في الصالة المصريّة لمتحف Metropolitan Museum of Art في نيويورك، مع معبد دندور كديكور، عرض كارل لاغرفيلد في كانون الأول/ ديسمبر الفائت للمرّة الأخيرة مجموعة Métiers d’Art. عرضٌ يجمع المعرفة والحداثة، مع إلهامٍ من مصر القديمة!

 

تميّزت شخصيّة غبرييل شانيل بكونها مستقلّة وتتخطّى الثوابت المتعارف عليها وقد اجتاحت أميركا حيث اشتهرت بكونها ملكة الموضة الباريسية بلا منازع! سبق لكارل لاغرفيلد – صاحب الرؤية الرياديّة – أن اختار في عام 2005 عرض مجموعة Métiers d’Art “Paris-New York” في نيويورك. وهذه السنة أيضاً، خصّص متحف Metropolitan Museum of Art لشانيل معرضاً دوّى صداه في كلّ أنحاء العالم: مع رقم قياسي لتدفّق أكثر من 460 ألف شخص خلال 13 أسبوعاً!

 

وللمرّة الأخيرة، في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2018، أعاد كارل لاغرفيلد ابتكار الحدث من أجل شانيل في نيويورك من خلال عرض مجموعة Métiers d’Art السادسة عشرة. إنّه تكريمٌ لمصر القديمة في قلب نيويورك.

وقد حدّثنا رئيس نشاطات الموضة لدى شانيل برونو بافلوفسكي عن ميزة هذه المجموعة التي تسلّط الضوء على Paraffection المبتكرة في عام 1985 بهدف المحافظة على المهارات الخاصّة في المجال الحرفي المترف كمحترف القبّعات الرجاليّة والقفّازات وأقسام الثني والتزيين بالريش واللؤلؤ والمطرّزات... وتضمّ هذه المجموعة الفرعيّة التابعة لدار شانيل 12 مهنة فنّية و14 مصنعاً. وهي شركات حرفية تحافظ على حرّية بيع قطعها لدور الكوتور الكبرى الأخرى مع الأولوية لشانيل باكتساب خبرة لا مثيل لها في المجال. منذ 2002، تنظّم دار شانيل عرضاً سنويّاً تحت عنوان Métiers d’Art من أجل التركيز على هذه المعرفة، وهي جوهرة الكوتور الفرنسي.

 

أين يُصنّف عرض Métiers d’Art بالنسبة للهوت كوتور والألبسة الجاهزة؟

حين يعمل كارل لاغرفيلد وفرجيني فيار على الكوتور يكون عملهما متحرّراً وبعيداً عن همّ الإنتاج. فإنّ همّهما الوحيد هو القامة اليوم وليس حتّى قامة الغد. في الواقع، إنّ شهري كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو استثنائيّان لأنّ الاستوديو يعمل بلا عراقيل. وهذا عرض خاصّ بالنسبة للزبائن المميزين الذين يبحثون عن شيء نادر. للكوتور قليل من الزبونات وعددهنّ بالألف حول العالم. إنّه الترف المطلق! أمّا بالنسبة لـMétiers d’Art فالمسار مختلف. إنّها ألبسة جاهزة لكنّها أكثر تكلّفاً من تلك التي تباع في محالّنا البالغ عددها مئتي متجر، خلافاً للكوتور. حين ابتكرنا Paraffection، سألت كارل كيف بوسعنا أن نسلّط الضوء عليها فقال: "انظر، نحن لا نفعل شيئاً في كانون الأول/ ديسمبر لذا يمكننا أن ننظّم عرض Métiers d’Art". في البداية ظننّا أنّنا سنقدّم عرضاً واحداً. كان ذلك في عام 2002 في صالونات الهوت كوتور في كامبون. أمّا المدعوّون في تلك الفترة فكانوا الماركات الأخرى التابعة للموضة الباريسيّة. ثمّ وجدنا أنّ بين زبوناتنا عدداً كبيراً ممّن يبحثنَ عن هذا النوع من القطع الاستثنائية، ما دفعنا إلى الاستمرار في تقديم هذا العرض كلّ سنة.

