمجنونة حتى أن وقعتُ أرضاً. ركضَ ربيع ليساعدني على النهوض ولكنّني صرختُ:
ـ أتركني أيّها الخائن! لا أريد رؤيتكِ! إرحل! ماذا فعلتَ بنا؟ ماذا فعلتَ بهذه الطفلة؟
ـ أيّ طفلة؟ هي التي أغرَتني!
ـ أنتَ تكذب! إرحل!
وأخذَ مفاتيحة وخرجَ مِن البيت. وبقيتُ أنا وأختي صامتتَين حتى أن قالت:
ـ أعذريني... لا أدري كيف حصل ذلك... كان يأتي عندما تكونين في العمل و...
ـ إصمتي! خُنتِ ثقتي بكِ... إستقبلتُكِ في بيتي وإهتمّيتُ بكِ... وتأخذين زوجي منّي؟ أليس هناك مِن رجال آخرين؟ والآن أنتظر مولوداً منه... وأنتِ كذلك... ما العمل؟
ـ لا أعلم...
ولكنّني كنتُ سأكتشف بعد يوم واحد ما كانا يخبّئانه لي. فعندما عدتُ مِن عملي وجدتُ أنّ ربيع وسناء كانا قد أخذا أمتعتهما ورحلاً. حاولتُ معرفة مكان وجودهما ولكن ما مِن أحد كان يعلم أين ذهبا. وبقيتُ لوحدي أثناء فترة حمَلي كلّها ولولا جارَتي ومساعدتها لي لما إستطعتُ إجتياز هذه المحنة. فبالإضافة إلى حمَلي الصعب، كان هناك الإكتئاب الذي سبّبَته الخيانة المزدوجة التي تعرّضتُ لها. وولِدَ إبني ونسيتُ عذابي كلّه وقرّرتُ أنّ لاشيء سيعكّر صفو سعادتي الجديدة. ولكن بعد أيّام مِن عودتي مِن المستشفى، دُقّ الباب ورأيتُ ربيع واقفاً أمامي. نظَرتُ إليه بغضب وسألتُه ما الذي يريده فقال:
ــ أريد العودة...
ـ حقاً؟ ولماذا؟ أين حبيبتكَ؟ أين أم ولدكَ الآخر؟ أهو صبي أم بنت؟
ـ سناء لم تكن حامل... كذبَت عليّ... وعندما إكتشفتُ ذلك بدأنا نتشاجر وساءت الأمور بيننا...
ـ ولو كانت حقّاً حاملاً لَما جئتَ إليّ... أليس كذلك؟
ـ سامحيني...
ـ على ماذا؟ على خيانتكَ مع شقيقتي؟ على تفضيلها عليّ؟ على ترككَ لي ولِطفلكَ؟ لا يا أستاذ... لا تستحقّ السماح لأنّكَ لستَ زوجاً أو أباً صالحاً ولسنا بحاجة إليكَ... يمكنك فقط زيارة وليد مِن وقت لآخر إن شئتَ.
ـ أسميتيه وليد؟
ـ أجل... على إسم والدي الذي كان على عكسكَ إنساناً شريفاً ووفيّاً... ظلّ يحبّ أمّي ويحبّنا حتى آخر لحظة... أسميتُه هكذا لكي يكون أفضل منكَ... والآن إرحل ولا تعود إلاّ ومعكَ الهدايا لإبنكَ ومصاريفه جميعها... فإن كان سَيُعتبَر وليد إبنكَ عليكَ المساهمة في لباسه ومأكله ولاحقاً دراسته... أم أنّكَ أبوه فقط بالتسمية؟
ـ لا... سأفعل ما تريدينه... لو تعلمي كم أتمنىّ لو أراه...
ـ ليس اليوم... فأنا تعبة... تعال بعد أسبوع.
ـ أسبوع؟ أليس ذلك كثيراً؟
ـ تركتَه تسعة أشهر... يمكنكَ الإنتظار بضعة أيّام.
وجاء لِيرى إبنه وبكى كثيراً لِشدّة تأثّره. وأخبرَني أنّ سناء بقيَت تغريه حتى أن وقعَ تحت تأثيرها. لم ينكر مسؤوليّته فيما حصلَ وأضافَ أنّه فضّلَها عليّ وقرّرَ تركي عندما قالَت له أنّها تحمل جنينه لأنّها كانت صبيّة وتثير غرائزه ولأنّها مِن جهّة أخرى كانت ستعطيه أخيراً وريثاً. ولكنّ الأمر كان كذبة كبيرة، فعندما لم يرَ بطنها يكبر مع مرور الوقت أدركَ أنّها غشّته. حاولَت أن تستبقيه ولكنّه هربَ منها وعادَ إلينا.
ولكن هذه الإعترافات لم تحملني على إعادته لأنّني لم أكن بعد مستعدّة على نسين ما حصل والوثوق به مجدّداً. هل سأغيّر رأيي يوماً؟ الله وحده يعلم الجواب.
حاورتها بولا جهشان