 

كيف يمكن تقديم ألبسة جاهزة بهذه النوعيّة؟ ألا تطرأ هنا مشكلة ميزانيّة؟

في هذه المجموعة التي تتوفّر في المحالّ ابتداءاً من شهر أيّار/ مايو، يمكن إيجاد فستان واحد يطرح مشكلة على مستوى التكلفة والوقت الذي استُثمر لتنفيذه. هذا صحيح، نحن نقدّم قطعاً فنّية متكلّفة جداً ولكن أخرى أقلّ كلفةً. تُقيّم هذه الأكسسوارات والقطع على أنّها قطع نادرة يجب جمعها لأنّها جوهر بصمة شانيل. وهي تجسيد لما نُتقن فعله: ابتكارٌ مرتبط بالعمل الحرفيّ.

 

لمَ وقع الخيار على نيويورك في هذه النسخة السادسة عشرة؟

تاريخيّاً، منذ أن أطلقنا مجموعة Métiers d’Art، تُباع أكثر قطعها في نيويورك. إنّ الأميركيّين حسّاسون جداً حيال نقل تراثٍ كهذا يجسّد مهناً ليست موجودة في الولايات المتّحدة الأميركيّة. لقد وقع الخيار على نيويورك لعرض هذه المجموعة الأخيرة لعدّة أسباب. أولاً، مرّت خمسة أعوام ولم نقدّم أيّ شيء هناك فقد فتحنا ذاك المتجر الرائع على 57e avenue وقد جدّدناه هذه المرة. كذلك إنّ عرض قطع Métiers d’Art لزبوناتنا الأميركيّات يشكّل جزءاً من أولويّاتنا وقد رغب السيّد لاغرفيلد في تقديم عرض للأزياء في متحف Met. لقد مرّت ثلاثون سنة ولم يُقدَّم في هذا المكان الرائع أيّ عرض، وقد كان الحدث عظيماً بالفعل!

 

مصر في نيويورك، من أين جاءت هذه الفكرة؟

مع السيّد لاغرفيلد كلّ شيء ممكن! لقد كان ملهِماً ومفعماً بالإلهام، وهذه التحدّيات غير المرتقبة هي التي تحرّك شانيل. فمن يمكنه تخيّل مطار أو سفينة في Grand Palais؟ أو عرض في كوبا... لقد صنع حكايات استثنائية ترجمت إبداعه اللامحدود.

 

كم من الوقت يحتاج تنفيذ أفكارٍ كهذه؟

عملنا عليها لمدة ستّة أشهر. ويجب ألاّ ننسى أنّنا نُصدر عشر مجموعات سنويّاً، أي ما يعادل تقريباً واحدة كلّ شهر. وفي كلّ مرّة، ننطلق من الصفر نوعاً ما. نجازف، ولا نتوقّف عند أمجاد الأمس أو اليوم، ونتساءل كثيراً حول تقديم رؤية فريدة وخاصّة عن شانيل.

 

إنّها دار توجّه أنظارها نحو الإبداع ونحو المستقبل. وتتجرّأ على المخاطرة وهذا رائع. وتؤدّي فيها مجموعة Paraffection دوراً جوهريّاً لأنّه بفضل المهن الفنّية نتمكّن من تنفيذ رؤية الاستوديو. فتلك المهن كانت موجودة في زمن الآنسة شانيل التي انخرطت فيها، وهي تخلّد معارف لا نجدها إلاّ في باريس وهي أساس الكوتور. تدريجاً، وتحت إشراف كارل لاغرفيلد، تمكّنا من توسيع الدائرة وجمع تلك المهن. كانت رؤيته تهدف إلى جعلها تعمل باستمرار على كلّ مجموعاتنا.

 

ما هي ميزة دار شانيل؟

نحن نقدّم باستمرار مشاريع تلتفت دوماً إلى المستقبل من دون التنكّر أبداً لما حصل في الماضي. وعلى الأرجح، ينبع نجاح شانيل من هذا التناغم وهذه الاستمراريّة في الزمن التي تسمح لزبوناتنا بإيجاد بصمة خاصّة. إنّ العمل على التويد هو المثال الأبرز الذي يجسّد بشكل مثالي تاريخ الدار. عملت الآنسة شانيل على التويد ونحن اليوم أيضاً نستمرّ بالعمل عليه لكنّنا نطوّره دوماً ونُلهم منافسينا وفي الوقت عينه لا أحد يتمتّع بالخبرة الموجودة لدى شانيل. لا حدود أبداً لما نفعله وهناك الكثير من الشغف خلف كلّ قطعة. في الحقيقة، تقوم الدار على طاقة مذهلة مفعمة بالإبداع!

 

حاورته ديزيريه صادق

المزيد
back to top button